مُركب محمد الخامس.. مَسرح شغف الجمهور المغربي و"قبر" أحلام الأندية الإفريقية في صعود "البوديوم"

 مُركب محمد الخامس.. مَسرح شغف الجمهور المغربي و"قبر" أحلام الأندية الإفريقية في صعود "البوديوم"
الصحيفة - عمر الشرايبي
الأحد 29 ماي 2022 - 16:51

خط شهادة ميلاده في 6 مارس 1955 تحت مسمى ملعب "مارسيل سيردان"، فظل إلى غاية اليوم الحلبة المفضلة لترويض الأندية والمنتخبات، كما أخذ إشعاعه العالمي بتسميته الجديدة ملعب "محمد الخامس" أو "دونور" كما يحلو للشارع البيضاوي تسميته، لتتواصل كتابة التاريخ فوق عشبه الأخضر ومدرجاته.

مساء الاثنين، سيكون مركب محمد الخامس محط أنظار متتبعي كرة القدم الإفريقية، باستضافته لنهائي مسابقة دوري أبطال إفريقيا، في مواجهة عربية تجمع الوداد الرياضي البيضاوي والأهلي المصري، حيث يتطلع الفريق المغربي لنقش اسمه في السجل الذهبي للملعب، الأخير الذي تعاقبت أجيال على صناعة الإنجازات بين أسوراه.

من الملعب "الشرفي" إلى "محمد الخامس".. من هنا بدأ تاريخ المعلمة

شُيّد مركب محمد الخامس في سادس مارس من سنة 1955 تحت اسم "مارسيل سيردان"، نسبة للملاكم العالمي الشهير، إلا أنه سرعان ما تغير الاسم إلى الملعب "الشرفي" مع استقلال المملكة، ليتم تجديده سنة 2000، ليكون مطابقا لمعايير الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، حيث أصبح إمكان مدرجاته استقبال 45 ألف متفرج، كما كان ضمن ملف ترشيح المغرب لاحتضان "مونديال 2006".

برسم احتضان المغرب لدورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط 1983، شهدت منشأة المركب الرياضي تحديثات جذرية، حيث تمت إضافة عدد المقاعد وتنصيب لوحة إلكترونية، قبل أن يتم رصد ميزانية ضخمة من أجل ترميم المنشأة الرياضية لتواكب متطلبات العصر وتكتسي طابع حداثي مميز عن الحلة القديمة.

ملعب محمد الخامس، اليوم، يراعي لدفتر تحملات الـCAF والـFIFA، عكس بعض الملاعب داخل القارة السمراء، كما أنه سيكون مسرحا لاستضافة نهائيات بطولة إفريقيا للسيدات، خلال الشهر القادم.

"دونور".. الرأسمال المادي للبيضاوين والمغاربة

أضحى مركب محمد الخامس موروثا رياضيا وطنيا، ليس فقط على صعيد العاصمة الاقتصادية وإنما بالنسبة للمغاربة عامة، حيث يحتفظ بأفضل الذكريات المرتبطة بالمنتخب الوطني، بداية بجيل 1970 و1986 الذين أبدعوا داخل مستطيله الأخضر، مرورا بهدف عبد السلام لغريسي في مرمى زامبيا سنة 1993 وهدف خالد رغيب في مرمى غانا، كلاهما من تمريرة حاسمة للاعب عبد الكريم الحضريوي، الذي أهل "الأسود"، تواليا، لنهائيات كأس العالم 1994 بالولايات المتحدة الأمريكية ثم 1998 بفرنسا.

في السنوات الأخيرة، تغيرت اللوحات الإلكترونية للملعب، لكن إنجاز بلوغ "المونديال" ظل حكرا على "دونور"، الأخير الذي استضاف بعض المباريات الحاسمة من تصفيات كأس العالم "روسيا 2018"، أبرزها المباراة التاريخية أمام الغابون، بقيادة الفرنسي هيرفي رونار، ثم التأهل الحديث إلى نهائيات كأس العالم "قطر 2022"، بعد الانتصار في المباراة الفاصلة أمام منتخب الكونغو الديمقراطية، تلقت بعدها مكونات الفريق الوطني، التهنئة من الملك محمد السادس، من خلال مكالمة هاتفية، وهي على أرضية الملعب نفسه.

أحداث عدة وأساطير كبار مروا على أرضية الملعب، سواء من خلال استضافته لبطولة كأس محمد الخامس الدولية، التي استقطبت نواد عملاقة على غرار ريال مدريد الإسباني وليفربول الإنجليزي وبوكا جينيور الأرجنتيني، أو من خلال تنظيم كأس الحسن الثاني، الأخيرة التي عرفت تتويج المنتخب الفرنسي، بحضور جيل سيتوج بـ "مونديال1998" بعد أشهر قليلة من مشاركته في التظاهرة الرياضية الدولية بمدينة الدار البيضاء.

على مستوى قطبي العاصمة الاقتصادية فـ"الأرشيف" غني بالأحداث وأمجاد الكرة الوطنية، صنعت جلها من مركب محمد الخامس، فريق الرحاء كان سباقا لمنصة التتويج القارية، من خلال نهائي رابطة أبطال الأندية سنة 1989 أمام مولودية وهران، رغم أن حسم اللقب كان في الجزائر، ثم لقب ثان لـ"النسور"، هذه المرة أمام "غولدفيلد" الغاني سنة 1997، بهدف المهاجم عبد الكريم نزير، في الدقائق الأخيرة من المواجهة، اهتز معه مدرج "الماكانا"، مزهوا بالأعلام الحريرية الخضراء والبيضاء.

شاءت الأقدار أن تكون جل تتويجات الرجاء القارية، بعيدا عن المعقل الأسطوري، كما هو الحال في سنة 1999 بتونس أمام الترجي التونسي، أو بالنسبة لألقاب كأس الكونفدرالية؛ 2018 في الكونغو الديمقراطية أمام فيتار كلوب و2021 أمام شبيبة القبائل الجزائري في البنين، وقبلها في مسماها القديم (كأس الاتحاد الإفريقي) أمام القطن الكاميروني في غاروا سنة 2003، إلا أن هذه الأفراح كلها، انطلقت عبر مباريات للتاريخ أمام أنظار أزيد من 70 ألف متفرج، حجوا من أماكن عدة والوجهة واحدة "ستاد دونور".

لدى الجانب "الأحمر"، نهائي الاثنين ليس الأول الذي تلعبه الوداد على أرضية مركب محمد الخامس، حيث سبق للفريق أن توج بأولى ألقابه القارية، سنة 1992 أمام الهلال السوداني، قبل أن يضيف نجمته الثانية على أرضية نفس الملعب، سنة 2017 أمام الأهلي المصري، وبين هذين الإنجازين، هناك حلاوة تتويج ومرارة إخفاق، عربيا حين خسر الوداد نهائيين وقاريا حين توج بلقب "الأفرو آسيوي" سنة 1993 أمام "باس طهران" الإيراني ومع جيل اسماعيل الحداد وأمين العطوشي، حين توجوا بلقب كأس "السوبر" سنة 2018 أمام مازيمبي الكونغولي.

ديربي الدار البيضاء.. "دونور" العالمي ينقسم إلى أخضر وأحمر

لا يمكن الحديث عن مركب محمد الخامس، دون استحضار ذكرى مباراة "الديربي" بين الرجاء والوداد، والتي لا تكتمل إلا وهي تجرى على أرضيته بحضور جماهير الفريقين، وهو ما تأكد حين تم ترحيله قسرا إلى الرباط ومراكش وأكادير، خلال فترات متفرقة ولأسباب مختلفة، ثم زاد يقينا حين حكمت عليه ظروف جائحة "كورونا" أن يجرى بمدرجات فارغة.

بالأرقام، تواجه الناديان في الدوري المغربي 131 مرة، فازت الرجاء في 35 مباراة، بينما فازت الوداد في 33 مباراة، وانتهت 63 مباراة بالتعادل، غالبيتها أجريت على أرضية ملعب "دونور"، إلا أن بعضها ظل راسخا في الذاكرة المشتركة، كنا هو الشأن بالنسبة لـ"ديربي" إياب الدور الثاني من البطولة العربية للأندية، والذي انتهى بتأهل الفريق "الأخضر" بعد تحقيق "ريمونتادا" تاريخية، بعد أن كان متأخرا في النتيجة بثلاث أهداف.

يحتفظ "الديربي" المغربي بالاستثناء العالمي، خاصة مع بداية حركية "الأولتراس" في الألفية الثالثة، حيث تحولت الفرجة من الميدان إلى المدرجات، لتصبح المباراة محط أنظار العالم وحديث "السوشال ميديا"، لما يقدمه مناصرو الفريقين من لوحات إبداعية، وضعتهم في أكثر من مناسبة ضمن الريادة العالمية، في منافسة مع مدارس التشجيع اللاتيني والأوروبي، فكان للبيضاء سحر مختلف على ميلانو أو بوينوس آيرس.

في السابق، كان أنصار الوداد والرجاء يتقاسمون نفس المدرجات بالملعب "الشرفي"، إلا أن التفرقة بدأت تظهر بشكل كبير، في التسعينيات، وخاصة لما تقرر تحديث جنبات الملعب بكراسي خضراء في المدرج الجنوبي وأخرى حمراء في المدرج الشمالي، وذلك في سنة 2000، على هامش زيارة لوفد من الاتحاد الدولي، من أجل المصادقة على ملاءمة المعلمة الكروية لدفتر التحملات.

لا شك أن التطور المعماري تجاوز بناية "دونور" القديمة، كما أن الملعب لن يستضيف مباريات كأس العالم أو يحتضن حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية، في يوم من الأيام، إلا أ الصرح الرياضي يظل قبلة لشغف شعب مهووس بكرة القدم ومسرحا عالميا للإبداع والسحر المتجدد في مدرجاته، كما أن التاريخ الكروي المغربي مازال يخط صفحاته على عشبه الأخضر وأمام مدرجه الأحمر.

 الجزائر.. وأزمة هُوية سَحيقة

انحدر النظام الجزائري إلى حفرة عميقة من التاريخ للبحث عن هوية مفقودة، يبني بها شرعيته كنظام قتل 250 ألف جزائري في العشرية السوداء (2002-1991). وهو ذات النظام الذي يبحث، أيضا، ...

استطلاع رأي

كمغربي أو مقيم في المغرب، هل تشعر أن ارتفاع الأسعار ونسبة التضخم أثرت على:

Loading...