متقدما على روسيا ومصر.. المغرب يعتلي صدارة موردي الأسمدة للاتحاد الأوروبي في إعادة تشكيل خريطة النفوذ الزراعي

 متقدما على روسيا ومصر.. المغرب يعتلي صدارة موردي الأسمدة للاتحاد الأوروبي في إعادة تشكيل خريطة النفوذ الزراعي
الصحيفة - خولة اجعيفري
الأحد 28 دجنبر 2025 - 15:00

بنهاية سنة 2025، برز المغرب كفاعل استراتيجي مركزي في معادلة الأمن الفلاحي الأوروبي بعدما ارتقى إلى صدارة موردي الأسمدة للاتحاد الأوروبي مستحوذا على 19 في المئة من واردات التكتل ضمن هذه المادة الحيوية متقدما بذلك على روسيا التي تراجعت حصتها إلى 12,8 في المئة، ومصر التي استقرت عند حدود 12 في المئة.

هذا التحول اللافت، الذي يعكس تبدّل في أرقام التجارة الخارجية، يترجم أيضا وفق معطيات "أوروستات" الذراع الإحصائي للمفوضية الأوروبية إعادة تشكل عميقة في مسارات التزويد الزراعي داخل أوروبا، في ظل سياق دولي يزداد هشاشة وتعقيدا منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.

وتشير بيانات "أوروستات" التي اطلعت عليها "الصحيفة" إلى أن الصادرات الروسية من الأسمدة نحو الاتحاد الأوروبي شهدت خلال 2025 تراجعا حادا بعد ثلاث سنوات من الارتفاع المتواصل فقد انتقلت حصة روسيا من 25,8 في المئة مع بداية العام إلى 12,8 في نهايته، مقارنة بـ28,2 في المئة قبل أربع سنوات فقط.

ويؤكد المكتب الإحصائي الأوروبي أن "الإمدادات القادمة من روسيا بدأت تنخفض بشكل ملحوظ على امتداد السنة، في قطيعة واضحة مع النمط الذي ساد منذ فبراير 2022" تاريخ اندلاع الحرب في أوكرانيا، وما رافقها من تغيرات جذرية في علاقات أوروبا التجارية مع موسكو.

هذا التحول لا يقتصر على قطاع الأسمدة وحده، بل يندرج ضمن اتجاه شامل لتراجع المبادلات التجارية الثنائية بين الطرفين ففي الربع الثالث من 2025، بلغت صادرات الاتحاد الأوروبي إلى روسيا 7,25 مليارات أورو، مقابل واردات لم تتجاوز 5,73 مليارات أورو، ليتحقق فائض أوروبي غير مسبوق منذ إطلاق السلاسل الإحصائية سنة 2002.

وعلى مدى الأشهر التسعة الأولى من العام، انكمش حجم التجارة بين الطرفين بنسبة 12,9 في المئة على أساس سنوي ليستقر عند 43,9 مليار أورو، في مؤشر واضح على إعادة تموضع اقتصادي يتجاوز ظرفية الأزمة نحو مسار يبدو أعمق وأطول مدى.

في المقابل، يبرز المغرب كأحد المستفيدين الرئيسيين من هذا التحول الهيكلي فبحصة تبلغ 19 في المئة من واردات الاتحاد الأوروبي من الأسمدة، يتقدم المغرب اليوم على روسيا ومصر، مثبتا موقعه كشريك موثوق داخل المنظومة الزراعية الأوروبية.

وتؤكد "أوروستات" أن "المعطيات الإجمالية تعكس عملية استبدال تدريجي للمنتجات الروسية بإمدادات قادمة من دول أخرى، رغم استمرار حضور روسي مهم في بعض الفئات".

هذا الصعود المغربي لا يبدو وليد ظرفية قصيرة الأمد، بل نتيجة تراكم صناعي ومؤسساتي ممتد؛ إذ إن التحكم في سلاسل الإنتاج، وتنوع المنتجات الفوسفاطية، وقدرة الفاعلين الصناعيين بالمملكة على ضمان تدفقات منتظمة ومستقرة، عوامل جعلت المغرب يتحول إلى شريك استراتيجي في فترة اتسمت بالاضطرابات المتكررة في سلاسل التوريد العالمية، والتقلبات في أسعار الطاقة، وصعود النزعات الحمائية في أكثر من منطقة عبر العالم.

لعل ما يعزز دلالة هذا التحول أن السنوات السابقة شهدت إقبالا أوروبيا على الأسمدة الروسية بفعل الارتفاع الكبير في كلفة الطاقة، خاصة الغاز، الذي أثّر على القدرة التنافسية للإنتاج المحلي الأوروبي.

غير أن تزايد الوعي داخل بروكسيل بضرورة تنويع مصادر التزويد، وتخفيف الاعتماد على الشريك الروسي، دفع الاتحاد نحو إعادة تصميم خريطة موارده الزراعية، مع إعطاء الأفضلية لدول قادرة على الجمع بين الاستقرار السياسي واستمرارية العرض الصناعي، وتحييد الاعتبارات الجيوسياسية عن الالتزامات التجارية.

في هذا السياق، يظهر المغرب في قلب هذا التوازن الجديد، ليس فقط بصفته منتجا رائدا للأسمدة، بل كركيزة وثيقة لاتحاد يبحث عن شركاء بدائل يضمنون أمنه الفلاحي والغذائي في المدى المتوسط والبعيد. وإلى جانب البنية الصناعية المتقدمة، يسلط التقرير الضوء على “حكامة تعاقدية” تعتمد الاستباق اللوجستي واستدامة الالتزامات والتعامل التجاري المحايد سياسيا، وهي معايير تحظى اليوم بأهمية مضاعفة داخل أوروبا التي لا تزال تواجه ارتدادات الأزمات الطاقية والجيوسياسية.

على ضوء هذه التطورات، يبدو أن سنة 2026 مرشحة لمواصلة تعزيز هذا التموقع المغربي داخل السوق الأوروبية، حيث ينظر إلى المملكة باعتبارها نقطة ارتكاز أساسية للأنظمة الزراعية التي تعتمد بشكل كبير على ولوج آمن ومستقر إلى الأسمدة. هذه المكانة الاستراتيجية لا تعكس فقط تحولا في المعطيات التجارية، بل تضع المغرب في قلب استراتيجيات الأمن الغذائي لعدد متزايد من الدول الأوروبية، وتمنحه وزنا تفاوضيا متناميا داخل شبكة العلاقات الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي.

وتُظهر هذه المؤشرات أن ما يحدث ليس مجرد تحول ظرفي مرتبط بأزمة عابرة، بل إعادة ترتيب عميقة لخريطة النفوذ في قطاع استراتيجي عالمي، يحتل فيه المغرب اليوم موقعا متقدما، بينما تتراجع روسيا إلى مرتبة ثانوية مقارنة بما كانت تمثله قبل سنوات قليلة فقط. وفي عالم يتجه أكثر فأكثر نحو أزمات الموارد وسلاسل الإنتاج، تبدو هذه الصدارة المغربية أكثر من مجرد رقم اقتصادي إنها تحول جيواستراتيجي بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

وقال الخبير الاقتصادي محمد ساري لـ "الصحيفة" إن "تصدر المغرب لقائمة موردي الأسمدة للاتحاد الأوروبي بنهاية 2025 لا يمثل فقط نجاحا تجاريا، بل يعكس تحولا جيواستراتيجيا عميقا في خريطة الأمن الغذائي الأوروبي"

وأضاف الخبير الاقتصادي ضمن التصريح ذاته، أن "تراجع الحصة الروسية من 25 إلى 12 بالمئة خلال سنة واحدة يقابله صعود مغربي ثابت بما يعني أن أوروبا لم تعد تنظر إلى المملكة كبديل ظرفي بل كشريك استراتيجي طويل المدى يضمن استقرار التزويد وتوازن السوق".

واعتبر الخبير أن هذا التحول يمنح المغرب "وزنا تفاوضيا غير مسبوق داخل علاقته بالاتحاد الأوروبي، لأن من يمتلك مفاتيح الأسمدة يمتلك جزءا من معادلة الأمن الغذائي" مشيرا إلى أن "بنية الإنتاج المتقدمة، والقدرة اللوجستية واستقرار السياسة الاقتصادية المغربية جعلت الرباط عنصر ثقة في زمن يتسم بالاضطراب وسلاسل توريد متقلبة".

وختم قائلا: "المغرب لا يربح حصصا تجارية فقط، بل يكرس موقعه كفاعل استراتيجي عالمي، ويعيد تعريف موقعه داخل المنظومة الأوروبية ليس باعتباره مزودا تقنيا، بل شريكا حاسما في استقرار السوق الزراعية"

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...