وضع البرلمان الفرنسي خريطة تضم صحراء المغرب على جدرانه يثير "شيوعي فرنسا".. ودبلوماسي مغربي لـ"الصحيفة": باريس تحولت من "التوازنات الغامضة إلى التموضع الصريح"

 وضع البرلمان الفرنسي خريطة تضم صحراء المغرب على جدرانه يثير "شيوعي فرنسا".. ودبلوماسي مغربي لـ"الصحيفة": باريس تحولت من "التوازنات الغامضة إلى التموضع الصريح"
الصحيفة - خولة اجعيفري
السبت 29 مارس 2025 - 15:00

عاد ملف الصحراء المغربية ليخلق ارتدادات داخل البرلمان الفرنسي، بعدما فجّر تعليق خريطة جديدة للعالم داخل قاعة لجنة الشؤون الخارجية، تضم الصحراء المغربية ضمن التراب الوطني للمملكة، موجة من السجال الحاد الذي عكس تحولات الموقف الرسمي الفرنسي من قضية الصحراء، لكنها في المقابل أظهرت استمرار بعض الأصوات المعارضة في التمسك بقراءات تقليدية تجاوزتها السياقات الدبلوماسية الأخيرة، والتي تعتبرها مصادر دبلوماسية مغربية "مناورات طبيعية وغير مؤثرة أبدا تراقبها الرباط عن كثب، لكن موقف الدولة الفرنسية ثابت".

الحدث الذي حمل طابعًا تقنيًا في ظاهره، تحوّل بسرعة إلى قضية سياسية حادة بعدما أعلن النائب الشيوعي جان-بول لوكوك، المعروف بدعمه للبوليساريو والجزائر، عن رفضه للخريطة واعتبرها دليلًا على انحياز مؤسسات الجمهورية لموقف مغربي، لم يعد مجرد اجتهاد دبلوماسي، بل خيارًا سياديًا عبّرت عنه باريس رسميًا خلال صيف 2024، عندما أعلنت اعترافها بمغربية الصحراء، قبل أن يؤكد الرئيس إيمانويل ماكرون خلال زيارته اللاحقة للمغرب دعم فرنسا الصريح لمبادرة الحكم الذاتي، والتزامه بالترافع عنها في المحافل الدولية.

الخرجة الجديدة للنائب الشيوعي، المعروف بدعمه التاريخي لمواقف جبهة البوليساريو وللرؤية الجزائرية للنزاع، جاءت بعد أن لاحظ وجود خريطة للعالم داخل إحدى القاعات البرلمانية تُظهر الصحراء المغربية بلون موحّد مع باقي تراب المملكة، على خلاف ما اعتبره "الاحترام السابق للقانون الدولي"، في إشارة إلى خرائط الأمم المتحدة التي تعتمد تلوينًا مختلفًا للمنطقة.

وقال النائب اليساري، في مداخلة مصورة نقلتها الصحافة المحلية، "لقد لاحظت أن الخريطة التي كانت تُعلق في قاعة لجنة الشؤون الخارجية قد تم استبدالها، الخريطة السابقة كانت تستند إلى المعايير المعتمدة من قبل الأمم المتحدة، وتُميز الصحراء عن باقي التراب المغربي باستخدام ألوان مختلفة، أما الآن، فالخريطة الجديدة توحد بين المنطقتين، ما يوحي بأن الصحراء مغربية، هذا الاختيار ليس تقنيًا، بل سياسي، ويتماشى مع رغبة رئيس الجمهورية".

واستغل لوكوك المناسبة لاتهام رئيس اللجنة البرلمانية، جون لوي فوش، المنتمي لحركة الديمقراطيين التي يقودها فرانسوا بايرو باتخاذ القرار بشكل انفرادي، "ودون الرجوع إلى باقي مكونات اللجنة أو حتى نواب الرئيس"، وفق تعبيره، وقد وجد هذا الموقف دعمًا مباشرًا من النائبة كليمانتين أوتان، اليسارية السابقة عن "فرنسا الأبية".

الخريطة التي كان يضعها البرلمان الفرنسي داخل قاعة لجنة الشؤون الخارجية قبل تغييرها بخريطة تضم الصحراء المغربية

لكن، ما لم يقله لوكوك صراحة في مداخلته، هو أن هذه "الرغبة الرئاسية" التي يرفضها، لم تعد مجرد ميول شخصي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بل أصبحت موقفًا رسميًا للدولة الفرنسية منذ صيف 2024.

ففي منتصف العام الماضي، أعلنت فرنسا رسميًا اعترافها بمغربية الصحراء، بعد سنوات من الغموض السياسي والرمزي الذي كان يطبع علاقتها بالملف، وجاء هذا الاعتراف بعد ضغوط مغربية متصاعدة، وتبدّل في ميزان التحالفات داخل أوروبا والغرب، خصوصًا بعد القرار الأمريكي الصادر في دجنبر 2020.

ولاحقًا، وفي خريف السنة نفسها، قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارة دولة للمغرب، وأعلن من الرباط دعمه الكامل لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، معتبرًا إياها "الخيار الواقعي الوحيد لحل النزاع"، ومؤكدا أن فرنسا ستترافع عن هذا المقترح داخل المحافل الدولية، بما فيها الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

وبالتالي، فإن هذا التموقع الفرنسي الجديد لم يبق في حدود التصريحات، بل بدأ يُترجم على مستوى الممارسة المؤسساتية، من خلال تحديث الوثائق والخرائط الرسمية، واعتماد صورة موحدة للمملكة المغربية تشمل أقاليمها الجنوبية، سواء في الإدارات أو في المؤسسات السيادية، مثل الجمعية الوطنية، وأيضا من خلال الزيارات الرسمية العديدة للوزراء الفرنسيين والمسؤولين الحكوميين، فضلا عن الاستثمارات في الاقاليم الجنوبية وغيرها .

ولفهم حدود الجدل الذي أثاره لوكوك، لا بد من التذكير بما ينص عليه الدستور الفرنسي، خاصة الفصل 52 الذي يمنح رئيس الجمهورية الصلاحيات الكاملة لتحديد السياسة الخارجية للدولة، وإبرام الاتفاقيات والمعاهدات، ومباشرة التوجهات الدولية لفرنسا.

وبموجب هذا الفصل، فإن البرلمان الفرنسي، وتحديدًا الجمعية الوطنية، لا تمتلك سلطة اتخاذ قرارات أو مواقف رسمية في ما يتعلق بالاعتراف الدولي أو تحديد موقف فرنسا من نزاعات إقليمية، وبالتالي، فإن ما عبّر عنه لوكوك لا يتجاوز كونه موقفًا سياسياً فرديًا، لا يُغيّر من حقيقة أن فرنسا اليوم باتت، رسميًا، ضمن الدول التي تعترف بسيادة المغرب على الصحراء.

وفي الوقت الذي تُقرأ فيه الخريطة المعلقة داخل البرلمان باعتبارها مجرد تفصيل إداري، يرى المتتبعون أن رمزية هذه الخطوة أكبر بكثير، خاصة إذا وُضعت في سياق تحول باريس عن حيادها التقليدي، والتحاقها بركب الدول التي أغلقت قوس "الموقف الرمادي" تجاه الصحراء.

وفي هذا الإطار، يقول مصدر دبلوماسي لـ"الصحيفة" إن المغرب "يتابع عن كثب تفاصيل هذا التحول الفرنسي، ليس من خلال البلاغات السياسية فقط، ولكن من خلال الإشارات المادية والرمزية، مثل الخرائط المعتمدة، واللغة المستعملة في الوثائق الرسمية، والتصويت داخل المؤسسات الدولية".

وأضاف المصدر ذاته أن "الاختبار الحقيقي لأي موقف سياسي لا يُقاس فقط بما يُقال في المؤتمرات الصحفية أو في بلاغات وزارات الخارجية، بل بما يُترجم في قرارات داخل المؤسسات، سواء كانت خرائط، أو مذكرات رسمية، أو تصويتًا على قرارات في المحافل الدولية، والمغرب اليوم لا يطلب المجاملة، بل يطالب بالوضوح، لأنه اختار منطق الشراكات على قاعدة الاحترام المتبادل".

وأوضح المصدر الدبلوماسي ذاته، في تصريح خصّ به "الصحيفة"، أن تعليق خريطة موحدة للمغرب تشمل أقاليمه الجنوبية داخل قاعة لجنة الشؤون الخارجية بالجمعية الوطنية الفرنسية، هو تعبير عملي عن أن فرنسا دخلت مرحلة ما بعد التردد، مشددًا على أن "الرباط لا تتعامل مع الخرائط كبُعد شكلي، بل تعتبرها أحد المؤشرات الرمزية على جدية الدولة التي تعتمدها في الالتزام بموقف سياسي واضح".

كما لفت المصدر إلى أن المغرب لم يعد يقبل بمنطقة رمادية في مواقفه الثنائية مع شركائه، وخاصة مع دول بحجم فرنسا، التي "طالما ادّعت دعمها للمبادرة المغربية دون أن تُترجم ذلك بقرارات ملموسة، لكن الوضع تغيّر اليوم".

وختم المصدر بالقول: "التحول الفرنسي الأخير، خاصة بعد زيارة الرئيس ماكرون للرباط ثم الزيارات الوزارية الكثيفة تترجم الواقع الجديد وتؤشر على بداية مرحلة جديدة، فرنسا الآن تحولت من الخطاب إلى الفعل، ومن التوازنات الغامضة إلى التموضع الصريح، والخريطة التي فجرت الجدل مجرد بداية في سياق المسار الطبيعي للعلاقات وتؤكد أن الدول باتت تدرك فحوى هذا النزاع المفتعل أصوله وتفاصيله".

ويرى مراقبون أن تصريحات لوكوك ومن يدعمونه تنتمي إلى تيار يساري تقليدي فقد الكثير من نفوذه داخل المشهد السياسي الفرنسي، فبعد تراجع وزن الحزب الشيوعي، وتفكك تكتلات اليسار الراديكالي، لم يعد لهذا التيار تأثير فعلي على توجهات السياسة الخارجية، التي تحددها اليوم الرئاسة الفرنسية بتنسيق مع الجهاز التنفيذي، كما أن التحولات الجيوسياسية، وازدياد أهمية التعاون الأمني والهجروي مع الرباط، وتنامي التنافس مع الجزائر على النفوذ المغاربي، كلها عوامل دفعت باريس إلى تبني موقف أكثر وضوحًا وفاعلية في ملف الصحراء.

وحتى الآن، لم يصدر أي رد رسمي مغربي على الجدل الذي أثارته الخريطة داخل البرلمان الفرنسي، لكن مصادر مغربية تعتبر أن باريس تجاوزت بالفعل عتبة الحياد، وأن الاعتراف الفرنسي بالصحراء المغربية بات مؤطرًا بسياسات عملية، سواء على مستوى الخرائط أو التصريحات أو التنسيق الأمني والاقتصادي.

ويُضاف الموقف الفرنسي إلى سلسلة من الاعترافات المتزايدة، أبرزها من الولايات المتحدة، إسبانيا، ألمانيا، هولندا، وعدد من الدول الإفريقية والعربية، في وقت تزداد فيه عزلة الطرح الانفصالي داخل المنظومة الدولية.

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...