نجاة مختار.. ابنة قرى تاونات التي أصبحت أول عربية تصل لمنصب نائب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية
لكي يكون هناك نجاح لا بد من دموع وعرق.. بهذه العبارة لرئيس الوزراء البريطاني الراحل، ونستون تشيرشل، تصف نجاة مختار مسارها الطويل والحافل، الذي نقلها من قرية نائية بضواحي تاونات، إلى كرسي نائبة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، لتكون أول امرأة من العالم العربي تصل هذا المنصب، حاملة على كاهلها مهمة تغيير النظرة النمطية المنتشرة حول هذه الطاقة كي تقنع العالم بأنها ليست دائما مرتبطة بالدمار والحروب، بل يمكنها أن تكون مفيدة وآمنة للغاية.
ولدت نجاة مختار بقرية "با محمد" بنواحي تاونات سنة 1957، وفي هذه المنطقة وهذا التاريخ كان عليها أن تواجه عدة عقبات، وعلى رأسها المسار الدراسي الذي كان طويلا وصعبا، فقد ولدت في عائلة مكونة من أربعة أولاد، وفي فترة لم يكن فيها تعليم الفتيات ذا أولوية، كما تحكي هي بنفسها، لكنها وإن كانت ترفض وصف نفسها بالتلميذة المتفوقة جدا أو العبقرية، إلا أنها تؤكد ولعها بالعلوم، الأمر الذي قادها إلى فرنسا وكندا لمتابعة دراستها في علوم التغذية.
واستطاعت نجاة مختار أن تبرز تدريجيا في مجال تخصصها، انطلاقا من حصولها على الدكتوراه الأولى في علم الغدد الصماء من جامعة "لافال" الكندية، والثانية في علوم الأغذية من جامعة "ديجون" الفرنسية، لتقتحم غمار التعليم الجامعي عبر جامعة ابن طفيل في القنسيطرة، حيث قضيت عقدين من الزمن وأصبحت مديرا للبحوث في المؤسسة، وفي سنة 2001 ستقتحم لأول مرة عالم الوكالة الدولية للطاقة الذرية كخبيرة في التغذية، وستظل تعمل هناك كمسؤولة تقنية إلى غاية سنة 2007.
وفي المغرب مرة أخرى، ستشغل نجاة مختار منصب مديرة العلوم والتقنيات في أكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات، أين تولت مهمة تنسيق الاستراتيجية الوطنية للتعليم والبحوث، ومن 2012 إلى 2014 ستتولى منصب رئيسة قسم الدراسات البيئية المتعلقة بالتغذية والصحة في شعبة الصحة البشرية، قبل أن تعود إلى منصب جديد في وكالة الطاقة الذرية حيث أصبحت مديرة شعبة آسيا والمحيط الهادئ في إدارة التعاون التقني إلى غاية 2019.
وفي العاصمة النمساوية فيينا، كان على السيدة الستينية أن تشق طريقها بصبر وكفاءة، لتنتقل إلى هناك وهي أم وزوجة رفقة أسرتها، وتقول عن ذلك إنها لم ترفض أن توضع المرأة بين خيارين، الأسرة أو المسار المهني، بل عليها أن تعرف كيف تجد منطقة وسطى بين الأمرين، ففي عالم ترى أنه يجب أن يتيح مجالات أكبر للمرأة كي تتطور وتُحقق ذاتها وحتى تتمكن فيه من الوصول إلى مواقع القرار، تدعو نجاة مختار أيضا النساء إلى "الخروج من دور الضحية وتحمل مسؤوليات اختياراتهن".
وفي يناير من سنة 2019، أصبحت العالمة المغربية، نائبة للمدير العام ورئيسة لإدارة العلوم والتطبيقات النووية، ومن هناك أصبح هدفها تغيير نظرة الناس عن الطاقة النووية وتوجيهها للاستخدامات السلمية الآمنة خاصة في المجال الغذائي، وحين تحدثت لـBBC البريطانية عن مسارها قالت "إن كل شابة يمكنها الوصول إلى هدفها، المهم هو أن تُحدد هذا الهدف منذ البداية وأن تثق في نفسها، لأنك إذا كنتَ ترغب في القيام بشيء ما فيمكنك فعلا القيام به، فقط عليك أن تحاول".
وإذا كانت نجاة مختار مقتنعة بأن من يسعى لتحقيق ذاته ليس عليه أن يحلم منذ البداية بأن يكون رئيسا أو مديرا، وأن يبدأ بالقليل كما فعلت هي، مع الإصرار على التعلم والتقدم تدريجيا، فإن السيدة المغربية حولت بالفعل أحلامها الصغيرة إلى طموحات أكبر، وأصبحت صوت المملكة الأبرز داخل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعلى مرمى حجر من أن تصبح أول امرأة تقودها.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :