مرحلة التحول في منطقة الساحل.. تركيا تعتبر وجودها إلى جانب المغرب يُعوض فشل الوضع السابق أمنيا واقتصاديا
تمر منطقة الساحل في الوقت الراهن بمرحلة تحول دقيقة، تسعى من خلالها دول النيجر ومالي وبوركينافاسو للخروج من مرحلة ما بعد الانقلابات العسكرية التي أسفرت عن أنظمة جديدة لازالت تبحث عن فرض الاستقرار في بلدانها، لكن بعيدا عن الشراكات السابقة وبعيدا عن سياسة "الوصاية" التي كانت تفرضها بعض البلدان الغربية، مثل فرنسا، أو بعض بلدان الجوار، مثلما كان الحال مع الجزائر بخصوص مالي.
وقالت صحيفة "دايلي صباح" التركية الموالية للحكومة في أنقرة، في هذا السياق، إن منطقة الساحل تشهد مرحلة تحول عميقة، في ظل تراجع النفوذ الغربي التقليدي، وبروز أدوار جديدة لقوى إقليمية، وفي مقدمتها تركيا، التي ترى أن حضورها الاستراتيجي إلى جانب المغرب يشكل بديلا عمليا عن فشل النماذج الأمنية والاقتصادية السابقة.
ووفق تحليل الصحيفة التركية، فإن التحالفات الغربية في منطقة الساحل آخذة في التفكك، بعد عقود من مقاربات اعتمدت على "لإرشاد والمساعدات" دون تحقيق الاستقرار، وهو ما أدى إلى رفض سياسي واسع للوضع القائم، تجلى في الانقلابات التي عرفتها دول مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
واعتبرت الصحيفة التركية أن هذه التحولات لم تكن أحداثا معزولة، بل تعبيرا عن رفض بنيوي للنموذج الأمني القديم، مشيرة إلى أن دول غرب إفريقيا باتت تبحث عن "شركاء حقيقيين"، في وقت تواجه فيه القوى الاستعمارية السابقة أزمة شرعية متصاعدة.
وفي هذا السياق، تبرز تركيا، حسب "دايلي صباح"، كفاعل مختلف لا يحمل “أعباء تاريخية"، ويعتمد مقاربة تخلو من الخطاب الوعظي الذي يرافق التدخلات الغربية، مع الجمع بين الدعم العسكري واحترام السيادة السياسية للدول الإفريقية.
وتضع الصحيفة التركية، المغرب في قلب هذا التحول الجيوسياسي، معتبرة أن المجال الممتد من الساحل إلى السنغال ثم المغرب والبحر الأبيض المتوسط يشهد إعادة تشكيل هادئة، تشكل فيها الرباط حلقة وصل أساسية بين إفريقيا والفضاء الأطلسي والمتوسطي.
وأضافت بأن "المبادرة الأطلسية للمغرب"، ليست مشروعا تجاريا فحسب، بل "شريانا جيوسياسيا" يهدف إلى ربط دول الساحل بالمحيط الأطلسي وتجاوز هشاشة العمق القاري وعدم الاستقرار الأمني، مشيرة إلى أن تركيا وجدت في هذه المبادرة أرضية استراتيجية للتموقع، مستفيدة من علاقاتها العميقة مع الرباط، بما يسمح لها بإسقاط قدراتها اللوجستية والاقتصادية من المتوسط نحو الساحل الأطلسي الإفريقي.
هذا وبالرغم من أن الصحيفة التركية اكتفت بالإشارة إلى أن التحولات التي تعرفها منطقة الساحل تنبني على رفض التدخلات والوصاية الغربية التي ميزت المنطقة عدة عقود، إلا أن الواقع يشير إلى أن من بين أكبر الخاسرين في هذا التحول أيضا، هي الجزائر، التي دخلت في أزمات مع دول الساحل في السنوات الأخيرة.
هذا الواقع كانت قد أشارت إليه مجلة "جون أفريك" الفرنسية المتهمة بالشؤون الإفريقية، في تحليل نشره مدير تحريرها فرانسوا سودان في غشت الماضي، حيث جاء فيه بأن منطقة الساحل تشهد تحولات دبلوماسية وسياسية تُسجل معها تراجع قدرة الجزائر على لعب دورها التقليدي كوسيط في أزمات المنطقة، فيما يواصل المغرب تعزيز حضوره بخطوات محسوبة ومشروع متكامل يجمع بين الاقتصاد والدين والأمن.
وأضافت المجلة الفرنسية، في هذا السياق، أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أعلن في يوليوز الماضي استعداده للتوسط بين الحكومة المالية والمتمردين الطوارق في شمال مالي، غير أن هذه المبادرة، لم تملك فرصا حقيقية للنجاح، بل تمثل "موقفا سياسيا" فقط وليس عرضا جديا.
وأوضح سودان أن السلطات المالية، وتحديدا في ظل حكم المجلس العسكري، ترفض أي وساطة أجنبية في شؤونها الداخلية، وخصوصا من الجزائر التي تُتهم بإيواء شخصيات بارزة من قادة التمرد، إضافة إلى الإمام محمود ديكو، أحد المؤثرين في المشهد السياسي والديني بمالي.
ولفت التقرير التحليلي لـ"جون أفريك"، أن المغرب يظهر كمستفيد أساسي من فراغ الدور الجزائري، حيث يتحرك وفق "مشروع شامل للنفوذ" يجمع بين الجوانب الاقتصادية والدينية والأمنية، ويعتمد على رؤية طويلة المدى.
هذه المقاربة المغربية، التي يصفها سودان بـ"الاستراتيجية الأطلسية"، تهدف إلى ربط دول الساحل غير الساحلية بالمحيط الأطلسي، وهو هدف طموح قد يكون في مرحلة الإعلانات أكثر من التنفيذ، لكنه يتمتع بوزن جيوسياسي معتبر وفق تعبيره.
ويضيف المحلل ذاته، أنه من الناحية الاقتصادية، ترى الرباط في دول تحالف الساحل الثلاث سوقا واعدة، وفي الوقت نفسه بوابة لتعزيز دورها كوسيط بين هذا التحالف وأوروبا والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس)، كما يسعى المغرب إلى تعزيز حضوره عبر التعاون الديني، مستفيدا من مكانته في مجال تدريب الأئمة والدعاة، إضافة إلى شراكاته الأمنية والعسكرية التي تدعم صورته كشريك موثوق في مكافحة الإرهاب.




