نصفُ مُجتَمعِنا مَريض.. نَفسيّا وعقليّا!

 نصفُ مُجتَمعِنا مَريض.. نَفسيّا وعقليّا!
أحمد إفزارن
الأحد 20 أكتوبر 2019 - 8:48

لم يعُد الخَبرُ مَسكُوتًا عنه..
الخَبرُ قد انتَشر.. مُتَداوَلٌ على أوسعِ نِطاق: نصفُ المُجتمعِ المغربي يُعانِي أمراضًا نفسيّةً وعقليةً مُزمِنة..
وأغلبُهُ فُقراءُ لا يَملكُون قُوتَ يومِهم، وأُمّيّون، وفي حضيضِ الجَهل المُطلق، تَلجأ بهِم عائلاتُهُم إلى أضرحةِ خُرافات، وشَعوذةِ فُقهاء، بحثًا عن علاجٍ غيرِ مَوجُود..
مَلايينُ من الأطفالِ والشّباب، إناثًا وذُكُورًا، مُصابُون بالاكتِئاب، والقلق، والخوف، وفُقدانِ الذاكرة، لدرجةِ إعاقةِ مَجرَى حياتِهِم اليومية..
أمراضٌ نفسيةٌ وعقليةٌ بلا أفُق..
والكلُّ لا يَعبأ..
كأنّ هذه الملايينَ ليسُوا بشَرًا.. وليسُوا مُواطناتٍ ومُواطنين..
لا الدولةُ تقومُ بالواجب..
ولا المُجتَمع..
الكلّ يَعتبِرُ المَنسِيّين مُجرّدَ مَجانين..
ملايينُ من المغاربة، على الهامشِ المُطلق..
أطفالٌ وشبابٌ ونساءٌ ورجال، مَنسِيّون تماما، وعلى العُموم، هُم بين جُدرانٍ مُغلَقة..
نصفُ المُجتمع.
إنهم ملايين..
رقمٌ مُهوِلٌ يَطرحُ أزمةَ الصحةِ النفسيةِ والعقليةِ لشريحةٍ واسعةٍ أغلبُها في سنّ الطفولة والشباب، تُلازمُها أعراضٌ من التّعبِ المُستمرّ..
وتُواكبُها أصواتٌ وكلماتٌ وحركاتٌ غيرُ مفهُومة..
واضطراباتٌ وهَوَسٌ وخوفٌ دائمٌ وأوجاعٌ وفُقدانٌ لشهيةِ التّغذية..
وفي هؤلاء من وقعُوا في آفةِ الإدمان على المُخدّرات.. وهذا نَفَقٌ مُظلمٌ بلا حُدود..
ولا تَستطيعُ مُستشفياتُ الأمراض النفسية والعقلية، في بلادِنا، أن تُعالجَ كلَّ الحالاتِ المعرُوضةَ عليها، نظرا لكثرتِها وتنوّعها، مع نَدرَةِ الأطبّاء والتّجهيزات، وانعِدامِ الأدويّة..
نصفُ مُجتمَعِنا مَريض: في مُعاناةٍ نفسيةٍ وعَقليةٍ بلا حُدود..
ومن شدةِ اللاّوعي، في الأُسَر من يَعتقدُون، بسبب الجهل والفقرٍ، أن الأمر يتعلقُ بِنَوباتٍ جُنونية، وأن بناتِها وأبناءَها مَجانين، رغم أن الأمر لا يتعلقُ بمَجانين، بالمفهوم الشعبي، بل بأمراضٍ مثل كل الأمراض، وهي نفسيةٌ وعقليةٌ تَستَوجبُ العلاج، لا الإهمالَ واللامُبالاة..
ويبقى هؤلاء الأطفالُ والشبابُ والنساءُ والرّجالُ عُرضةً لمزيدٍ من الاكتِئاب والاضطِراب والانفِصام، وما يُواكبُها من سلوكاتٍ غيرِ مفهُومة، نتيجةَ قَلَقٍ مُتَزايدٍ في أماكنَ مُغلَقة.. وَوَسواسٍ وخَوفٍ من الغُرياء..
والمريضُ نفسُه لا يَفهمُ ما يَقع..
والأسرةُ لا تَفهَم..
والتّعقيدُ يَتفاقَم..
وتَنتَقلُ الإعاقةُ النّفسيةُ إلى إعاقةٍ عقليةٍ وعَصَبية، فإلى أمراض جَسديّة.. وإلى لاَتركِيز.. وإلى تَشتّتٍ في الانتباه.. واضطراباتٍ في النّوم.. ونِسيان.. وطُغيانِ الاكتئاب..

  • وهذه هي حياةُ نصفِ مُجتَمعِنا..
    حوالي 50 بالمائة من المُجتمع، خارجَ أيّ اعتِبار..
    نصفُ مُجتمَعِنا مَنسيّ..
    ولا المَرضَى يَستطيعُون إنقاذَ أنفُسِهم..
    ولا الأسرةُ تَستطيع..
    ولا المُجتمع..
  • والدولةُ صامِتة!
    وملايينُ من بناتِنا وأبنائِنا هُم خارجَ الحياةِ اليوميةِ الطبيعية..
    كأنهُم غيرُ مَوجُودِين..
    ولكُلّ منّا مَشاغلُه وأولويّاتُه.. ومَتاعبُه.. وتفكيرُه في الخُبز اليومي، واستمراريةِ الحياة، وفي تعليمِ الأطفال، وفي تتَبّعِ العِراكِ السياسي، وبَحثٍ مُستَميتٍ عن المُستقبَل..
    وبَيننَا ملايينُ من المغاربةِ المَنسيّين، وفيهم أيضا عَجزَةٌ ومِن ذوي الاحتياجاتِ الخاصّة..
    مَنسيّون من الصباحِ إلى الصّباح..
    ومن المساءِ إلى المساء..
    مَنسيّونَ على طول..
    وأكثرُ أوقاتِهم، يَقضُونها في غُرَفٍ مُغلَقَة!
  • أيُّ إجحافٍ هذا يا بلدي؟
    أين أنت؟ أين سياسيّوك؟ أين أحزابُك؟ أين مُؤسّساتُك؟ أين ثَرواتُك؟ أين البَرُّ والبحرُ والجوّ؟
    مَلايينُ من أطفالكَ في ضياعٍ مُطلَق، وأنتَ تتَفَرّج، وكأنّ الأمرَ لا يَعنِيك..
  • هل أنتَ سعيدٌ يا بَلدِي؟!
    [email protected]

هل الدولة الجزائرية عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ"؟

في حوار أجريناه في "الصحيفة" شهر غشت من سنة 2021 مع نور الدين بوكروح الذي يعتبر من السياسيين والمثقفين القلائل في الجزائر الذين ينتقدون "نظام الحكم" في البلاد المبني على ...