هل فضلت الجزائر الوقوع في "تناقض" على الصدام مع قوة أوروبية جديدة؟.. الرئيس الألماني الذي استجاب تبون لطلبه الإفراج عن صنصال داعمٌ للحكم الذاتي المغربي في الصحراء
اضطرت الجزائر للإفراج عن الكاتب الفرنسي ذو الأصول الجزائرية، بوعلام صنصال، بعد شهور من الضغوط الدولية التي زادت من الإضرار بصورة الجزائر على المستوى الحقوقي والإنساني، ولا سيما أن اتهامات قمع الحريات باتت تلاحق النظام الجزائري من طرف العديد من المنظمات في السنوات الأخيرة.
غير أن الخطوة الجزائرية التي أسفرت عن الإفراج عن بوعلام صنصال، كشفت عن وجود تناقضات كثيرة في مواقف السلطات الجزائرية، انتبه لها مؤيدون ومعارضون للنظام الحالي على حد سواء، وذلك بخلاف ما يُسوق له دائما، بأنه نظام لا يخضع للضغوطات ولا يُغير مبادئه، وخاصة عندما يتعلق الأمر بقضية الصحراء.
وفي هذا السياق، فإن الجزائر بررت خطوة الإفراج عن صنصال بكونها تأتي لأسباب "إنسانية" وبناء على طلب من الرئيس الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، بالرغم من أن فرنسا سبق أن طالبت الجزائر بالإفراج عن بوعلام صنصال لأسباب إنسانية ورفضت الجزائر الاستجابة لهذا الطلب، وبالتالي، فإن مبرر "الإنسانية" يبدو غير مقنعا.
وحسب قراءات سياسية عديدة لإفراج الجزائر عن بوعلام صنصال، فإن الأسباب ترتبط بالعديد من العوامل المتداخلة، من ضمنها رغبة الجزائر في التخفيف على نفسها من حدة الضغوطات الدولية المتعلقة بملفات حقوق الإنسان وحرية التعبير، لكنها كانت تنتظر مخرجا يُحافظ على "سياسية النيف" التي يكررها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في العديد من تصريحاته، ومن هناك كان المخرج عبر ألمانيا.
وفي هذا الإطار، رأى عدد من المتتبعين للشؤون الجزائرية، أن الجزائر لم يكن بمقدورها، في الوقت نفسه، أن ترفض الطلب الذي تقدم به الرئيس الألماني للإفراج عن بوعلام صنصال، حتى لا تخلق "تصدعا دبلوماسيا" مع دولة أوروبية جديدة، بحجم ألمانيا، في ظل توترها القائم مع فرنسا، وتوترها السابق مع إسبانيا.
ووفق المصادر ذاتها، فإن رفض الجزائر الاستجابة لطلب الرئيس الألماني، كان من الممكن أن يؤدي بالفعل إلى إحداث سوء فهم في العلاقات الثنائية بين البلدين، في الوقت الذي ترغب الجزائر في تطوير علاقاتها مع برلين بعد توقيع العديد من اتفاقيات التعاون والشراكات الاقتصادية.
لكن في سياق متصل، فإن هذه الخطوة الجزائرية، تكشف مرة أخرى عن "تناقضات" السياسة الجزائرية في تعاملها مع ملف الصحراء المغربية، لأن من أبرز أسباب رفضها الاستجابة لمطالب فرنسا للإفراج عن صنصال، كان هو موقف باريس الداعم لحل نزاع الصحراء في إطار الحكم الذاتي القائم تحت السيادة المغربية، وهو الموقف ذاته الذي أعلن الرئيس الألماني فرانك شتاينمار عن الإشادة به في رسالة وجهها إلى الملك محمد السادس في يناير 2022.
وكانت ألمانيا قبل الرسالة التي وجهها شتاينمار إلى الملك محمد السادس، قد أعلنت عند دعمها لمبادرة الحكم الذاتي لحل نزاع الصحراء تحت السيادة المغربية، وهو ما أكده شتاينمار في رسالته للعاهل المغربي عندما قال "إن ألمانيا تعتبر مخطط الحكم الذاتي الذي قدم في سنة 2007 بمثابة جهود جادة وذات مصداقية من قبل المغرب، وأساس جيد للتوصل إلى اتفاق لهذا النزاع"، ولم يصدر عن الجزائر أي رد فعل، سواء في ذلك الوقت، أو اليوم وهي تستجيب لطلب شتاينمار.
كما أن السبب الرئيسي الذي كانت الجزائر قد أوقفت عليه بوعلام صنصال واعتقلته وسجنته، مرتبط بتصريحاته التي أدلى بها لإحدى المجلات الفرنسية حول الصحراء المغربية، عندما أكد في تلك التصريحات على أن الصحراء كانت دائما جزءا من المغرب، واتهم فرنسا باقتطاع أجزاء من الأراضي المغربية وضمها إلى ما أصبح حاليا الدولة الجزائرية.
ويتضح من خلال بعض القرارات "المتباينة" التي تتخذها الجزائر في علاقة بقضية الصحراء، أن السياسة الجزائرية في هذا الملف تتسم بـ"التناقض" الكبير يُخالف ما يُصرح به المسؤولون الجزائريون، بأن مواقفهم من القضية ثابتة لا تتغير.




