مقترحٌ أمريكي لـ "إلغاء المينورسو".. هل تُحول إدارة ترامب مغربيةَ الصحراء إلى "أمر واقع" بسحب تمويلها للبعثة الأممية ؟
بدأت تظهر إرهاصات جديدة لتعاطي الولايات المتحدة الأمريكية مع ملف الصحراء خلال الولاية الثانية للرئيس دونالد ترامب، وهو ما عبَّر عنه معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسات العامة، أحد أعرق مؤسسات التفكير بواشنطن والمقرب من الحزب الجمهوري، والذي طرح فكرة إنهاء مهام بعث "المينورسو" تماشيا مع تنزيل الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على المنطقة.
هذه الفكرة، تبدو متماشية مع موقع الولايات المتحدة الأمريكية في عملية تدبير ملف الصحراء، الذي يكتسب قوته من كونها "حاملة القلم" في صياغة القرار الدوري لمجلس الأمن، الذي لم يعد يضع "استفتاء تقرير المصير" كخيار وحيد على الطاولة، مع إشادته المتكررة بمقترح "الحكم الذاتي"، الأمر الذي قد يجد فيه البيت الأبيض ورقة ضغط قوية لطي الملف نهائيا، وقد يكون مقدمة لإخراج الملف من "اللجنة الرابعة" للأمم المتحدة، بعد 5 عقود من الشد والجذب.
بعثة دون جدوى
في المقال المنشور بالموقع الرسمي للمعهد المعروف اختصارا بـ AEI، والذي كتبه مايكل روبين، مدير تحليل السياسات بالمؤسسة التي يعود تاريخ إنشائها إلى عام 1938، نجد مقترح إنهاء بعثة "المينورسو" خيارا أمام الرئيس ترامب من أجل تقليص الإنفاق العام، ضمن مقترح أَعَمّ يتعلق إلغاء "بعثات حفظ السلام الفاشلة"، وفق توصيف المقال.
الفقرة الخاصة ببعثة "المينورسو"، عنونها المقال بـ "الصحراء الغربية: بعثة بلا نتائج بعد 34 عامًا"، مبرزا أن الأمر يتعلق بـ "منطقة قليلة السكان على الساحل الشمالي الغربي لإفريقيا، أنشأ فيها مجلس الأمن بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية "المينورسو" عام 1991"، ويضيف "كان الهدف بسيطًا: تنظيم استفتاء بين الصحراويين لتحديد ما إذا كانوا يريدون الانضمام إلى المغرب أو إنشاء دولتهم المستقلة".
لكن المقترح يستحضر أيضا تغيُّر الموقف الأمريكية في دجنبر من سنة 2020، في أواخر الولاية الأولى لترامب، الذي وقع مرسوما رئاسيا لا زال العمل به ساريا إلى الآن، يعترف بالسيادة المغربية على الصحراء، لذلك أورد المقال أنه "بعد 34 عامًا وإنفاق مليارات الدولارات، لم تتمكن البعثة حتى من إجراء إحصاء سكاني، وتجد مبررات لذلك، بعضها مقنع والآخر لا، لكن الزمن يمضي، واليوم، تعترف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، ما يعني أن تمويل هذه البعثة خيانة لدولة مشاركة في اتفاقيات أبراهام، والتي لطالما كانت داعمة للولايات المتحدة".
ويمضي مايكل روبين أبعد من ذلك حين يقول "إن الصحراويين أنفسهم يريدون الانضمام إلى المغرب، لهذا السبب، فإن جبهة البوليساريو الماركسية المدعومة من الجزائر، والتي تدعي تمثيل الصحراويين، لا تسمح للاجئين في المخيمات التي تسيطر عليها في ولاية تندوف الجزائرية بالسفر إلى المغرب مع عائلاتهم، إنها تحتجز النساء والأطفال كرهائن لمنع إعادة توطين اللاجئين، من خلال تمويل هذه المخيمات وتضخيم شرعية البوليساريو، حيث تساهم الأمم المتحدة في إدامة المشكلة".
واشنطن.. الممول الأكبر
ميدانيا، لا توجد مشاركة تستحق الذكر من طرف الولايات المتحدة الأمريكية في بعثة "المينورسو"، إذ وفق الأرقام الرسمية للأمم المتحدة، فإن بنغلاديش تتصدر القائمة من حيث عدد الجنود بـ 29 عنصرا إلى غاية غشت 2024، تليها مصر بـ 19 عنصرا، وغانا وباكستان بـ13 ثم الهندوراس بـ12، ونيجيريا بـ11 والبرازيل بـ10، والصين وروسيا وماليزيا بـ9 عناصر لكل بلد، علما أن تعداد العسكريين منذ يناير 2025 هو 245، إلى جانب 466 من الموظفين المدنيين والأمنيين.
إلا أن ثقل واشنطن يبرز من خلال تمويل البعثة، التي خصَّصت لها الأمم المتحدة، خلال جمعيتها العامة في يونيو 2024، ميزانية بقيمة 75,35 مليون دولار، تهم الفترة ما بين فاتح يوليوز 2024 و30 يونيو 2025، منها حوالي 69 مليون دولار مخصصة للإنفاق على أفراد البعثة، و5 ملايين دولار لدعم عمليات حفظ السلام.
وباستحضار إعلانِ الأمم المتحدة قلقَها من عدم مساهمة سوى 116 دولة من أصل 193 باشتراكاتها السنوية الكاملة في ميزانية "المينورسو"، يبرُز الدور الأمريكي بشكل أكبر، إذ بالعودة إلى أرقام المنظمة الأممية الخاصة بفترة 2020 – 2021، تبرز الولايات المتحدة كأكبر مساهم في الأنصبة المقررة في عمليات حفظ السلام بما نسبته 27,89 في المائة، وهي نسبة أكبر بكثير من إجمالي مساهمة الصين، الثانية في القائمة، التي تبلغ 15,21 في المائة.
واقع مختلف
إذا ما قررت الولايات المتحدة الأمريكية إلغاء أو تقليص مساهمتها في تمويل بعثة "المينورسو"، فإن ذلك سيُشكل تهديدا قويا لاستمرارها، بل قد يمثل بداية النهاية لوجود الملف لدى للجنة الرابعة، وهذا الأمر ليس مستبعدا في ظل إدارة ترامب الثانية، ليس بسبب توجهه الحالي لإلغاء العديد من التمويلات الخارجية، ولكن أيضا لأن الرئيس الأمريكي سبق أن قرر، في ولايته الأولى، تقليص تمويل واشنطن لبعثات حفظ السلام برسم سنة 2019 بنسبة 54 في المائة.
ومثلما أشار مقترح معهد المشروع الأمريكي، فإن الجدوى من استمرار "المينورسو" يبقى محل شك، فالولايات المتحدة الأمريكية تعترف بالسيادة المغربية على الصحراء، إلى جانب العدد من دول العالم، منها أكثر من 30 لديها قنصليات في مدينتي الداخلة والعيون، وفي 2024 اعترفت فرنسا أيضا بمغربية الصحراء، وقبلها قررت دول وازنة تنتمي للاتحاد الأوروبي إعلان دعمها مقترح الحكم الذاتي، أبرزها إسبانيا وألمانيا.
من ناحية أخرى، لا تلعب "المينورسو" أي دور يذكر في الحفاظ على قرار وقف إطلاق النار الذي وقعه المغرب و"البوليساريو" مع الأمم المتحدة سنة 1991، الذي قررت الجبهة الانفصالية الانسحاب منه من طرف واحد في نونبر 2020 إثر العملية الميدانية للقوات المسلحة الملكية في منطقة الكركارات، وعمليا، فإن الجيش المغربي هو الذي يتولى حاليا صد مسلحي "البوليساريو" داخل المنطقة العازلة منزوعة السلاح.
كما أن "الاستفتاء" الذي من أجله شُكلت البعثة، تراجع حضوره بشكل كبير في القرارات الدورية لمجلس الأمن، بما في ذلك القرار الأخير الذي يحمل رقم 2756 الصادر في 31 أكتوبر 2024، والذي تحدث عن "حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين، على أساس التوافق"، كما شدد على أن هذا الحل يجب أن يكون "واقعيا وعمليا"، مع استحضار مقترح الحكم الذاتي لسنة 2007 والترحيب بجهود المغرب "المتسمة بالجدية والمصداقية، والرامية إلى المضي قدما بالعملية صوب التسوية".





تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :