مَوقف مُخزٍ.. الدولة المغربية تتخلى عن مواطنيها في الخارج وتخالف الدستور

 مَوقف مُخزٍ.. الدولة المغربية تتخلى عن مواطنيها في الخارج وتخالف الدستور
الصحيفة – حمزة المتيوي
الأثنين 11 ماي 2020 - 22:41

لا تزال قضية نحو 28 ألف مغربي عالق خارج التراب الوطني منذ إغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية منذ منتصف شهر مارس الماضي بسبب تفشي فيروس كورونا، تفرض نفسها كإحدى أكثر القضايا إحراجا للحكومة وإضرارا بصورة المملكة خلال هذه الظرفية، ليس فقط بسبب الوضع العصيب الذي يوجد عليه جل هؤلاء العالقين، ولكن أيضا لكون هذه الخطوة تُسائلُ الدولة بخصوص مدى احترامها للدستور.

وبَدا جليا، من خلال المعطيات الرسمية، الصادرة تواليا عن كل من الوزيرة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج نزهة الوافي، ثم وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة، وأخيرا رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، أن الملف "عالق" بالمعنى الحرفي للكلمة، ففي كل مرة يتم الحديث عن حسم الملف في اتجاه معين ثم يتم التراجع عن ذلك، كل ذلك وضحايا هذا الوضع يتابعون ما يجري بسخط متزايد على حكومة يتهمونها بـ"نسيانهم".

حكومة في "حيص بيص"

ولم يبرز أي موقف رسمي من لدن حكومة العثماني حول هذا الموضوع طيلة شهر كامل، إلى حدود يوم 15 أبريل الماضي، حين كشفت الوزيرة المنتدبة لدى وزير الخارجية المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج، نزهة الوافي، أمام لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين في الخارج بمجلس النواب، أن تعداد العالقين يتجاوز 18 ألف مواطن، وحينها أقرت، وسط انتقاد من ممثلي الفرق والمجموعات البرلمانية سواء المصطفة منها مع الأغلبية أو المعارضة، بأن أمر إعادتهم إلى المغرب "صعب جدا"، موصية إياهم بـ"الصبر والتضحية من أجل بلدهم".

لكن تصريحات الوافي تم التراجع عنها ضمنيا من طرف وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة، خلال لقاء مع أعضاء اللجنة البرلمانية نفسها بتاريخ 23 أبريل 2020، حين كشف عن كون عدد العالقين تجاوز 22 ألف شخص، لكنه أكد أن عمليات إعادتهم ستنطلق "قريبا" في ظل تنسيق بين وزارته ووزارة الصحة، رابطا الأمر بأنه "حق دستوري" لأولئك المواطنين.

لكن، وبعد أن عاد الأمل للمغاربة العالقين عقب تصريحات بوريطة الذي يقود وزارة تصنف على أنها من "وزارات السيادة"، سيصيب رئيس الحكومة سعد الدين العثماني هذا الأمل في مقتل مرة أخرى، حين تحدث خلال ظهوره عبر القنوات التلفزيونية الوطنية يوم 7 ماي الجاري، عن كون إعادة العالقين الذين اقترب عددهم من 28 ألفا لن تتم إلا بعد إعادة فتح الحدود.

وتسبب هذا "التناقض" في تصريحات مسؤولين ينتمون لحكومة واحدة، في تحول الملف إلى "دوامة" كبيرة تضيع فيها الحقيقة عن المغاربة العالقين وعن عائلاتهم، ويُجهل وسطها مصيرهم في ظل الظروف المادية والاجتماعية والنفسية الصعبة التي يحكون عنها يوميا لوسائل الإعلام وعبر منصات التواصل الاجتماعي، بل إن المعطيات حول هذا الموضوع أضحت بسبب ذلك التناقض هي والشائعاتُ سواء، في الوقت الذي يرفض فيه المسؤولون المباشرون عن الملف التجاوب مع تساؤلات الصحافيين، مثلما كان عليه الأمر مع بوريطة والوافي اللذان لم تتلق منهما "الصحيفة" أي جواب في إطار إعدادها لهذه المادة.

لا رؤية في الأفق

لكن "الضباب" الذي يعلو الصورة لا يتوقف عند العالقين وعائلاتهم والصحافيين، بل أيضا البرلمانيين، ومنهم النائبة عن حزب الأصالة والمعاصرة ابتسام العزاوي، التي سبق أن وجهت سؤالين كتابيا إلى الحكومة حول هذا الموضوع، بتاريخ 5 ماي 2020، الأول لوزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة، حول التاريخ الرسمي لبداية عمليات إعادة العالقين والاستراتيجية التي ستعتمد من أجل القيام بهذه العملية، والثاني لوزير الصحة خالد آيت الطالب، حول الإجراءات الصحية الاحترازية المواكبة للعملية.

وتقول العزاوي في حديثٍ لـ"الصحيفة" إن اجتماعين عقدا داخل مجلس النواب حول هذا الموضوع، آخرهما كان قبيل شهر رمضان، وفيه قال وزير الشؤون الخارجية إن "الحل سيكون قريبا"، مضيفة أن ملف المغاربة العالقين فيه "مسؤولية حكومية ثابتة، فالحكومة هي المسؤولة عن إعادة مواطنيها خلال هذه الظرفية".

وأوضحت النائبة البرلمانية أن "قرار إغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية كان صائبا وجنب المغرب الوقوع في كارثة، لكن اليوم نحن أمام وضع اجتماعي وإنساني صعب جدا، والأرقام الرسمية تدل على ذلك"، مضيفة "هناك مجهودات من طرف السفارات والقنصليات، لكن تعداد من تم التكفل بهم يشكل أقل من ربع العالقين وهذا غير كاف"، وتقدر العزاوي أن "الأمر صعب ومعقد"، لكنها، وعلى غرار العديد من البرلمانيين والمواطنين تريد "وضوح الرؤية على الأقل، فنحن لا نعلم حتى متى ستنطلق هذه العملية وكيف ستتم".

وأبرزت العزاوي أن المغرب "لقي إشادة على الصعيد الدولي بخصوص تدابير جائحة كورونا، لكن هناك تداعيات جانبية لهذا الوضع وعلى رأسها قضية المغاربة العالقين بالخارج"، موردة "عجزُ الحكومة على إعطاء إجابات حول هذا الملف أمر يؤلمنا وكنا نتمنى لو تفاديناه، إذ كان من الممكن خلال هذه المدة الطويلة تنظيم عمليات تدريجية لإعادة العالقين، مع ضمان جميع الإجراءات الاحترازية التي تحمي المغرب من إصابات وافدة جديدة".

انتهاك للدستور

وإلى جانب ذلك، أضحى هذا الملف يشكل "امتحانا دستوريا" لحكومة العثماني، فالكثيرون يرون أن ترك الآلاف من المغاربة عالقين في ظل هذه الظرفية يشكل تناقضا مع الوثيقة الدستورية التي نصت في تصديرها على أن من مرتكزات الدولة "إرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة".

وانطلاقا من ذلك، يرى عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن الدولة ملزمة بإعادة المغاربة العالقين لأرض الوطن، انطلاقا من أن الدستور يعتبر الدولة مسؤولة عن جميع مواطنيها في الداخل والخارج، مضيفا "لا يوجد أي مبرر للتخلي عن هؤلاء المواطنين، ولا مجال للحديث عن الظروف القاهرة في مثل هذه الحالة، إذ إن الطائرات موجودة والأموال مرصودة والفنادق فارغة، ويمكن بالتالي تنظيم رحلات العودة بشكل تدريجي ومتحكم فيه".

ويعتبر العلام أن ما يجري حاليا هو "تخلٍ من طرف الدولة على جزء من مواطنيها بدون مبرر قانوني"، موردا "لا يعقل أن تهتم الدولة بالمواطنين الموجودين في الداخل فيما جل العالقين لم يستفيدوا حتى من مساعدات القنصليات هذا أمر فيه حيف وخرق لمبدأ المساواة المنصوص عليه دستوريا".

ونبه الأستاذ الجامعي إلى أن الحكومة "حين أرادت الاقتطاع من رواتب الموظفين خلال فترة الجائحة لجأت للوثيقة الدستورية على اعتبار أن جميع المغاربة ملزمون بالتضامن، علما أن هذا القرار شمل أيضا الموظفين العالقين بالخارج الذين تم الاقتطاع من أجورهم"، خالصا إلى أن الدولة "ملزمة بتطبيق الدستور على جميع أوجهه، ومصير مواطنيها العالقين جزء من مسؤولياتها الدستورية والقانونية قبل الحديث عن مسؤولياتها الأخلاقية". 

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

آن الأوان للمغرب أن يدير ظهره كليا للجزائر!

لا يبدو أن علاقة المغرب مع الجزائر ستتحسن على الأقل خلال عِقدين إلى ثلاثة عقود مُقبلة. فحتى لو غادر "عواجز العسكر" ممن يتحكمون بالسلطة في الجزائر، فهناك جيل صاعد بكامله، ...