"وادي اللبن".. المعركة التي أقنعت العثمانيين أن المغرب ليس كباقي بلدان شمال إفريقيا

 "وادي اللبن".. المعركة التي أقنعت العثمانيين أن المغرب ليس كباقي بلدان شمال إفريقيا
الصحيفة – محمد سعيد أرباط
الأحد 22 ماي 2022 - 16:04

لم يستسغ العثمانيون الأتراك خلال مرحلة توسعاتهم الكبرى خلال القرن السادس عشر، أن يظل المغرب في شمال غرب إفريقيا البلد الوحيد الذي لم يقع تحت سيطرتهم، خاصة بعد ضم كل من مصر وليبيا وتونس والجزائر تحت لوائهم، وبالتالي قرروا المحاولة بشتى الطرق والوسائل والحيل والحروب لكسر شوكة المغاربة.

وبالرغم من أن محاولات العثمانيين لضم المغرب إلى امبراطوريتهم الشاسعة التي تمتد إلى أوروبا وآسيا وإفريقيا، تزامنت مع مرحلة وجود قلاقل وثورات داخلية في المغرب نتيجة الصراع على السلطة بين الوطاسيين الذين كانوا في مرحلة الانهيار والسعديين الذين كانوا في مرحلة الصعود، إلا أن هذه المحاولات أغلبها باءت بفشل ذريع.

ورفع العثمانيون من حدة محاولات ضم المغرب خلال خمسينيات القرن السادس عشر، خاصة بعدما أطاح السلطان السعدي، محمد الشيخ، بالوطاسيين واستيلاءه على العاصمة فاس وبدء مرحلة توحيد المغرب تحت رايته، حيث لجأ الوطاسيون للعثمانيين لمساعدتهم على استرداد ملكهم الضائع من هذا السلطان السعدي الرافض لأي انضمام للمغرب للواء العثمانيين، فحدثت بين السعديين والعثمانيين معارك عديدة فشل فيها العثمانيون في الإطاحة بالشيخ.

وأمام هذا الفشل العثماني على أرض المعارك، دبّر العثمانيون عملية اغتيال لمحمد الشيخ، على يد عناصر عثمانية اندست ضمن الحرس الشخصي للسلطان السعدي بعدما ادعت انشقاقها عن العثمانيين، وقد كُلّلت عملية الاغتيال بالنجاح خلال زيارة تفقدية كان يقوم بها السلطان محمد الشيخ إلى نواحي تارودانت، حيث استغلت العناصر العثمانية الفرصة وقتلت السلطان السعدي في أكتوبر من سنة 1557م، ثم فرّت نحو اسطنبول حاملة معها رأسه للسلطان العثماني.

هذا الاغتيال الذي استقبله العثمانيون بالتهليل، كان وفق المؤرخين هو نقطة التحول التي زادت من تعقيد "حلم" العثمانيين بضم المغرب، حيث أفرز الاغتيال غضبا عارما في نفس عبد الله الغالب، ابن السلطان محمد الشيخ، الذي تولى حكم الدولة السعدية خلفا لوالده، وأقسم على الانتقام من العثمانيين.

فبعد شهور قليلة من اغتيال محمد الشيخ، وبالضبط في أبريل 1558، التقى الجيش العثماني بقيادة حاكم الجزائر، الحسن بن خير الدين باشا، ونظيره السعدي بقيادة عبد الله الغالب، في واحدة من أشهر المعارك الفارقة بين الطرفين، وهي التي تُعرف في المراجع التاريخية بمعركة "وادي اللبن" بنواحي تاونات، وقد تكبد فيها العثمانيون هزيمة ساحقة وغير متوقعة، خاصة أن العثمانيين كانوا يعتقدون أن هذه المعركة هي البوابة لضم المغرب، في ظل الصدمة النفسية التي تلقاها السعديون المغاربة بمقتل السلطان القوي محمد الشيخ.

معركة "وادي اللبن" أثبتت للعثمانيين أن ضم المغرب عن طريق المعارك والحروب، على غرار ما حدث في مناطق أخرى، أمر يصعب تحقيقه، فقررت نهج أساليب أخرى عن طريق دعم الحكّام السعديين الذين يميلون لمبايعة العثمانيين على حساب الحكام الرافضين لذلك، إلا أن هذه المحاولات توقفت تماما مع ظهور السلطان السعدي الأكثر قوة في تاريخ السعديين، المنصور الذهبي، الذي تولى الحكم في سنة 1578م بعد معركة واد المخازن، ليتحول المغرب في حقبته، من بلد تحاول الامبراطورية لضمه، إلى بلد يضم مناطق عثمانية، لدرجة أن وصل نفوذ السعديين خلال فترة المنصور الذهبي إلى غاية مصر.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

هل الدولة الجزائرية عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ"؟

في حوار أجريناه في "الصحيفة" شهر غشت من سنة 2021 مع نور الدين بوكروح الذي يعتبر من السياسيين والمثقفين القلائل في الجزائر الذين ينتقدون "نظام الحكم" في البلاد المبني على ...