د. محمد كرواوي
الثلاثاء 28 أكتوبر 2025 - 0:25

هل يمكن مساءلة الجزائر دوليا عن انتهاكات حقوق المحتجزين في مخيمات تندوف؟

 من الوجهة القانونية الخالصة يمكن القول إن للمغرب سندا قانونيا يتيح له تحريك المساءلة الدولية ضد الجزائر فيما يتعلق بإدارتها لمخيمات تندوف، غير أن هذا الحق مشروط بجملة من القيود الإجرائية والاختصاصية التي تحكم عمل القضاء الدولي وهيئاته الرقابية. فالمبدأ العام في القانون الدولي العام يقضي بأن الدولة التي تخل بالتزاماتها التعاهدية تتحمل مسؤولية دولية كاملة عن الفعل غير المشروع، ويحق للدول الأطراف الأخرى المتضررة أن تطلب تعويضا أو تصحيحا للوضع.

وبناء على ذلك، فإن ثبوت انتهاك الجزائر لمقتضيات اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وبروتوكولها لعام 1967، أو لاتفاقية اللاجئين الإفريقية لعام 1969، أو للقواعد الآمرة في القانون الإنساني الدولي واتفاقيات جنيف، يجعلها في موضع خرق لاتفاقيات متعددة الأطراف ذات طبيعة إلزامية. إلا أن هذه الاتفاقيات لا تنشئ آلية قضائية مباشرة بين الدول الأطراف، بل تكتفي بتحديد المسؤولية وتعهد إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بسلطة المراقبة والتبليغ دون منحها ولاية الفصل القضائي.

وهذا يعني أن اللجوء إلى القضاء الدولي يتطلب وجود أداة قانونية أخرى تمنح الاختصاص للمحكمة، أو اتفاقا خاصا بين الأطراف المتنازعة. فالنظام القانوني الدولي لا يقوم على الإلزام التلقائي، بل على مبدأ الرضائية الذي يجعل كل تقاض بين دولتين رهينا بموافقة مسبقة أو لاحقة من الطرفين المعنيين.

وفي هذا السياق، يكتسي تقرير الأمين العام للأمم المتحدة لسنة 2025 (S/2025/612) أهمية خاصة، إذ وثق استمرار تدهور أوضاع حقوق الإنسان في مخيمات تندوف الواقعة على التراب الجزائري، مشيرا إلى غياب آلية أممية مستقلة للرصد الميداني، وإلى تفاقم معاناة اللاجئين بسبب سوء التغذية وانعدام الأمن الغذائي. وقد أكدت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان (OHCHR) أن معدل سوء التغذية الحاد بلغ 13.6%، والتقزم 30.7% بين الأطفال، وهي نسب وصفتها منظمة الصحة العالمية بأنها "حرجة". كما أبرز التقرير أن الدولة المضيفة، الجزائر، تتحمل المسؤولية القانونية عن حماية السكان اللاجئين وضمان حقوقهم الأساسية، وفقا لاتفاقية جنيف لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين.

ويعيد هذا التقرير طرح البعد الحقوقي للنزاع في الصحراء ضمن سياق قانوني أوسع، إذ يكشف عن مفارقة صارخة بين الجهود التنموية التي يبذلها المغرب في أقاليمه الجنوبية وبين الأوضاع الإنسانية المتدهورة في مخيمات تندوف، حيث ما تزال جبهة البوليساريو تخضع السكان لقيود على حرية الحركة والتعبير، وتتحكم في توزيع المساعدات الإنسانية بمعزل عن الرقابة الدولية. إن إدراج هذه المعطيات الأممية في النقاش السياسي حول الصحراء المغربية يعزز من شرعية الموقف المغربي الذي يجعل من التنمية ركيزة لحماية الكرامة الإنسانية، ويكشف في المقابل مسؤولية الجزائر الأخلاقية والقانونية عن وضعية المخيمات فوق أراضيها.

وبالعودة إلى الإمكانات المتاحة أمام المغرب، فإن أولى هذه الإمكانات تتمثل في رفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية شريطة أن تكون الجزائر قد قبلت اختصاص المحكمة بموجب إعلان عام أو باتفاق خاص وفق المادة 36 من نظامها الأساسي، وهو ما لم يحدث إلى اليوم، مما يجعل التقاضي المباشر أمرا صعبا من الناحية الشكلية. ومع ذلك يمكن للمغرب أن يسلك الطريق غير المباشر عبر اللجوء إلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف وهيئات الأمم المتحدة المختصة، كالمقررين الخاصين المعنيين باللاجئين وحقوق الإنسان، أو إلى لجنة مناهضة التعذيب واللجنة المعنية بالحقوق المدنية والسياسية بموجب المادة 41 من العهد الدولي التي تخول للدول رفع شكاوى متبادلة.

هذه الآليات وإن كانت شبه قضائية ولا تصدر أحكاما ملزمة، إلا أنها تحدث آثارا سياسية وقانونية معتبرة لأنها تسجل الانتهاك وتفرض ضغطا معنويا على الدولة المخالفة. كما يمكن للمغرب أن يطرح القضية في مجلس الأمن والجمعية العامة بوصفها تهديدا للسلم الإقليمي بمقتضى الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، خاصة في ضوء عسكرة المخيمات وغياب الإحصاء الإنساني، مما يمنح الرباط منصة قانونية لتثبيت مسؤولية الجزائر دوليا.

ومع ذلك تبقى الموانع السياسية قائمة، إذ يظل غياب الولاية الإلزامية للمحكمة الدولية، وتداخل الملف مع نزاع الصحراء المغربية، إضافة إلى الطابع السياسي العام للمسألة داخل الأمم المتحدة، عوامل تحد من فعالية المتابعة القضائية، وتجعل الحل القانوني رهينا بقرار سياسي دولي يعيد تعريف دور الجزائر لا كبلد مضيف محايد، بل كطرف يتحمل التزامات قانونية تجاه المدنيين المقيمين على أراضيه.

أولا، المسارات القانونية الممكنة لتحريك المسؤولية الدولية للجزائر في قضية مخيمات تندوف:

من الزاوية الإجرائية الدقيقة، يمكن للمغرب أن يسلك عدة مسارات قانونية متكاملة لتحريك المسؤولية الدولية للجزائر بشأن الانتهاكات المتصلة بمخيمات تندوف، إذ يتيح له القانون الدولي التحرك عبر ثلاث قنوات رئيسية: الأممية، والقضائية، والحقوقية. ويبدأ المسار الأول بخطوة دبلوماسية قانونية من خلال المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي تملك ولاية رقابية خاصة بموجب المادة 35 من اتفاقية اللاجئين لعام 1951. في هذا الإطار يمكن للمغرب أن يوجه مذكرة رسمية إلى المفوضية يطالب فيها بإجراء تحقيق ميداني وإحصاء بيومتري دقيق لسكان المخيمات، بغرض تحديد هويتهم القانونية وتمكينهم من الحماية الفردية. فإذا رفضت الجزائر التعاون، يمكن للمغرب إحالة القضية إلى مجلس حقوق الإنسان أو إلى مجلس الأمن تحت بند "تهديد السلم والأمن الإقليميين" بالنظر إلى عسكرة المخيمات وحرمان سكانها من حقوقهم الأساسية.

هذا الإجراء، وإن كان ذا طبيعة دبلوماسية أكثر من كونه قضائيا، فإنه يوفر للمغرب غطاء قانونيا دوليا ويدرج القضية ضمن جدول أعمال الأمم المتحدة بوصفها انتهاكا ممنهجا للالتزامات الإنسانية. وقد شهدت الساحة الدولية سوابق مماثلة أبرزها إحالة وضع دارفور سنة 2011 إلى مجلس الأمن بعد تلقي تقارير منظمات إنسانية، وهو ما أفضى إلى قرارات أممية ملزمة. بهذا المسار يمكن للمغرب أن يثبت قانونيا أن الجزائر لم تف بالتزاماتها في حماية اللاجئين، دون أن ينخرط في مواجهة مباشرة أو أحادية، مستندا إلى شرعية مؤسساتية صادرة عن الأجهزة الأممية المختصة.

أما المسار القضائي فيتمثل في اللجوء إلى محكمة العدل الدولية التي تعد الهيئة القضائية العليا للأمم المتحدة، غير أن تفعيل هذا الخيار مشروط بقبول الجزائر اختصاص المحكمة وفق المادة 36 من نظامها الأساسي. ويمكن تحقق ذلك إما بإعلان عام تصدره الجزائر (وهو غير قائم حاليا)، أو باتفاق خاص بين الدولتين لعرض النزاع عليها.

كما يمكن للمغرب أن يستند إلى المادة 38 من اتفاقية اللاجئين التي تتيح رفع أي نزاع بين الدول الأطراف بشأن تفسير الاتفاقية إلى محكمة العدل الدولية إذا فشلت المفاوضات الدبلوماسية. ومع ذلك، فإن رفض الجزائر التقليدي لأي ولاية قضائية خارجية يدفع المغرب إلى اعتماد المسار غير المباشر، أي التوجه بطلب استشاري إلى المحكمة من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن، لطلب رأي قانوني يوضح مدى التزام الجزائر بالاتفاقيات الإنسانية وواجبها في حماية اللاجئين فوق أراضيها.

هذا الخيار الاستشاري لا يتطلب قبول الجزائر كطرف في الدعوى، وقد استخدمته الأمم المتحدة في حالات مشابهة، مثل طلب الرأي الاستشاري بشأن جدار الفصل الإسرائيلي سنة 2004، حيث أصدرت المحكمة رأيا قانونيا واضحا حول الخرق دون وجود دعوى مباشرة بين الأطراف. ومن ثم فإن هذا المسار يمنح المغرب أداة قانونية قوية لتدويل الملف وإخضاعه للرقابة القضائية الأممية، دون أن يواجه العوائق الشكلية التي تفرضها رضائية الجزائر، وبذلك يفتح الباب أمام تكييف قانوني متكامل لوضعية تندوف في إطار الشرعية الدولية.

ثانيا،  المسار الحقوقي والجنائي الدولي كآلية بديلة لمساءلة الجزائر عن انتهاكات مخيمات تندوف:

يعد المسار الحقوقي والجنائي الدولي أكثر المسارات القانونية مرونة وفاعلية في ظل غياب الولاية القضائية لمحكمة العدل الدولية، إذ يتيح الانتقال من مبدأ مسؤولية الدولة إلى مبدأ المسؤولية الفردية والمؤسسية عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني. ويستند هذا المسار إلى مجموعة من الأدوات القانونية التي أثبتت نجاعتها في قضايا مشابهة داخل القارة الإفريقية والشرق الأوسط. ومن أبرز هذه الأدوات المحكمة الجنائية الدولية التي تختص بالنظر في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وفقا لنظام روما الأساسي لعام 1998.

ورغم أن المغرب لم يصادق بعد على هذا النظام، فإنه يستطيع، بصفته دولة متضررة من الوضع القائم في تندوف، أن يقدم إحالة غير مباشرة إلى المدعي العام للمحكمة عبر إحدى الدول الأطراف أو من خلال مجلس الأمن الدولي بموجب المادة 13/ب من النظام ذاته. ويمكن أن تستند هذه الإحالة إلى تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية كهيومن رايتس ووتش ومكتب مكافحة الاحتيال الأوروبي (OLAF) التي وثقت ممارسات تتعلق بعسكرة المخيمات وتحويل المساعدات الإنسانية وحرمان المدنيين من حقوقهم الأساسية.

وإذا صنفت المحكمة هذه الأفعال ضمن خانة الجرائم ضد الإنسانية، مثل الاحتجاز القسري أو النقل غير القانوني أو الاضطهاد المنهجي، فإنها تملك صلاحية مباشرة للتحقيق حتى وإن لم تكن الجزائر طرفا في نظام روما، شريطة أن تكون بعض الجرائم قد وقعت على أراضي دول أطراف مثل الدول المانحة التي تمر عبرها الإعانات.

ويذكر أن المحكمة استخدمت هذا المبدأ في حالة دارفور سنة 2005 حين أحال مجلس الأمن الوضع في السودان رغم أن الخرطوم لم تكن منضمة إلى النظام الأساسي، ما يجعل سابقة دارفور مرجعا قانونيا صالحا لتكييف حالة تندوف وإدراجها ضمن نموذج "الانتهاك المنهجي للطابع المدني للجوء واستخدام المساعدات لأغراض سياسية".

أما الآلية الثانية فتتمثل في المسار الحقوقي الأممي الذي يعتمد على التدرج المؤسسي عبر لجان المعاهدات وهيئات المراقبة. فالمغرب يستطيع تفعيل مسطرة الشكاوى بين الدول المنصوص عليها في المادة 41 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ضد الجزائر بدعوى انتهاكها لحقوق اللاجئين والمقيمين داخل أراضيها، ولا سيما حقوق الحرية والتنقل والأمن الشخصي. وتتميز هذه المسطرة بكونها لا تتطلب موافقة مسبقة من الجزائر لأنها ملزمة لجميع الدول الأطراف في العهد، كما يمكن دعمها بشكاوى فردية من داخل المخيمات عبر منظمات المجتمع المدني المعترف بها لدى الأمم المتحدة، ما يخلق ضغطا حقوقيا تصاعديا يؤدي إلى إدراج الجزائر ضمن آلية الاستعراض الدوري الشامل كدولة منتهكة لالتزاماتها الدولية.

ويمكن للمغرب أيضا الدفع نحو تعيين مقرر خاص حول حالة اللاجئين في تندوف على غرار ما حدث في قضايا ميانمار والسودان. هذه الخطوات، وإن كانت ذات طابع غير إلزامي، فإن تراكمها يمنحها قوة إثباتية معتبرة في الممارسة الدولية، إذ تكون ملفا قانونيا متكاملا يصلح لاحقا للاستناد إليه في أي تحرك دبلوماسي أو قضائي لاحق، وتحول قضية تندوف من نزاع سياسي محدود إلى قضية قانونية مفتوحة تخضع لمعايير المساءلة الدولية، وتضع الجزائر أمام مسؤولية قانونية وأخلاقية متزايدة أمام المجتمع الدولي.

الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة

ما يجب قوله للإسبان في مدريد؟

في الوقت الذي تعقد فيه الحكومة الإسبانية ونظيرتها المغربية، اليوم الخميس، بمدريد الدورة الثالثة عشرة من الاجتماع الرفيع المستوى، مع ما يعكس ذلك من تطور كبير في العلاقات الثنائية بين ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...