صُراخ الحليمي وميارة والجواهري في وجه أخنوش.. هل هو إقرار من مؤسسات دستورية بإفلاس الحكومة؟

 صُراخ الحليمي وميارة والجواهري في وجه أخنوش.. هل هو إقرار من مؤسسات دستورية بإفلاس الحكومة؟
الصحيفة – حمزة المتيوي
الأربعاء 29 مارس 2023 - 12:00

لن يكون وصف تصريحات أحمد الحليمي، المندوب السامي للتخطيط، بخصوص تحول التضخم في المغرب إلى "حقيقة هيكلية"، بأنها الضربة القاضية لكل الوعود الانتخابية التي ساقها رئيس الحكومة عزيز أخنوش سنة 2021، أمرا مبالغا فيه، لأن كلامه يعني، بشكل مباشر وغير قابل للتأويل، أن المغاربة أصبحوا مجبرين على التعايش مع غلاء الأسعار بعدما كانت الحكومة التي يقودها حزب التجمع الوطني للأحرار ترفع شعار "الدولة الاجتماعية".

وبشكل مباشر وصريح، وضع الحليمي المغاربة أمام حقيقة أن الوضع الاقتصادي للمملكة يسير بثبات نحو السكتة القلبية إذا ما ظلت الحكومة الحالية عاجزة عن إيجاد حلول، وهي التي يقودها رجل أعمال تُصنفه مجلة "فوربس" سنويا كأثرى أثرياء المغرب، والذي يملك شركة "أفريقيا" الفاعل الأول في مجال المحروقات، القطاع الذي كان سببا مباشرا في الأزمة، الأمر الذي بات يطرح علامات استفهام حول "الحكمة" من استمرار حكومة "رجل المال والأعمال" في زمن يحتاج فيه المغاربة للقرار السياسي الحاسم.

من أحلام أخنوش إلى واقع الحليمي

وعمليا، تمثل تصريحات الحليمي، محاكمة مباشرة لأخنوش حتى قبل أن يصبح رئيسا للحكومة، باعتباره كان قبل ذلك وزيرا للفلاحة والصيد البحري خلال الفترة ما بين 2007 و2021، وكان المسؤول المباشر عن مخطط "المغرب الأخضر"، الذي يُفترض أنه جاء لضمان الأمن الغذائي للمغاربة، لكنه، بشهادة المجلس الأعلى للحسابات سنة 2018، أخفق في تحقيق الكثير من أهدافه، الأمر الذي أكده الحليمي في حواره مع موقع "ميديا 24" يوم الاثنين الماضي.

وأورد الحليمي أن أحد أبرز أسباب التضخم، الجفاف الذي أصبح عاملا هيكليا في السنوات الأخيرة بالنسبة للمغرب، ما دفعه إلى المطالبة بإحداث ثورة من أجل تغيير نظام الإنتاج الفلاحي الوطني، مع التأكيد على ضرورة التحرك نحو تحقيق السيادة الغذائية وإنتاج ما تستهلكه البلاد في المقام الأول، مع الاعتماد بشكل كبير على التقدم التقني والتكنولوجي لتحسين الإنتاج الزراعي، بل إن الرجل، وبمنطق الحلول الجذرية، دعا إلى إحداث "ثورة" في المجال الفلاحي لتغيير نظام الإنتاج.

لكن "صفعات" الحليمي وُجهت أيضا للحكومة الحالية، وبدا كلامه وكأنه يصرخ في وجهها ليوقظها من سباتها، وليُكَذب صراحة توقعاتها بأن الوضع حالي "مؤقت"، حين أورد أن على الجميع أن يدرك أن التضخم مرتبط بارتفاع أسعار المواد الغذائية التي يتم إنتاجها داخليا، مؤكدا أن "زيادة الأسعار ستُصبح هيكلية"، قبل أن يشدد على أنه من الضروري أن يتم إخبار الرأي العام بذلك، وأن "يُعامل باحترام عبر قول الحقيقة له"، لكن ما يحدث حاليا هو "العكس تماما" وفق المندوب السامي للتخطيط.

تحذيرات من المحيط القريب

لكن إخفاء الشمس بالغربال أصبح نهجا لدى الحكومة الحالية، حتى عندما تأتيها التحذيرات من محيطها القريب، وهو ما حدث حين قال مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، إن تصريحات النعم ميارة، رئيس مجلس المستشارين وعضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، بخصوص عدم قدرة المغاربة على احتمال الوضع الحالي أكثر، "لا تعني الحكومة في شيء"، علما أن صاحبها ينتمي لحزب مشارك في الأغلبية.

غير أن ما قاله ميارة، ليس أمرا مستغربا في ظل الوضع الاقتصادي والاجتماعي الراهن، فالرجل أورد أن ما يجري داخليا بالمغرب من مضاربات يؤثر على الطبقة الشغيلة المغربية، وأضاف، خلال لقاء للاتحاد العام للشغالين، أن الطماطم قيمتها عند الفلاح درهمان اثنان، وتصل إلى الأسواق لتُباع بـ12 درهما بسبب المضاربين، مخاطبا الحكومة بالقول "لا نريد ضبط الأسعار عبر التلفزيون بل على أرض الواقع وأن يشعر المغاربة بذلك".

وبلغة الواثق من أن المغاربة وصلوا إلى أقصى درجات السخط على التجربة الحكومية لأخنوش، قال ميارة "انتبهوا، لن نظل ساكتين طويلا، فنحن المغاربة أعطينا الثقة بأغلبية ساحقة لحكومة فيها 3 أحزاب، لكن بعد أكثر من سنة أصبح الصبر صعبا، وعلى الحكومة أن تقوم بإجراءات عملية، فرغم الإجراءات الأخيرة مثل الحد من التصدير الثمن لم ينخفض في السوق"، وتابع أنه لا بد من إجراءات حقيقية لتحسين الدخل والزيادة في الأجور خصوصا للسلالم الوظيفية المتدنية.

مصيرٌ توقعه الجواهري

وربما كان على أخنوش الاستماع بإمعان إلى نصائح رجل آخر، خبير بلغة المال والاقتصاد والأرقام، عوض أن يرسم الأحلام الوردية التي جلبت له الكثير من الأصوات في انتخابات 2021 التشريعية والجهوية والجماعية والمهنية، ويتعلق الأمر بوالي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهيري، الذي رفع قبل أيام سعر الفائدة الرئيسي لـ 3 في المائة، وهي المرة الثالثة التي تقوم فيها مؤسسته بهذه الخطوة في غضون 6 أشهر، على أمل الحد من التضخم.

ففي يونيو 2021، وقبل نحو شهرين ونصف على موعد الانتخابات، قال الجواهري في ندوة صحفية "في بعض المرات أُذهَلُ حين أشاهد البرنامج الحكومي وهو يعد بإنجازات في جميع القطاعات خلال خمس سنوات عوض وضع قائمة بأربع أو خمس أولويات، والسؤال هو كيف سيتم تنفيذ ذلك، لأن الأمر يتعلق بالإمكانيات"، وكان الحديث حينها وكأنه موجه لحزب التجمع الوطني للأحرار، الذي سارع إلى إدانة تلك التصريحات عوض أخذ الأمر بالجدية اللازمة باعتباره تحذيرا من أهل الاختصاص.

ويظهر أن السيناريو الذي تحدث عنه الجواهري يتحقق بحذافره، فبخبرته الطويلة نبّه إلى أن الاقتصاد والمال "يحتجان للثقة التي تُبنى على الأمن والاستقرار، وهما موجودان في المغرب مقارنة بالدول القريبة منها، وسبب ذلك هو الملك، لذلك أصبح الجميع يخاطب الملك حتى المغاربة المقيمون بالخارج"، وأضاف أن "السياسيين أيضا حين يقعون في مأزق يلجؤون إليه"، متسائلا "هل من المعقول أن يتولى القيام بكل شيء"، وهو سؤال يطرح نفسه مرة أخرى في ظل الظرفية الحرجة الحالية التي يبدو أن أفقها مسدود ما دامت حكومة أخنوش هي التي تتولى التعامل معها.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

آن الأوان للمغرب أن يدير ظهره كليا للجزائر!

لا يبدو أن علاقة المغرب مع الجزائر ستتحسن على الأقل خلال عِقدين إلى ثلاثة عقود مُقبلة. فحتى لو غادر "عواجز العسكر" ممن يتحكمون بالسلطة في الجزائر، فهناك جيل صاعد بكامله، ...