ماكرون يوجه دعوة رسمية للملك محمد السادس لحضور المعرض الفلاحي في باريس في ظل "أزمة طماطم" بين البلدين

 ماكرون يوجه دعوة رسمية للملك محمد السادس لحضور المعرض الفلاحي في باريس في ظل "أزمة طماطم" بين البلدين
الصحيفة - خولة اجعيفري
الخميس 13 فبراير 2025 - 19:30

وجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعوة للملك محمد السادس من أجل حضور المعرض الدولي للفلاحة الذي سينظم في باريس بين 22 فبراير و2 مارس المقبل.

ووفق المعطيات، فإن "الإليزيه" لم يتوصّل حتى الآن بأي رد رسمي من العاهل المغربي بشأن هذه الدعوة، إلاّ أن حضوره المحتمل سيشكل زيارته الرسمية الأولى إلى فرنسا منذ عام 2018، كما ستكون مناسبة لرأب الصدع بين البلدين الذي أحدثه احتجاجات الفلاحين الفرنسيين علاقة بالاتفاقية الفلاحية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة.

في هذا السياق، أشارت صحيفة "لوموند" الفرنسية إلى أن اختيار مناسبة معرض الفلاحة لتوجيه دعوة رسمية للملك محمد السادس، "ليس عشوائيًا"، فهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تكريم بلد معين، وفي هذه الدورة سيكون المغرب ضيف الشرف، وهو قرار يقول المنظمون إنه "يعكس أهمية الشراكات الفلاحية التي تربطنا بالمملكة"،  كما تأتي الدعوة في سياق التقارب الدبلوماسي الأخير بين باريس والرباط، والذي تُوج في عام 2024 باعتراف ماكرون بسيادة المغرب على صحرائه في يوليوز، تلاه بعد ذلك زيارة الدولة التي قام بها إلى العاصمة المغربية في أكتوبر.

وفي باريس، يتوقع المسؤولون الفرنسيون وصول وفد مغربي كبير، في وقت شهدت المبادلات الفلاحية بين الجانبين قفزة كبيرة، مدفوعة بنمو الصادرات الفرنسية من الحبوب وارتفاع الصادرات المغربية من الفواكه والخضروات، غير أن استعادة الثقة بين البلدين قد تتأثر بتغير موازين القوى النقابية في فرنسا، على خلفية تصاعد الاحتجاجات ضد الاتفاق الفلاحي بين الاتحاد الأوروبي والمغرب.

وفيما يتعلق بهذه القضية، فإن نقاط التوتر على ضفتي البحر الأبيض المتوسط ليست جديدة، فبينما يؤكد المنتجون المغاربة احترامهم المعايير الأوروبية حسب ما بدأ المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية "أونسا" يُشدد عليه، يتهمهم نظراؤهم الفرنسيون باستخدام مبيدات حشرية محظورة في الاتحاد الأوروبي والاستفادة من تكاليف يد عاملة منخفضة سيما مع إعفاء الطماطم المغربية من الجمارك ضمن حصص محددة، مما يؤدي إلى انخفاض أسعارها في الأسواق الكبرى، فعلى سبيل المثال، تُباع عبوة 250 غرامًا من الطماطم الكرزية المطوّلة، المنتجة في مدينة أكادير أو في الداخلة بالأسواق الفرنسية بسعر 0.99 أورو، وهو سعر أقل مما بقرابة النصف من الطماطم الفرنسية وهو يثير غضب الفلاحيين الفرنسيين من المنتجات المغربية.

وتواجه العلاقات الفلاحية بين الرباط وباريس، تحديات بالجملة بسبب تصاعد الاحتجاجات في أوساط الفلاحين الفرنسيين لهذا السبب، خاصة بعد القرار الأخير لمحكمة العدل الأوروبية بسبب اتفاقية الفلاحة والصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمملكة، والتي باتت موضع انتقاد متزايد، فيما بلغت موجة الغضب الفلاحي في فرنسا ذروتها عام 2024، حيث عمد محتجون إلى إفراغ أطنان من الطماطم المغربية في الطرقات ومواقف المتاجر الكبرى، وقادت هذه التحركات نقابة "التنسيق الريفي"، التي شهدت نفوذًا متزايدًا في المؤسسات الزراعية الفرنسية، ما ينذر بمواقف أكثر تشددًا ضد المنتجات المغربية، كما أُطلقت تحذيرات من احتمال تنفيذ عمليات تعطيل ضد شحنات الطماطم المغربية في سوق "سانت شارل" بمدينة بيربينيا، الذي يعد نقطة عبور رئيسية لهذه المنتجات.

وتَرَافَقَ هذا التصعيد مع بروز الجبهة السياسية الداعمة له، حيث تمكن حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، بقيادة جوردان بارديلا، من تعزيز نفوذه في البرلمان الفرنسي بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، ويُعرف هذا الحزب بعلاقاته الوطيدة مع "التنسيق الريفي"، حيث أظهرت استطلاعات أن 47% من أنصار النقابة الزراعية صوتوا لصالحه في الانتخابات الأوروبية.

ومن بين الشخصيات البارزة في هذا السياق، هيلين لابورت، النائبة عن منطقة "لوت وغارون"، المعروفة بكونها إحدى أهم مناطق إنتاج الطماطم الفرنسية، إذ تشغل أيضًا رئاسة مجموعة الصداقة الفرنسية-المغربية في البرلمان الفرنسي، لكنها لم تتردد في المطالبة بمراجعة اتفاقية الفلاحة مع المغرب، معتبرة أن الإعفاءات الجمركية التي يتمتع بها المنتجون المغاربة "غير عادلة".

في المقابل، يؤكد المغرب التزامه بالاتفاق الموقع مع الاتحاد الأوروبي، رافضًا تحميل مزارعيه مسؤولية الأزمات الداخلية التي تواجهها فرنسا، فخلال اجتماع عقد في 3 فبراير الجاري بباريس، ناقشت سفيرة المملكة في باريس سميرة سيتايل هذه القضية مع النائبة هيلين لابورت، حيث شددت الرباط على لسان السفيرة على ضرورة "احترام التفاهمات القائمة"، كما أن أي مراجعة محتملة للاتفاق المبرم بين البلدين، ينبغي أن تشمل جميع المنتجات االفلاحية، بما فيها الحبوب، التي تعد من أهم صادرات فرنسا إلى المغرب، وقد شكلت هذه النقطة محور جدل خاص بعد تصريحات أرنو روسو، رئيس الاتحاد الوطني لنقابات المزارعين الفرنسيين (FNSEA)، الذي أبدى رغبته في "إعادة التفاوض" بشأن الاتفاق مع المغرب، رغم أن مصالح القطاع الزراعي الفرنسي تبقى مرتبطة بشكل وثيق بالسوق المغربية.

ومع تصاعد التوتر، بادرت الحكومتان الفرنسية ونظيرتها المغربية إلى إعادة تفعيل "اللجنة المشتركة للطماطم"، التي كانت مجمدة منذ عام 2020، كما أُدرج ملف الفلاحة ضمن أولويات الاجتماع رفيع المستوى بين البلدين، المرتقب انعقاده في المغرب قبل الصيف المقبل.

وعلى صعيد موازٍ، يُنتظر أن تتناول هذه القضية خلال اللقاء الذي سيجمع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بنظيره الفرنسي جان-نويل بارو في باريس خلال الأيام المقبلة، سيما وأن بوريطة قد انتقد سابقًا ما وصفه بـ"النزعة الحمائية المتزايدة" في السياسات الأوروبية.

وإلى حدود كتابة هاته الأسطر، يبقى من غير المؤكد ما إذا كان الملك محمد السادس سيحضر معرض الفلاحة إلى جانب إيمانويل ماكرون، لكن في حال تأكدت الزيارة، فستحمل "دلالات اقتصادية وسياسية كبرى" وفق تقديرات مصادر "لوموند" التي أشارت إلى أن العاهل المغربي يمتلك أيضا استثمارات كبيرة في القطاع الفلاحي عبر مجموعة "سيجر" القابضة، التي تدير "الدومينات الفلاحية"، إحدى أبرز الشركات المغربية المصدرة للفواكه والخضروات نحو أوروبا، فيما وفي ظل هذه المعطيات، تشير المصادر المطلعة ذاتها إلى أن الزيارة الرسمية للملك إلى فرنسا، والتي كان ماكرون قد أعلن عنها سابقًا لعام 2025، لا تزال ضمن أجندة الرباط.

الصحراء للمغرب.. والمصالح للجميع

منصات التواصل الاجتماعي، هي بالتأكيد فضاء يلتقي فيه الجميع، العقلاء والمعتوهون، المنصفون والحاقدون، الذين يتكلمون في ما لا يفهمون، والذين لا يتكلمون في إلا في ما يفهمون... هو بحر متلاطم ...