هل يستقوي المغرب على الجزائر بإسرائيل؟.. معطيات وأحداث "تاريخية" تقول العكس!
منذ أن تم الإعلان عن توقيع المغرب لاتفاق استئناف العلاقات مع إسرائيل في دجنبر 2020 تحت الوساطة الأمريكية التي قدمت بالمقابل اعترافا رسميا بسيادة المغرب على الصحراء، بدأ مسؤولو الجزائر وقياديو جبهة "البوليساريو" يروجون أن المغرب يهدف من خلال "تطبيع" العلاقات مع تل أبيب إلى الاستقواء على جاره الجزائري، وهو الكلام الذي التقطه وردده الكثير من "العروبيين" المشارقة الرافضين للتطبيع مع إسرائيل تحت أي مبرر كان، دون أن يكون لهم أي دراية عميقة بحقيقة الصراع القائم بين الجارين الواقعين غرب الخريطة العربية.
وفي ظل تردد وانتشار هذا الاتهام الذي يستهدف المغرب، يبقى السؤال المطروح، هل فعلا أن الرباط بتوجهها نحو استئناف العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل وتوقيع اتفاقية تفاهم للتعاون في المجالين الدفاعي والعسكري مع تل أبيب، تهدف من خلال كل هذا، إلى الاستقواء على جارها الجزائري؟
معطيات تنشرها "الصحيفة" هنا يتداخل فيها التاريخ مع مستجدات وحقائق حالية، تشير إلى أن هذا الاتهام لا أساس له من الصحة، أو على الأقل، الأساس الذي انطلق منه باطل، ولا يُشير إلى ما يتم تداوله في بعض الإعلام العربي، وبالخصوص الإعلام الجزائري.
تاريخ التصادم وحقيقة أرض الواقع
يقول عدد من المهتمين بقضايا النزاعات، أن توجه جهة أو دولة للاستقواء على دولة أو جهة أخرى بطرف ثالث، يعني بالضرورة أن هذه الجهة أو الدولة عاجزة وقد فشلت في تحقيق أهدافها فقررت البحث عن مُعِين، وهو الأمر الذي لا يوجد في حالة المغرب في نزاعها مع الجزائر بسبب قضية الصحراء.
فتاريخ "التصادم" المؤسف بين الجارين، منذ "حرب الرمال"، لم يثبت أن الجزائر استطاعت أن تحقق أي مكاسب ضد المغرب، سواء لنفسها التي لازالت تعاني من عقدة "حكرونا لمراركة" التي نطق بها بن بلة وحولها الهواري بومدين إلى "عقيدة" للنظام الجزائري، أو لجبهة "البوليساريو" التي تحتضنها، حيث لازالت هذه الجبهة الإنفصالية تقيم فوق أراض جزائرية، ولم تستطع أن تحقق أي مكسب في قضية الصحراء أو أن تنقل مركز قيادتها إلى المناطق التي تدعي تحريرها من المغرب.
وهناك ما يُسمى أيضا بـ"حقيقة أرض الواقع"، فالمغرب في قضية الصحراء، يُعتبر هو الطرف المتحكم بزمام الأمور، ولازالت مقولة الملك الراحل الحسن الثاني قائمة ولم تتزعزع: "المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها، شاء من شاء وأبى من أبى".
والأدهى من ذلك، أن القوات المغربية قامت في العام الماضي بعملية نوعية ومهمة جدا في نزاع الصحراء، عندما طردت عناصر "البوليساريو" من معبر "الكركرات" وفرضت طوقا أمنيا قال الملك محمد السادس إن "لا تراجع عنه"، وبالتالي فقدت "البوليساريو" أي أمل في اكتساب هذه المنطقة وإيجاد منفذ إلى المحيط الأطلسي.
كل هذه الأحداث منها التاريخي القديم ومنها الحديث، وقعت قبل أن يقرر المغرب استئناف العلاقات رسميا مع إسرائيل، وبالتالي فالسؤال المنطقي الذي يجب الإجابة عنه، هل يحتاج المغرب طرفا ثالثا لللاستعانة به من أجل الاستقواء على جاره أو جيرانه، بالرغم من أن كل المؤشرات الواقعية تؤكد على قدراته وتفوقه في الدفاع عن قضاياه الأساسية؟
الملك محمد السادس ونية المغرب
دليل آخر على أن المغرب ليس لديه أي نية للاستقواء على جاره الجزائري الشقيق، هو خطاب الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى عيد العرش في غشت الماضي، وهو الخطاب الذي جاء بعد توقيع اتفاق استئناف العلاقات مع تل أبيب، ما يعني أن هذا الخطاب هو النية الحقيقية للرباط في التعامل مع الجزائر حتى بعد تطبيع العلاقات مع الإسرائيليين.
ومن أقوى ما جاء في خطاب الملك محمد السادس في خطاب العرش الأخير هو تجديده بصريح العبارة "الدعوة الصادقة لأشقائنا في الجزائر للعمل سوياً، دون شروط، من أجل بناء علاقات ثنائية، أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار". واعتبر "أن الوضع الحالي لهذه العلاقات لا يرضينا، وليس في مصلحة شعبينا، وغير مقبول من طرف العديد من الدول".
وأعرب الملك محمد السادس أن العلاقات المتوترة بين البلدين، وخاصة إغلاق الحدود ليس هو ولا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ولا السابق عبد العزيز بوتفليقة، مسؤولون عنه، ثم أضاف "ولكننا مسؤولون سياسياً وأخلاقياً، عن استمراره، أمام الله، وأمام التاريخ، وأمام مواطنينا".
ومن بين أقوى العبارات التي جاءت في الخطاب الملكي، والتي تضع حدا لأي شك في نية المغرب على الاستقواء على الجزائري ما قاله "أنا أؤكد هنا لأشقائنا في الجزائر، بأن الشر والمشاكل لن تأتيكم أبداً من المغرب، كما لن یأتیكم منه أي خطر أو تهديد، لأن ما يمسكم يمسنا، وما يصيبكم يضرنا".
ماذا كان رد الجزائر وإعلامها على هذا الخطاب؟ حملة من الشك في نوايا الملك واعتبار خطابه مجرد "غزل" و"دليل خوف" من الجيش الجزائري الذي يُعتبر "قوة إقليمية في المنطقة". وبالتالي يبقى السؤال، من يستقوي هنا على الآخر؟
سباق مماثل نحو التسلح
توجه المغرب نحو اقتناء أسلحة إسرائيلية، اعتبره الكثير من المسؤولين الجزائريين وعدد من "العروبيين"، بمثابة "دليل واضح" على استقواء المغرب على الجزائر بإسرائيل، وهو قول يماثل لو أن المغرب قرر أن يروج لمقولة "أن توجه الجزائر لاقتناء الأسلحة من روسيا دليل على أن الجزائر تستقوي على المغرب بروسيا"، فأي منطق هذا؟ يَقول الكثير من المتتبعين.
تُعتبر إسرائيل من المصنعين للأسلحة في العالم، على غرار روسيا وتركيا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والصين.. فتوجه المغرب لاقتناء أسلحة إسرائيلية، يبقى خيارا من الخيارات الأخرى المتاحة في سوق الأسلحة العالمي، وهي خيارات متاحة أيضا للجزائر ولا ينفرد بها المغرب، وبالتالي الحديث هنا عن استقواء لا يستقيم.
كما أن توجه المغرب نحو التسلح في السنوات الأخيرة بهدف تحديث الترسانة العسكرية للجيش المغربي، لا يتميز في شيء عن توجه الجزائر منذ سنوات نحو التسلح، لدرجة أن الجزائر أنفقت أكثر من المغرب على اقتناء الأسلحة، وهي نفسها تدعي بأنها تملك جيشا أقوى من المغرب، وهو الأقوى في المنطقة ككل.
المطالب المشروعة للمغرب
المثير في الصراع بين المغرب والجزائر، أنه بالرغم من كل هذه الاتهامات الجزائرية والحملات المتواصلة لدعم جبهة "البوليساريو"، لدرجة أن أنشطة وزارة الخارجية الجزائرية أصبحت فيها "القضية الصحراوية" أهم من كل القضايا الأخرى، إلا أن حقيقة الصراع يدور حول المطالب المشروعة للمغرب في الصحراء، بينما الجزائر وحدودها غير معنية بالصراع، فماذا يعني هذا الكلام الهام جدا؟
فحسب عدد من المهتمين بقضية الصحراء، فإن جميع التحركات التي يقوم بها المغرب، سواء على المستوى الديبلوماسي أو المستوى العسكري، يبقى لها مبرر شرعي وحق من حقوق المغرب للدفاع عن مطالبه بشتى الوسائل أمام ادعاءات جبهة "البوليساريو" التي بدورها تتخذ جميع السبل للترويج لادعاءاتها، فلماذا الجزائر طرف في هذا النزاع؟
على عكس موريتانيا، لم تتخذ الجزائر "حيادا إيجابيا" في قضية الصحراء، بالرغم من ادعائها المتكرر بأنها ليست طرفا فيها، فهي تحتضن "البوليساريو" وتقدم لها المساندة وتتبنى الأطروحة الانفصالية وتنوب عن الجبهة في الدفاع عنها في المحافل الدولية، بدعوى أن الجزائر مع حق "الشعوب" في تقرير مصيرها، بينما أن الحقيقة هي أن الجزائر تميل في مواقفها إلى تقسيم المغرب وتأسيس دولة لم تكن موجودة، والدليل أنها ضد مقترح الحكم الذاتي الذي يُعتبر حلا منطقيا ومعقولا ومعمولا به في العديد من بلدان العالم حتى التي توجد فيها عرقيات مختلفة كليا.
هذا الكلام كله يعود إلى أن جذور الصراع بين الجزائر والمغرب سببه الرئيسي تعنت الجزائر، واستمرارها في اتخاذ مواقف ليست في صالح المنطقة، وبالتالي فإن سؤال الاستقواء إذا كان ينطبق على طرف أكثر من غيره، فإن مؤشراته تظهر عند الجزائر أكثر من المغرب.





تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :