واشنطن تحتفي بعلاقاتها مع المغرب كأقدم حليف قبل الذكرى 250 لاستقالها عن التاج البريطاني

 واشنطن تحتفي بعلاقاتها مع المغرب كأقدم حليف قبل الذكرى 250 لاستقالها عن التاج البريطاني
الصحيفة - خولة اجعيفري
الجمعة 25 يوليوز 2025 - 9:00

أوردت الخارجية الأمريكية عبر تقرير عممته من خلال منصتها الرقمية ShareAmerica، أن هذه العلاقة التي تجمع الولايات المتحدة الأمريكية والمغرب تعود إلى دجنبر من سنة 1777، عندما اتخذ السلطان المغربي محمد الثالث قرارا سياديا يقضي بالسماح للسفن الأمريكية بولوج الموانئ المغربية.

وأصبح المغرب بذلك، وفق خارجية واشنطن، أول دولة تعترف رسميا باستقلال الولايات المتحدة بعد إعلان انفصالها عن التاج البريطاني، وتُوجت هذه المبادرة في عام 1786 بتوقيع معاهدة السلام والصداقة بين البلدين، وهي الوثيقة التي تُعد أقدم اتفاق ثنائي لا يزال ساري المفعول في أرشيف السياسة الخارجية الأمريكية.

وقبل هذا الاتفاق، يقول التقرير، شهدت العلاقات بين الرباط وواشنطن حدثا بارزا في سنة 1784، عندما قامت السلطات المغربية باحتجاز سفينة تجارية أمريكية من أجل دفع الإدارة الأمريكية نحو التفاوض والتوقيع على اتفاق ينظم العلاقات البحرية والتجارية بين الطرفين، وقد تمخض عن ذلك انطلاق أول قنوات التواصل الدبلوماسي بين البلدين، لتتطور لاحقاً نحو شراكة مؤسساتية راسخة.

وفي دلالة رمزية كبيرة على متانة هذه العلاقة التي عرج عليها التقرير، خصص المغرب أحد أجمل المباني في مدينة طنجة ليكون أول مقر دبلوماسي دائم للولايات المتحدة خارج أراضيها، حيث تم افتتاحه سنة 1821، وهو ما شكل بداية الوجود الدبلوماسي الأمريكي الرسمي بالخارج وقد تم تصنيف هذا المبنى في ما بعد كأول نصب وطني أمريكي في بلد أجنبي، وهو اليوم عبارة عن متحف يؤرخ لأكثر من قرنين من التفاعل المغربي الأمريكي.

تقرير وزارة الخارجية الأمريكية لم يكتف باستعراض التاريخ، بل تطرق إلى محطات مفصلية في تطور هذه العلاقة من أبرزها التعاون الوثيق خلال الحرب العالمية الثانية، حيث احتضن المغرب تمركزا هاما للقوات الأمريكية ضمن الحملة العسكرية لتحرير شمال إفريقيا من الاحتلال النازي، وقد شكلت آنذاك معركة الدار البيضاء سنة 1942، المعروفة بعملية الشعلة، نقطة انطلاق الحضور العسكري الأمريكي بالمنطقة، وهي العملية التي وضعت المغرب في قلب التحالف الدولي ضد الفاشية.

وفي المرحلة المعاصرة، يبرز التعاون المغربي الأمريكي في عدد من الملفات الحساسة، على رأسها مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، حيث يُعتبر المغرب شريكا أساسيا للولايات المتحدة في مبادرات الأمن الإقليمي خصوصا في منطقة الساحل والصحراء، وقد عزز البلدان هذا التعاون من خلال تنظيم مناورات عسكرية سنوية كبرى تحت اسم "الأسد الإفريقي"، والتي تُعدّ واحدة من أضخم التدريبات العسكرية في القارة الإفريقية، وتهدف إلى الرفع من القدرات القتالية والتنسيق بين القوات المسلحة المغربية ونظيرتها الأمريكية.

أما على المستوى الاقتصادي، فقد سجلت المبادلات التجارية بين المغرب والولايات المتحدة رقماً قياسياً خلال سنة 2024، حيث بلغ حجم التبادل التجاري أكثر من سبعة مليارات دولار، وفق بيانات وزارة التجارة الأمريكية، ويستفيد المغرب من اتفاق التبادل الحر الموقّع مع واشنطن سنة 2006، والذي يعد الأول من نوعه بين الولايات المتحدة ودولة إفريقية، ويوفر امتيازات كبيرة في ولوج السوق الأمريكية أمام المنتجات المغربية، خاصة في قطاعات النسيج والفلاحة وصناعة الطيران والسيارات.

ويُعد المغرب من أبرز الوجهات الإفريقية التي تستقطب الاستثمارات الأمريكية، حيث تضاعف عدد الشركات الأمريكية النشيطة بالمملكة خلال السنوات الأخيرة، كما يواصل المغرب لعب دور المنصة الصناعية واللوجستيكية لصادرات أمريكا نحو القارة الإفريقية، مستفيداً من موقعه الجيوستراتيجي وبنياته التحتية المتطورة، وعلى رأسها ميناء طنجة المتوسط.

سياسيا، عرفت العلاقات بين البلدين منعطفا نوعيا في دجنبر 2020، عندما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، في عهد الرئيس دونالد ترامب، اعترافها الرسمي بسيادة المغرب على كامل أقاليمه الصحراوية، وهو القرار الذي لم تتراجع عنه إدارة الرئيس جو بايدن ما عكس وجود توافق عابر للإدارات حول دعم مقترح الحكم الذاتي المغربي، الذي تعتبره واشنطن أساسا جديا وواقعيا لحل النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء.

وتعزز هذا التوجه الأمريكي بعد انضمام المغرب إلى "اتفاقيات أبراهام" التي رعتها واشنطن في أواخر سنة 2020، حيث أعاد المغرب علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل ضمن رؤية استباقية تهدف إلى ضمان السلم والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مقابل اعتراف أمريكي بمغربية الصحراء وقد أشاد وزير الخارجية الأمريكي الحالي ماركو روبيو، في أبريل 2025، بالدور المغربي في بناء "مستقبل أفضل للمنطقة"، مؤكدا على محورية الرباط في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة.

في المقابل، تبدو دول الجوار، وفي مقدمتها الجزائر، عاجزة عن بناء شراكة مماثلة مع الولايات المتحدة، بسبب مواقفها المتصلبة وارتباطها بمحاور إقليمية لا تنسجم مع الرؤية الأمريكية، خصوصا في ما يتعلق باحتضانها لجبهة البوليساريو ودعمها لمواقف مناهضة للاستقرار الإقليمي وقد انعكس هذا التباين في المقاربة على مستوى الحضور السياسي والدبلوماسي، حيث تعيش العلاقات الجزائرية الأمريكية نوعا من الفتور وعدم التجاوب، رغم المحاولات المتكررة التي بذلتها الجزائر خلال السنوات الأخيرة لاستمالة واشنطن دون نتائج ملموسة.

ومع اقتراب تخليد الولايات المتحدة لذكرى 250 سنة على استقلالها في سنة 2026، يعود المغرب ليحتل موقعا متميزا ضمن تحالفات واشنطن الاستراتيجية، ليس فقط كحليف تقليدي، بل كشريك فعلي في محيط تتزايد فيه التهديدات الأمنية ويتعاظم فيه التنافس الدولي، فالمغرب، من خلال قيادته السياسية المستقرة وموقعه الجيوسياسي الحاسم ومصداقيته الدبلوماسية، يقدم اليوم نموذجا للحليف الذي يجمع بين الوفاء التاريخي والفعالية الاستراتيجية، وهو ما يفسر احتفاء الخارجية الأمريكية به كـ"صديق قديم وشريك موثوق" في عالم يعيد رسم خرائطه من جديد.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

إذا كان الملك لا يثق في السياسيين فماذا بقي للشعب؟

من المشكوك فيه أن يكون السياسيون عندنا في المغرب، قد فهموا رسالة العاهل المغربي، الملك محمد السادس، في خطاب الذكرى الـ 18 لاعتلائه العرش، حينما تساءل قائلا: "إذا أصبح ملك ...