وفد عسكري رفيع المستوى من النيجر يحل بالمغرب لتعزيز تعاونه مع القوات المسلحة الملكية في مجال الدفاع والتحديات الأمنية في المنطقة

 وفد عسكري رفيع المستوى من النيجر يحل بالمغرب لتعزيز تعاونه مع القوات المسلحة الملكية في مجال الدفاع والتحديات الأمنية في المنطقة
الصحيفة - خولة اجعيفري
الأحد 21 أبريل 2024 - 17:57

أشّر إعلان نيامي عن انخراطها في مبادرة الملك محمد السادس لتمكين مجموعة دول الساحل الأفريقي من الاستفادة من المحيط الأطلسي، على مرحلة جديدة من العلاقات الاستراتيجية بين المغرب والنيجر، التي خرجت لتوّها من انقلاب عسكري لم تحاول الخروج منه بأقل الأضرار لتثبيت أقدامها في المنطقة والتقرب من القوى الكبرى إقليميا وفي مُقدّمتهم الرباط، وكل ذلك في ظل جملة من الإكراهات التي تحيط بالبلد تنمويا وأمنيا فضلا عن مواجهة التحديات الإرهابية، وخلافاتها التي طفت على السطح مع الجزائر "غير الراضية بتاتا" عن التقارب المغربي النيجيري المتزايد.

وآخر حلقة من هذا التقارب الاستراتيجي بين النيجر والمغرب، كان استقبال قيادات في القوات المسلحة الملكية وفدا عسكريا رفيع المستوى من دولة النيجر، خلال الأسبوع الجاري، إذ ترمي هذه الزيارة، تعزيز العلاقات ‏وتبادل الخبرات في مجالات عدة فضلا عن مواجهة التحديات والدفاع عما وصف بـ "المصالح المشتركة".

وفي ظل غياب أي معطيات أو تفصيل إضافي عن هذه الزيارة الرسمية، على وكالة الأنباء المغربية أو نظيرتها النيجرية وفق ما رصدته "الصحيفة"، إلا أن سياقها "الاستثنائي" ودواعيها في ظل التغييرات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، يجعلها حدثا بالغ الأهمية خصوصا وأن نيامي أبدت منذ خروجها من أزمة الانقلاب الدموي الذي شهدته في يوليوز 2023، مراهنة علنية كبيرة على الرباط في مكافحة الإرهاب، وتقوية أمنها ودفاعها.

وتوصف المنطقة الحدودية بين دول النيجر وبوركينا فاسو ومالي بأنها "المثلث الأخطر"، حيث تنشط فيها التنظيمات الإرهابية بشدة، وتنطلق من تلك المنطقة لاستهداف مناطق أخرى، حيث زادت تلك التنظيمات من هجماتها في الآونة الأخيرة وخصوصا بعد الانقلاب العسكري في النيجر، التي تخوض حربا ضروسا على التنظيمات المتجندة لصالح تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، المتسببة في مقتل الآلاف وتشريد أكثر من مليوني شخص في منطقة الساحل بغرب أفريقيا.

وتعمل النيجر في الوقت الحالي على تحقيق تقارب عسكري، اقتصادي وسياسي، في إطار تحالف استراتيجي مع المغرب، يأتي متزامنا مع واقع التوتر الدبلوماسي المتصاعد بين نيامي والجزائر منذ أشهر، وهو ما بات يتهدد بشكل مباشر المصالح الجزائرية في البلد بما فيها مشروع أنبوب الغاز الذي تسعى الجزائر تنفيذه انطلاقا من نيجيريا وعبورا بدولة النيجر إلى غاية ترابها الوطني، كما يقوض من جهة ثانية دور الجزائر في المنطقة.

من جهة ثانية، لا تُعد الزيارة التي قام بها الوفد العسكري النيجيري هي الأولى من نوعها، فعلى الرغم من "السرية" التي أحيطت بها تفاصيل زيارة رئيس الوزراء النيجري، علي محمد لمين زيني، إلى المغرب منتصف فبراير الماضي، والاكتفاء بالإعلان عن تقديمه رسالة من الجنرال دو بريكاد عبد الرحمان تياني، رئيس المجلس الوطني لحماية الوطن، إلى العاهل المغربي محمد السادس، إلا أن وقعها الدبلوماسي كان أكبر خصوصا وأنها وصفت بـ "زيارة الصداقة و العمل".

وأفادت وكالة أنباء النيجر وقتها، أن زيارة علي مهمان لمين زين الذي يشغل أيضا منصب وزير الاقتصاد والمالية، إلى الرباط الذي كان مرفوقا بوزير الدولة ووزير الدفاع الوطني الفريق ساليفو مودي ووزير الشؤون الخارجية والتعاون والنيجيريين بالخارج بكاري ياو سانغاري و مسؤولين آخرين، جعل منها زيارة مهمة باعتبارها الزيارة الخارجية الأولى من نوعها لأعضاء حكومة النيجير منذ إعلانها في 28 يناير 2024، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "سيدياو"، كما أن النيجر إحدى دول الساحل المنخرطة في مبادرة الملك محمد السادس لتمكين دول منطقة الساحل من الوصول إلى المحيط الأطلسي، رفقة مالي وبوركينا فاسو.

ويرى الخبير في العلاقات الدولية، محمد ديلامي أن تحويل هذه الدول بوصلتها صوب المغرب من خلال الانضمام إلى المبادرة التي أطلقها الملك محمد السادس والممكنة لمجموعة دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي باعتباره متنفسا اقتصاديا وأيضا سياسيا، أغضبت النظام الجزائري وأربكت حساباته وهو ما يفسر أنه في اليوم التالي لهذا الإعلان استقبل وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف نظيره النيجري بكاري ياو سانغاري بالجزائر العاصمة وتوالت التحركات المتواترة التي تُظهر جليا الفشل الدبلوماسي للجارة الشرقية في كسب ثقة القيادة الجديدة التي تولت حكم النيجر ومالي على الرغم من مبادرات الصلح التي قادتها.

وما يؤكد غلو الغضب الجزائري وبلوغه مراحل متقدمة، وفق تصريح ديلامي لـ "الصحيفة"، هو مسارعة قصر المرادية منذ ذلك الوقت إلى ضخ الاستثمارات في الدول المجاورة بغرض كسب ثقة دول الجوار خصوصا بعد التوتر مع مالي وزيارة وفد نيجري رفيع المستوى إلى المغرب، ثم خرجة وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب عبر مجلة "الجيش"، وقوله إن بلده تنوي استثمار 442 مليون دولار في مشروعات بمجال الطاقة في بلدان مجاورة منها ليبيا والنيجر ومالي ستغطي الفترة ما بين 2024 و2028 بهدف زيادة إنتاج البلد العضو في أوبك من النفط والغاز.

وأوضح المتحدث، بأن هذه الخطوة الجزائرية جاءت متأخرة جدا وبدون جدوى، سيما وأن العلاقات الدبلوماسية توترت جدا وبلغت حد استدعاء سلطات نيامي السفير الجزائري لديها لإبلاغه احتجاجها على ما وصفته بالطريقة غير اللائقة التي تعاملت بها السلطات الجزائرية مع مواطنيها أثناء عملية ترحيلهم نهارا دون توفير المستلزمات الضرورية ودون تنسيق مع سلطات البلد، واستمرار التراشق السياسي منذ فشل المبادرة السياسية للمصالحة الوطنية عقب رفض السلطات النيجرية التجاوب، بالتزامن مع اتخاذ مالي، موقفا مفاجئا بإلغاء اتفاق المصالحة الذي أبرم في الجزائر بين أهم الفصائل المالية سنة 2015.

بالمُقابل، شدّد الخبير في العلاقات الدولية، على أن "الدهاء الدبوماسي" للمغرب، والتزامه الدائم بحدود عقيدة الحياد واحترام سيادة الدول مع العمل على وضع أوراش تحقق النماء المشترك والتضامن والدعم المتبادل في القارة السمراء، جعل مكانته الإقليمية متقدمة جدا بعيدا عن الكولسة، ودخول الحروب النفسية والتكتيكية التي رهن النظام الجزائري منطق وتحركات الدولة فيه.

وأشار ديالمي، في حديثه لـ"الصحيفة"، إلى أنه وخلافا لتحركات الجزائر وممارستها الضغوط المكثفة دبلوماسيا اقتصاديا واجتماعيا على نيامي، التزم المغرب الحياد تجاه مشاكل النيجر الداخلية، مؤكدا أنه "واثق من حكمة الشعب والقوى الفاعلة في النيجر للحفاظ على المكتسبات، والحفاظ على دورها الإقليمي البنّاء المهم، والعمل على تحقيق تطلعات الشعب"، وهو ما جعله يحقق التقدم المطلوب والتقارب المرجو والمعقول مع قيادة الدولة على اختلاف أطيافها.

وعلاقة بموضوع الزيارة العسكرية الأخيرة، قال الباحث في العلاقات الدولية إن المنطقة ومنذ عام 2014، شهدت تزايدا في التطرف، فيما أدى العنف المتصاعد وتفشي الجماعات الإرهابية ضد المدنيين إلى التسبب في  أزمة إنسانية تتهدد أكثر من 24 مليون شخص، وهو ما دفع مالي وبوركينا فاسو والنيجر إلى الاعلان عن مغادرة مجموعة دول الساحل، والمراهنة على الرباط في مكافحة الإرهاب، وتقوية أمنها ودفاعها.

واعتبر المتحدث، أن المنطلق جد مناسب خصوصا في ظل التغييرات الجيوسياسية والتحولات التي تشهدها المنطقة ككل، والتي تستدعي تعزيز التعاون الأمني والدفاعي، وتحقيق النماء المشترك وإعلاء المصالح الافريقية في إطار رابح رابح.

آن الأوان للمغرب أن يدير ظهره كليا للجزائر!

لا يبدو أن علاقة المغرب مع الجزائر ستتحسن على الأقل خلال عِقدين إلى ثلاثة عقود مُقبلة. فحتى لو غادر "عواجز العسكر" ممن يتحكمون بالسلطة في الجزائر، فهناك جيل صاعد بكامله، ...