مراسلون بلا حدود: الجزائر تكرّس "عبثا قضائيا ممنهجا" بتثبيت الحكم سبع سنوات على الصحافي الفرنسي كريستوف غليز
صادّقت محكمة الاستئناف الجزائرية على الحكم بسجن الصحافي الفرنسي كريستوف غليز سبع سنوات بتهمة "تمجيد الإرهاب" ضمن قرار وصفته مراسلون بلا حدود بـ"العبثي" بعدما أثار صدمة داخل عائلته التي عبّرت عن انهيارها وعدم فهمها لمسار القضية فيما وبينما تتصاعد الدعوات الفرنسية والدولية لإطلاق سراحه، تؤكد المنظمة الحقوقية أن ملف المتابعة "فارغ تماما" ما يطرح أسئلة جديدة حول خلفيات الحكم ومآلاته في سياق دبلوماسي حساس بين باريس والجزائر.
وأصرّ القضاء الجزائري، هذا الأسبوع، على تثبيت الحكم الصادر بالسجن سبع سنوات في حق الصحافي الفرنسي كريستوف غليزمكرسا واحدة من أكثر القضايا حساسية في المشهد الإعلامي بين البلدين خلال السنوات الأخيرة.
القرار، الذي صدر عن محكمة الاستئناف الأربعاء، فجّر موجة من الانتقادات اللاذعة، التي لم تأتِ فقط من المنظمات الدولية، بل كذلك من عائلة الصحافي وداعميه، الذين بدت عليهم، وفق شهادات مقربين، علامات الصدمة والحيرة، وهم يتابعون مجريات القضية التي يعتبرونها "خاوية من أي أساس قانوني متماسك"
وكانت آن بوكندي، المديرة التحريرية في منظمة مراسلون بلا حدود، الصوت الأكثر وضوحا في إدانة ما وصفته بـ"العبث القضائي" خلال ظهورها الإذاعي على Africa Radio صباح اليوم الجمعة فبالنسبة إليها، فإن الحكم، بما يحمله من قسوة وجفاء، لا يكتفي بتكميم صحافي مخضرم، بل يبعث برسالة سياسية قاتمة حول مستقبل حرية التعبير في بلد ما زالت مؤسساته الأمنية والقضائية تعمل تحت ضغط التجاذبات.
"نحن مصدومون منذ بداية هذه القضية" تقول بوكندي، قبل أن تضيف بأن ملف المتابعة "فارغ بالكامل"، وأن غليز، الذي اشتهر بعمله الرياضي العميق وبكتابه الذي سلط الضوء على 'العبودية الحديثة للاعبي كرة القدم الأفارقة" لم يكن في يوم من الأيام فاعلا خارج انشغالاته المهنية التي صاغت اسمه في الأوساط المهتمة بالكرة الإفريقية.
غليز، الذي كان يُعرف بلطفه ونبرة شغفه في تغطياته للبطولات الإفريقية، وجد نفسه فجأة خلف القضبان منذ يونيو الماضي في مناخ سياسي مشحون، حيث تتفاعل القضايا الإعلامية والدبلوماسية ضمن فسيفساء معقّدة من الحسابات المتبادلة.
عائلته، التي توزعت بين باريس وتيزي وزو لمتابعة تفاصيل الحكم، لم تُخفِ إحساسها العميق بالانكسار، لكنها وفق ما تؤكده بوكندي، لا تزال متماسكة على نحو يُجسد شخصية الصحافي نفسه فقد نقلت العائلة عنه رسالة صامتة لكنها قوية، عبر نظرة ثابتة وإشارة قلب بيديه لوالدته ورفيقته، في محاولة لبعث الطمأنينة إليهم بأن "الأمور ستسير نحو الأفضل".
ورغم الصدمة التي أحدثها تثبيت الحكم، فإن مسارات الطعن لا تزال مفتوحة وثمة احتمال بطلب عفو رئاسي على غرار بوعلام صنصال، أو اللجوء إلى الطعن بالنقض لكن كلا الخيارين يظل رهينا بجلسة مرتقبة بين المحامي وموكله، وبتشاور داخل العائلة التي ترغب في اتخاذ الخطوة التالية بعيدا عن التسرّع.
بوكندي ترفض، في هذه المرحلة استباق الخيارات القضائية، مؤكدة أن الأولوية لدى المنظمة هي رفع منسوب التعبئة والضغط، سواء داخل فرنسا أو عبر قنوات المجتمع المدني الدولي، بهدف الدفع نحو الإفراج عن الصحافي.
الحملة التي أطلقتها مراسلون بلا حدود قبل أسابيع، نجحت في استقطاب أكثر من 20 ألف توقيع، فيما انخرطت أندية كرة قدم وشخصيات من عالم الرياضة في الدفاع عن غليز في صورة تعكس حجم التقدير الذي يحظى به في هذا الوسط.
المنظمة تدعو اليوم إلى توسيع نطاق التضامن، عبر الإعلام والفاعلين السياسيين والرياضيين، لإبراز أن القضية ليست مجرد ملف قضائي، بل جزء من نقاش أوسع حول توازنات القوة، وحدود التسامح السياسي، ومسؤولية الدولة في حماية حرية التعبير.
وفي خلفية هذه القضية التي تشبه عُقدة دبلوماسية أكثر منها مسارا قضائيا عاديا، تتردد أصداء التوتر التقليدي بين باريس والجزائر، وإن كانت الفترة الأخيرة قد شهدت بعض الإشارات الخافتة على رغبة في التهدئة.
ومع ذلك، فإن الحكم على غليز يعيد فتح جروح العلاقات الثنائية، ويطرح أسئلة حادة بشأن استعداد الجزائر لمنح "عفو رئاسي" قد يخفف الضغط الدولي ويعيد بعض الدفء إلى العلاقات سيما وأن "الأولوية الآن ليست التكهنات، بل التعامل مع صدمة القرار" تقول بوكندي، قبل أن تشدد على مطلبها الأساسي "نريد مخرجا سعيدا لكريستوف غليز"
وبين مشهد عائلة مكلومة لكنها صامدة، وضغوط تمارسها المنظمات الدولية، ومسار قضائي غامض لا يزال ينتظر تكييفه النهائي، تتحول قضية غليز إلى اختبار جديد لمدى قدرة باريس والجزائر على إدارة خلافاتهما دون التضحية بمبدأ أساسي هو أن حرية الصحافة ليست ورقة تفاوض، ولا ينبغي أن تتحول إلى ضحية في صراع النفوذ المتبادل بين دولتين تتقاطع ماضيهما وجغرافيتهما وتاريخهما بأكثر مما تتباعد.




