معاهدة الصداقة وحسن الجوار.. اتفاق جزائري إسباني أنجبته أزمة جزيرة ليلى ضد الرباط.. وأُقبِرَ بِدعم مدريد لمغربية الصحراء
وضعت الجزائر، الأسبوع الماضي، نقطة النهاية لمعاهدة "الصداقة والتعاون وحسن الجوار" قبل أسابيع من إتمام عامها العشرين، وكما كان المغرب سببا في توقيع هذه المعاهدة يوم 8 أكتوبر 2002، كانت المملكة أيضا سببا في تعليق العمل بها يوم 8 يونيو 2022، وذلك بعدما أصر رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز على المُضي قُدما في الموقف العلني لحكومته القاضي بدعم مقترح الحكم الذاتي في الصحراء تحت سيادة الرباط، الأمر الذي أكده أمام برلمان بلاده.
ومَثلت معاهدة "الصداقة والتعاون وحسن الجوار" إحدى أبرز أوجه التحالف الإسباني الجزائري ضد المصالح الجيو-استراتيجية للمغرب، فإذا كان تجميدها مرتبطا بالنقاط المتتالية التي تحصدها المملكة خلال السنوات الأخيرة لصالح رؤيتها للحل في الصحراء، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من أراضيها، فإن إعلان المعاهدة جاء بعد نازلة حدودية اخرى، لكن شمالا هذه المرة، حيث تلا أزمة جزيرة ليلى، التي وقف خلالها الجزائريون في الاتجاه المعاكس للموقف العربي الداعم للمغرب.
البداية من جزيرة ليلى
ففي 11 يوليوز 2002 وصل 12 عنصرا من القوات المغربية إلى جزيرة ليلى رافعين علم المملكة عليها، والهدف كان هو مراقبة نشاط الهجرة غير النظامية الذي كان وقتها في أوجه ما بين شمال المغرب وجنوب إقليم الأندلس، لكن عناصر الحرس المدني الإسباني المكلفة بمراقبة الحدود انتبهت إلى الأمر ووجهت رسالة إلى مدريد مفادها بأن الجزيرة المهجورة، التي تعتبرها إسبانيا جزءا من أراضيها، قد تعرضت "للغزو والاحتلال" من طرف الجيش المغربي.
وقتها كان يوجد على رأس السلطة التنفيذية في إسبانيا قومي يميني اسمه خوسي ماريا أثنار، زعيم الحزب الشعبي الذي وصل إلى رئاسة الوزراء على أكتاف "بروباغاندا" تزعم أن إسبانيا فقدت بريقها وثقلها الدولي في عهد الاشتراكي فيليبي غونزاليس، وتتعهد بإعادتها إلى زمن قوتها، وجنوبا كانت تتراءى له مملكة مُقدر لها أن تشاطر بلاده العداء على مر التاريخ، يحكمها ملك شاب وصل إلى العرش قبل 3 سنوات فقط، لذلك قرر أن يحول الأمر إلى معركة.
وبسرعة حرك "عراب اليمين الجديد" في إسبانيا قواته لاقتحام الجزيرة في عملية أطلق عليها اسم "روميرو سييرا" نُفذت يوم 18 يوليوز 2022 من طرف الوحدات الخاصة في الجيش الإسباني التي قامت بإنزال جرى توثيقه بالصوت والصورة استُخدم فيه سرب من الطائرات المروحية المقاتلة وتحركت فيه قطع بحرية انطلاقا من قاعدة قادش، ولأن القوات المغربية كانت أقل عددا وجاهزية للقتال، فإن الأمر انتهى بسرعة ولم تتوانَ إسبانيا في عرض صور الجنوب المغاربة الأسرى والأكياس موضوعة على رؤوسهم.
الجزائر ضد المغرب والعرب
وخلفت هذه الواقعة أزمة دبلوماسية كبيرة، اضطرت الولايات المتحدة الأمريكية إلى التدخل مباشرة للوساطة فيها مخافة أن تشب حرب بين حليفيها في منطقة غرب المتوسط، وتدخل خلالها وزير الخارجية الأسبق، الراحل كولين باول، بشكل شخصي لإنهاء المشكلة وإعادة الأمور إلى مرحلة ما قبل "المواجهة"، في حين أبانت الدول العربية عن دعم مُطلق للمغرب، وانتقل عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية حينها، إلى شمال المغرب لإعلان الدعم العربي الصريح للرباط.
لكن دولة عربية واحدة ظلت خارج هذا الإجماع العربي، وهي الجزائر، البلد الذي خرج للتو من مأساة الحرب الأهلية التي أطلق عليها "العشرية السوداء"، وقبل 3 سنوات فقط من تاريخ أزمة جزيرة ليلى، كان يدخل مرحلة جديدة أطلق عليها اسم "الوفاق الوطني" قادها رئيس الجمهورية الجديد حينها عبد العزيز بوتفليقة، وهي مرحلة برز فيها بقوة استخدام النظام الجزائري لقضية الصحراء من أجل التلويح بـ"خطرٍ" قادم من الخارج وتحديدا من الغرب.
وحينها لم تختر الجزائر الصمت، بل جاهرت بدعم إسبانيا في إطار مبدأ تحمله دبلوماسيتها على أكتافها على الدوام، اسمه "العودة للحدود الموروثة عن الاستعمار"، ليخرج عبد القادر مساهل، الوزير المكلف بالشؤون الإفريقي والمغاربية في حكومة المرادية حينها قائلا إن ما قامت به القوات المغربية يُعد "فرضا للأمر الواقع" ويدخل في نطاق "خرق الشرعية الدولية"، وهو الموقف الذي ظلت الجزائر تردده دائما حتى في قضيتي سبتة ومليلية، رابطة إياه أيضا بملف الصحراء.
معاهدة بأهداف أمنية وعسكرية
لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فجزائرُ بوتفليقة التي كانت حينها موضوعة تحت يد جنرالات حقبة الحرب الأهلية، وإسبانيا أثنار الطامحة للعب دور أكبر على الساحة الدولية لدرجة مشاركتها في غزو العراق بعدها بأشهر، قررتا التحالف معا بغرض صناعة طوق حول المغرب لحماية مصالحهما الحدودية في الشمال وفي الصحراء، الأمر الذي كان من أسباب خروج معاهدة الصداقة والتعاون وحسن الجوار إلى النور بعد 3 أشهر فقط من أزمة جزيرة ليلى.
ويبدو توجه الاتفاقية إلى "الخصم المشترك" واضحا من خلال بنودها، التي أعادت نشرها مؤخرا صحيفة "الشروق" الجزائرية المقربة من دوائر السلطة، وفيها جرى التنصيص على " احترام الشرعية الدولية، وتمسك الأطراف المتعاقدة بحسن نية بالالتزامات التي تعهدت بها طبقا لمبادئ ومعايير القانون الدولي وتلك المترتبة عن معاهدات أو اتفاقات أخرى طبقا للقانون الدولي والتي تكون طرفا فيها"، وهي عبارات ترتبط مباشرة بقضية الصحراء من جهة وسبتة ومليلية والجزر المتوسطية المتنازع عليها من جهة أخرى.
ونصت الاتفاقية أيضا على التعاون في مجالات حساسة بالنسبة للبلدين على غرار "التنسيق في المجال الأمني والهجرة السرية"، بل وعلى "تعزيز التعاون بين القوات المسلحة الجزائرية والإسبانية، مع إيلاء اهتمام خاص بتبادل الوفود وعقد دورات التدريب والتحسين وتنظيم التدريبات المشتركة"، ثم على "تنفيذ برامج مشتركة للبحث والتطوير وإنتاج أنظمة الأسلحة والمواد والمعدات الدفاعية الموجهة لتغطية احتياجات الطرفين من خلال تبادل المعلومات التقنية والتكنولوجية والصناعية".
الصحراء.. نقطة الختام
لكن يبدو أن كل ما جرى الاتفاق عليه في هذه المعاهدة التي استمرت على قيد الحياة لمدة 20 عاما، أصبح من الماضي، فالجزائر التي قامت بالخطوة الأولى في مارس الماضي عندما أعلنت الحكومة الإسبانية عن دعم مقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء، عبر سحب سفيرها من مدريد والتلويح بوقف إمدادات الغاز الطبيعي، كانت تتوقع أن تتراجع إسبانيا عن هذا الموقف الذي أنهى أزمة ديبلوماسية امتدت لنحو عام، كانت هي الأسوأ منذ أزمة جزيرة ليلى تحديدا.
لكن حضور سانشيز إلى مجلس النواب الإسباني، يوم 8 يونيو الجاري، وإعلانه مجددا تبني الطرح المغربي باعتباره الأكثر واقعية ومصداقية، كان بمثابة الضربة القاضية للرغبة الجزائرية في إحداث أي تأثير على موقف مدريد، خاصة وأن سانشيز أبدى، بشكل ضمني، ندم إسبانيا على التزامها الحياد طيلة سنوات الصراع حول الصحراء، حين أوضح أن مرور أربعة عقود دون الوصول إلى حل دليل على أنه لا بد من أن يغير الإسبان موقفهم، لأن "مصلحة إسبانيا في حل هذا النزاع وعدم الانتظار إلى ما لا نهاية".
وإذا كانت المعاهدة تنص على أن البلدين ملزمان "بتسوية الخلافات التي قد تنشأ بينهما بالطرق السلمية بحيث لا تهدّد السلم والأمن الدوليين، والالتزام، في جو من الصداقة والثقة، بإيجاد حل عادل لكل خلاف ثنائي يتطابق مع القانون الدولي"، فإن ادعاء الجزائر بأنها ليست طرفا في قضية الصحراء، كان يعني نظريا أن لا علاقة للمعاهدة بأي تطور يحدث في هذا الملف، لكن خطوتها الأخيرة أثبتت أنها، كما بنت "صداقتها" مع مدريد على أساس العداء للمغرب، فإنها أنهت هذه الصداقة بسبب مكاسبه في قضيته الأولى.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :