الروس في الجزائر والأمريكيون في المغرب.. صراع استراتيجي على النفوذ الإقليمي في شمال إفريقيا وواشنطن تختار الرباط بـ"إجماع" ديموقراطي جمهوري

 الروس في الجزائر والأمريكيون في المغرب.. صراع استراتيجي على النفوذ الإقليمي في شمال إفريقيا وواشنطن تختار الرباط بـ"إجماع" ديموقراطي جمهوري
الصحيفة – حمزة المتيوي
الثلاثاء 28 فبراير 2023 - 21:47

اجتمع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، يوم أمس الاثنين، بوفد من مجلس الشيوخ الأمريكي بمدينة الدار البيضاء، وهو اللقاء الذي تضمن العديد من النقاط التي تدعو للانتباه، وفي مقدمتها أن الوفد الأمريكي كان يضم أسماء ثقيلة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بالإضافة إلى فتح الملف الأمني الإقليمي، ما يعني ضمنيا التطرق إلى قضية النفوذ الإيراني في منطقة شمال إفريقيا.

الاجتماع الذي حضره أيضا السفير الأمريكي بالمغرب، بونيت تالوار، تقدمه السيناتور الديمقراطي بوب مينديز، وهو رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ، وعضو في الكونغرس الأمريكي عن ولاية نيو جيرسي منذ 1993 حيث كان نائبا في مجلس النواب قبل أن يُنتخب في مجلس الشيوخ، كما حضره السيناتور ليندسي غراهام، العضو الجمهوري في الكونغرس منذ 1992 عن ولاية كارولينا الجنوبية، وهو أيضا مر من مجلس النواب ثم وصل إلى مجلس الشيوخ.

الأولوية لمحاربة النفوذ الإيراني

وتُبرز هذه الخطوة الطبيعة الاستراتيجية للعلاقات المغربية الأمريكية، المُتجاوزة للانتماءات الحزبية، فالأمر يتعلق بوفد مكون من أعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي، حل بالمملكة محملا بالعديد من الملفات الحساسة، بما في ذلك القضايا الأمنية وخصوصا مكافحة الإرهاب، وفق التصريحات التي أدلى بها السيناتور مينديز عقب الاجتماع مع بوريطة، مبرزا أنه تم استعراض "العلاقات القوية التي تجمع الولايات المتحدة والمغرب، ومناقشة التعاون الثنائي من أجل مواجهة مجموعة من التحديات الإقليمية والدولية بشكل مشترك".

وعند الحديث عن التحديات الإقليمية والدولية، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو المحاولات الإيرانية المتزايدة لتمديد نفوذها في منطقة شمال إفريقيا، الأمر الذي لا ترغب فيه الولايات المتحدة الأمريكية، وفي ذلك تلتقي مع المغرب الذي قطع علاقاته الدبلوماسية مع طهران منذ سنة 2015، والذي يرى أن المنفذ الذي تستغله هذه الأخيرة لاقتحام المنطقة المغاربية هي مخيمات "تندوف" على الأراضي الجزائرية، التي تؤوي انفصاليي جبهة "البوليساريو".

وتبرز ملامح هذا التوجه أيضا من خلال حديث السفير تالوار عن أن الاجتماع الذي حضره إلى جانب أعضاء مجلس الشيوخ الستة، تطرق إلى "قوة العلاقة بين الولايات المتحدة والمغرب، وكيفية عملهما معا لتحقيق التقدم والازدهار والأمن في المنطقة كلها وفي جميع أنحاء العالم"، وهو ما يمكن ربطه بتصريحات للسفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة في نيويورك، عمر هلال، شهر أكتوبر الماضي، الذي تحدث عن وجود معلومات تشير إلى بيع إيران لطائرات مسيرة لجبهة "البوليساريو"، ما يعني رغبتها "في ضرب استقرار منطقتنا على غرار ما فعلته في اليمن وسوريا والعراق".

الرهان الروسي على الجزائر

وتزامنت زيارة المُشرعين الأمريكيين إلى المغرب مع زيارة سكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف إلى الجزائر، حيث التقى بقائد أركان الجيش الجزائري، الفريق أول السعيد شنقريحة، من أجل "تعزيز التعاون العسكري ومناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك"، وفق ما أورده بيان لوزارة الدفاع الجزائرية، الذي ذكر أن الجانبان "بحثا التعاون العسكري بين البلدين والسبل الكفيلة بتعزيزه".

وتعليقا عن هذه الزيارة قال شنقريحة إنها "دليل على الإرادة الثابتة والصريحة للبلدين لتعزيز الشراكة الاستراتيجية والتاريخية التي تطبع علاقاتنا الثنائية، وبالأخص في مجال التعاون العسكري"، مشددا على "مسعى المساهمة في إرساء السلم والتنمية المستدامة الذي تتشارك فيه الجزائر وروسيا، في ظل احترام سيادة الدول، يتوافق مع المبادئ التي على أساسها تم تطوير علاقات تعاون ثنائي وثيق، يرتكز على الثقة المتبادلة والمصالح المشتركة".

أما المسؤول الروسي فتحدث بلغة تُبرز الطبيعة الاستراتيجية للعلاقات الروسية الجزائرية في غمرة الصراع بين موسكو والغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب الحرب المستمرة منذ سنة على أوكرانيا، متحدثا عن "عمق العلاقات التاريخية التي تجمع الجزائر وروسيا"، وعن "الدور المحوري للجزائر وجهودها الكبيرة في إحلال السلم والاستقرار في المنطقة"، وهو ما يناقض التوجه المغربي الذي يحمل مسؤولية تهديد أمن المنطقة لميليشيات "البوليساريو" الممولة من الجزائر التي تتلقى، حسب الرباط، تدريبات من "حزب الله" اللبناني الموالي لطهران.

المغرب.. إجماع ديمقراطي وجمهوري

وإن كانت روسيا قد استقرت على الجزائر منذ مدة غير قصيرة كشريك على المستوى الأمني في غمرة صراع النفوذ بمنطقة شمال إفريقيا، على الرغم من محاولاتها الحفاظ على علاقات متوازنة مع المغرب، الذي تُصنفه روسيا في قائمة الدول الصديقة بسبب موقفه الأقرب للحياد في ملف الحرب على أوكرانيا، فإن الولايات المتحدة الأمريكية باتت تعمل على إبراز تحالفها الاستراتيجي مع المغرب بشكل أكبر في الآونة الأخيرة، وهو ما يبرز من خلال تقديم أعضاء مجلس الشيوخ، أمس، شكرهم للرباط على تصويتها الأسبوع الماضي لفائدة القرار الأممي الذي يدعو روسيا لسحب قواتها من أوكرانيا.

وإلى جانب ذلك، قال السيناتور مينديز إن الوفد يعبر عن "تقديره العميق للملك محمد السادس لالتزامه بتعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة والمغرب، ودوره في تعزيز السلام والازدهار والأمن في المنطقة وفي العالم"، مبرزا أن المغرب يعد أحد أقرب وأقدم حلفاء لبلاده، وتابع أنه واثق من أن العلاقات المغربية الأمريكية "لا يمكن إلا أن تتعزز أكثر في السنوات المقبلة"، خاصة بعد عودة "الدفء" للعلاقات المغربية الإسرائيلية التي قال إنها "تخلق فرصا جديدة للسلم والازدهار"، وهو وجه آخر من أوجه الالتقاء مع المغرب والاختلاف مع الجزائر.

وهذا القناع لم يعبر عنها السيناتور الديموقراطي وحده، بل إن زميله الجمهوري غراهام شدد على أن الرهان الاستراتيجي الأمريكي على المغرب على المستوى الإقليمي متجاوز للانتماء الحزبي، على اعتبار أن أعضاء الحزبين "يعتبرون المغرب "قوة استقرار في منطقة غير مستقرة"، موردا أن الرباط "قوة مُستقرة من أجل الخير"، بل وصف علاقات بلاده بالمملكة بأنها "من أقوى العلاقات التي تقيمها الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة".

آن الأوان للمغرب أن يدير ظهره كليا للجزائر!

لا يبدو أن علاقة المغرب مع الجزائر ستتحسن على الأقل خلال عِقدين إلى ثلاثة عقود مُقبلة. فحتى لو غادر "عواجز العسكر" ممن يتحكمون بالسلطة في الجزائر، فهناك جيل صاعد بكامله، ...