من الخوارزميات إلى قضية الصحراء.. ندوة وطنية حول "محاربة الأخبار الزائفة" تكشف حجم الحرب الخفية على النقاش العمومي والثقة الديمقراطية‎

 من الخوارزميات إلى قضية الصحراء.. ندوة وطنية حول "محاربة الأخبار الزائفة" تكشف حجم الحرب الخفية على النقاش العمومي والثقة الديمقراطية‎
الصحيفة - خولة اجعيفري
الأربعاء 17 دجنبر 2025 - 23:00

أجمع ثلة من الخبراء، والمسؤولون الحكوميون والدبلوماسيون خلال لقاء خُصص لموضوع "محاربة الأخبار الزائفة: مقاربات ورؤى متقاطعة" على أن التضليل الإعلامي لم يعد ظاهرة هامشية أو طارئة، بل تحوّل إلى خطر بنيوي يهدد النقاش العمومي والثقة في المؤسسات والمسار الديمقراطي، في ظل هيمنة المنصات الرقمية وتراجع وساطة الإعلام المهني.

وأكد كل من وزير الشباب والثقافة والتواصل مهدي بنسعيد، ورئيسة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري لطيفة أخرباش، ورئيس البعثة بالنيابة في سفارة فرنسا بالرباط شارل تيبو، أن مواجهة الأخبار الزائفة تقتضي تحركا عموميا منسقا، يجمع بين التقنين الذكي للمنصات، ودعم الصحافة المهنية، وتعزيز الشفافية الخوارزمية، والاستثمار في التربية على الإعلام والتفكير النقدي، باعتبارها شروطا أساسية لبناء صمود إعلامي يحمي المجتمع من التلاعب والزيف في زمن التحول الرقمي.

وجاء ذلك، ضمن لقاء وطني نظمته الوزارة الوصية، اليوم الأربعاء، بالعاصمة الرباط تحت عنوان "محاربة الأخبار الزائفة: مقاربات ورؤى متقاطعة"، حيث وضع وزير الشباب والثقافة والتواصل مهدي بنسعيد النقاش في إطاره الدستوري والوطني، مؤكدا أن الحق في المعلومة، كما كرسه دستور المملكة يشكل حجر الزاوية في البناء الديمقراطي، لكنه بات مهددا بشكل متزايد بفعل انتشار الزيف والخداع.

واعتبر الوزير أن الأخبار الزائفة لم تعد مجرد اختلال تقني أو مهني، بل تحولت إلى خطر ثقافي ومجتمعي يمس الذاكرة الجماعية والقيم المشتركة، ويقوض الثقة في المؤسسات.

وشدد بنسعيد على أن أفضل رد على المعلومة الخاطئة يظل هو توفير المعلومة الصحيحة، الدقيقة، وفي الوقت المناسب، وهو ما يستدعي تقوية الإعلام العمومي والخاص، ودعم الصحافة المهنية الجادة، خصوصا الصحافة الاستقصائية المتخصصة في التحقق من الأخبار. كما أقر بأن التحول الرقمي، رغم ما أتاحه من دمقرطة واسعة للولوج إلى المعلومة، خلق في المقابل ضغطا غير مسبوق على غرف التحرير حيث يؤدي التسابق على السبق والانتشار إلى الإخلال بمسارات التحقق، وفتح المجال أمام الإشاعة والتضليل.

من جانبه، اعتبر الدبلوماسي عن سفارة باريس بالرباط شارل تيبو أن السؤال الجوهري اليوم لم يعد يقتصر على كيفية مواجهة الأخبار الزائفة، بل يمتد إلى من يقود فعليا النقاش العمومي، ومن يتحكم في تدفق المعلومة وترتيبها داخل الفضاء الرقمي.

وأوضح الدبلوماسي الفرنسي في مداخلته، أن التحول الذي شهدته وسائل التواصل الاجتماعي خلال العقد الأخير جعل منها الفضاء المركزي للنقاش العام لكنها في المقابل أفرزت ما سماه بـ"اقتصاد الضغط" حيث تتحكم الخوارزميات في إبراز المحتوى الأكثر إثارة واستقطابا، على حساب المعلومة الدقيقة والمتوازنة.

هذا الوضع، بحسب المسؤول الفرنسي، أدى إلى تفكك المجال العمومي، وتصاعد العنف اللفظي، وتنامي حملات التضليل المنظمة التي تستثمر في الانقسام والخوف.

واستعرض تيبو التجربة الفرنسية والأوروبية في هذا المجال، مبرزا أن الرهان لم يعد منصبا على مراقبة المحتوى في حد ذاته، بقدر ما يتعلق بشفافية آليات توزيعه

. وأشار إلى أن التنظيم الأوروبي للخدمات الرقمية يشكل تحولا نوعيا، لأنه يفرض على المنصات الكبرى مسؤوليات واضحة، من بينها الإبلاغ عن المحتويات الخطيرة، وتوفير آليات طعن فعالة للمواطنين، وضبط الإعلانات الرقمية، خاصة السياسية منها، التي يمكن أن تتحول إلى أدوات دقيقة للتلاعب بالرأي العام. كما شدد على حق المواطن في فهم أسباب توصله بمعلومة دون غيرها، معتبرا أن هذا الوعي شرط أساسي لاستعادة الثقة في الفضاء العمومي الرقمي.

من جانبها وفي قراءة أكثر عمقا، اعتبرت رئيسة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري لطيفة أخرباش أن الأخبار الزائفة ليست سوى العرض الظاهر لاختلالات بنيوية أعمق تطال منظومات الإعلام والتواصل.

وأوضحت أن التضليل الإعلامي ينبغي فهمه ضمن سياق التحولات الجذرية التي مست اقتصاد الإعلام وسوسيولوجيا إنتاج الخبر واستهلاكه، حيث انتقل مركز الثقل من الإعلام المهني الخاضع للتقنين والتنظيم الذاتي إلى منصات رقمية خاصة تحكمها اعتبارات ربحية وخوارزمية.

وساقت أخرباش أمثلة متعددة عن تطور ممارسات التضليل في المغرب، من نظريات المؤامرة خلال جائحة كوفيد-19، إلى تزوير معطيات انتخابية، وبلاغات رسمية مفبركة، ومحتويات "الزيف العميقة" المرتبطة بالكوارث الطبيعية، فضلا عن الشائعات الاقتصادية الكيدية كما نبهت إلى الحرب الإعلامية المركبة التي تستهدف المغرب عبر توظيف قضية الصحراء باستخدام خرائط مزورة وإحصائيات مختلقة، وصور ومقاطع فيديو مفبركة، تُضخم رقميا عبر حسابات آلية ومجهولة الهوية.

وأبرزت رئيسة "الهاكا" أن الأرقام المتداولة حول أنماط استهلاك الأخبار تكشف عن تحول مقلق، حيث أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي نقطة الولوج الأساسية للأخبار لدى شريحة واسعة من المواطنين، في مقابل تراجع الصحافة المهنية كمصدر موثوق وهذا التراجع، بحسبها يحرم الجمهور من الضمانات التحريرية الأساسية، وعلى رأسها التحقق من الوقائع، وتراتبية الأخبار، ووضعها في سياقها، ما يزيد من هشاشته أمام استراتيجيات التأثير، سواء الداخلية أو الخارجية.

وتتقاطع هذه الهشاشة، وفق أخرباش، مع التوسع المتسارع لاستخدامات الذكاء الاصطناعي في ظل تأخر التأطير القانوني وغياب حكامة عالمية ملزمة وهو ما يضاعف من قدرة التضليل على الانتشار ويقوض الثقة في الخبر لذلك دعت إلى تحرك عمومي إرادوي، يقوم على المسؤولية المشتركة، ويوازن بين حماية المجتمع، واحترام حرية التعبير، ودعم الابتكار، مع تعزيز التربية الإعلامية والرقمية كشرط أساسي لممارسة مواطنة واعية في العصر الرقمي.

ورغم اختلاف زوايا المقاربة، تقاطعت مداخلات المتدخلين الثلاثة عند خلاصة واحدة مفادها أن محاربة الأخبار الزائفة لم تعد معركة تقنية أو أخلاقية فحسب بل أصبحت رهانا ديمقراطيا وسياديا، يتطلب تقوية الإعلام المهني وتنظيما أكثر عدلا وشفافية للمنصات الرقمية وسوق الإشهار، واستثمارا طويل النفس في التكوين والتربية على الإعلام وهي معركة لا يمكن كسبها دون استعادة الثقة في الخبر وحماية النقاش العمومي من الانزلاق نحو الزيف والاستقطاب  في زمن باتت فيه الخوارزميات لاعبا خفيا لكنه حاسم في تشكيل وعي المجتمعات.

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...