ما بعد دعم الطرح المغربي.. مؤشرات على تنسيق ثنائي بين الرباط ومدريد لتحيين مقترح الحكم الذاتي في الصحراء عبر الاستعانة بالتجربة الإسبانية

لم يكن خفِيا أن الاجتماع رفيع المستوى بين الحكومتين المغربية والإسبانية، الذي احتضنته مدريد الأسبوع الماضي، وضع ملف الصحراء مجددا على طاولة النقاش، لكنه هذه المرة كان مؤطرا بالقرار الأممي 2797 الذي ينص على إجراء مفاوضات على أساس الحكم الذاتي، إلا أن ما دار وسط الغرف المغلقة يبدو أنه تجاوز محاولة استصدار موقف إيجابي جديد من حكومة مدريد، إلى الاستلهام من التجربة الجهوية الإسبانية من أجل تحيين المقترح الذي قدمته الرباط سنة 2007.

ومع مرور الوقت بدأت تبرز مؤشرات تَشي بأن أعضاء الحكومتين المغربية والإسبانية، وخصوصا وزيرا الخارجية ناصر بوريطة وخوسي مانويل ألباريس، تطرقوا إلى هذا الملف خلال الجلسات المغلقة، على اعتبار أن المغرب يقوم الآن، بتعليمات من الملك محمد السادس، بتحيين المُقترح الذي مضى على تقديم نسخته الأولى أكثر من 18 عاما، استعدادا لعرضه أمام الأمم المتحدة، ثم التفاوض بشأنه بين جميع الأطراف، تحت مظلة أمريكية.

وما يُعزز هذا الطرح هي المعطيات التي نشرتها صحيفة "إلباييس" يوم السبت الماضي، إذ أوردت أن المغرب اختار أن "يستلهم" من النموذج الإسباني بخصوص المناطق المحكومة ذاتيا، وذلك لمواجهة "تحدي" تقديم "حكم ذاتي حقيقي" لمنطقة الصحراء، في إشارة إلى منطوق قرار مجلس الأمن الصادر بتاريخ 31 نونبر 2025، وأبرز المصدر نفسه أن الرباط تسعى لتقديم خطة تحظى بقبول الأمم المتحدة.

ونقلت الصحيفة عن "مصادر دبلوماسية في الرباط" تأكيدها أن المغرب يستلهم المغرب تجارب أوروبية مثل وضعية أقاليم ما وراء البحار الفرنسية، أو الحكم الذاتي في اسكتلندا وإيرلندا الشمالية في المملكة المتحدة، لكن النموذج الإسباني للأقاليم ذات الحكم الذاتي، وخاصة نموذج كاتالونيا، يحظى بـ"اهتمام خاص" كمصدر إلهام لمنطقة الصحراء، بهدف تقديم مشروع "حكم ذاتي حقيقي" للأمم المتحدة.

لكن ما نشرته "إلباييس" وإن كان يؤكد تواصل الرباط ومدريد بهذا الشأن فإن لا يُعطي أي مؤشر على أن ذلك بشكل رسمي، رغم أن أن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، وفي حوار مع وكالة الأنباء الإسبانية "إيفي"، كان قد أشاد بالموقف الإسباني من الملف، وأكد أن العمل جارٍ حاليا على إنتاج خُطة مفصل من أجل عرضها على التفاوض.

وقال بوريطة إن إسبانيا ورئيس حكومتها بيدرو سانشيز، كانا أول من استوعب وجود إرادة دولية لجعل الحكم الذاتي أساس الحل، إذ في بيان 2022، قالت مدريد إن مبادرة الحكم الذاتي المغربية "أساس جدي وذي مصداقية"، مضيفا أن "قرار مجلس الأمن يؤكد صحة هذا الموقف الذي تبناه سانشيز"، لكنه نفى وجود محادثات مع "البوليساريو" أو "الأطراف الأخرى"، أي الجزائر وموريتانيا.

وكانت إسبانيا قد أشادت بالمصادقة على القرار الأممي 2797 الذي يؤكد أن حكما ذاتيا حقيقيا تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر قابلية للتطبيق، وفق ما كشف عنه منشور لوزارة الشؤون الخارجية المغربية يوم 4 دجنبر 2025.

ونوهت إسبانيا، في الإعلان الذي جرى اعتماده عقب أشغال الدورة الـ 13 رفيعة المستوى بمدريد، بالقرار الذي صادق عليه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 31 أكتوبر 2025، والذي يؤكد أن "حكما ذاتيا حقيقيا تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر قابلية للتطبيق لتسوية قضية الصحراء".

إسبانيا التي جددت التأكيد على موقفها المُضمن في الإعلان المشترك الصادر بتاريخ 7 أبريل 2022 بين رئيس الحكومة الاسبانية والملك محمد السادس، عبرت عن "ارتياحها" بشأن التطور الأممي الأخير حول قضية الصحراء، والذي يدعم "بشكل كامل الجهود التي يبذلها الأمين العام ومبعوثه الشخصي لتسهيل وقيادة المفاوضات بالاعتماد على مخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب".

ويمثل اعتماد المغرب على التجربة الجهوية الإسبانية، من أجل تطوير مقترح الحكم الذاتي الذي سيُسلم إلى الأمم المتحدة، خطوة جديدة من مدريد على درب الدعم "العلمي" لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية، وذلك رغم أن هذا الأمر تسبب لسانشيز في صدام مع شركائه في الاتلاف الحكومي المنتمين لتحالف "سومار" اليساري الراديكالي.