تونس والمغرب.. تسعة أشهر من القطيعة الدبلوماسية تحت وصاية الجزائر لم تؤثر في المبادلات التجارية والاستثمارات

 تونس والمغرب.. تسعة أشهر من القطيعة الدبلوماسية تحت وصاية الجزائر لم تؤثر في المبادلات التجارية والاستثمارات
الصحيفة - خولة اجعيفري
الأربعاء 26 أبريل 2023 - 22:45

تدخل الأزمة الدبلوماسية بين الرباط وتونس، شهرها التاسع بعد أيام دون أن تظهر في الأفق تطورات إيجابية تُسهم في حلحلة المأزق الدبلوماسي الناتج عن استقبال الرئيس التونسي قيس سعيّد لزعيم الجبهة الانفصالية "البوليساريو" في 26 غشت الماضي، وذلك في وقت يبقى التبادل التجاري بين البلدين في منآى عن هذا الخلاف على الرغم من استقراره في خانة "المستوى غير المأمول".

ووفق المعطيات الرقمية التي تحصّلت عليها "الصحيفة"، من مكتب الصرف المغربي ووزارة الاقتصاد والتخطيط التونسية، فإن المبادلات التجارية بين المملكة المغربية والجمهورية التونسية، إلى جانب الاستثمارات المباشرة لرجال الأعمال من البلدين استمرّت في انسيابية تامة على الرغم من الأزمة الدبلوماسية غير المسبوقة، ودون أن تتأثر بشكل واضح من تبعات الفتور السياسي الذي تلا النهج الجديد لنظام سعيّد باختياره معاكسة تيار مصالح المملكة وسيادتها على أراضيها، وإصراره على الرضوخ للضغط الاقتصادي الذي تُمارسه الجزائر على جارها الشرقي لاستمالته في ظل الأزمة الاقتصادية التي تتكبّدها تونس منذ زمن ثورة الياسمين.

مداخيل مغربية ضعيفة من تونس

وقدّرت الأرقام الرسمية، حجم واردات المغرب من تونس في سنة 2022 بـ 3.147 مليون درهما مغربي، مقابل 1.221 مليون درهما من قيمة صادرات المملكة إلى تونس خلال نفس السنة، وهو ما يوضح جليّا استمرار واقع أن المغرب لا يجني الشيء الكثير من علاقاته التجارية مع تونس، بخلاف الأخيرة التي تحقق فائضا مهما من المبادلات بين البلدين بلغ حوالي مليار درهما السنة الماضية كثمرة استفادتها من اتفاقية إقامة منطقة للتبادل الحر بين الدول المتوسطية.

وتتسيد السيارات على رأس واردات تونس من المغرب، بقيمة تجاوزت في 2022، ما يناهز 246 مليون درهما، فضلا عن الأسلاك والكابلات والموصلات المعزولة الأخرى للكهرباء بقيمة 114 مليون درهما، ثم النسيج والألبسة والخيوط القطنية بقيمة 90 مليون درهما، تليها مستخلصات القهوة والشاي والصناعة الغذائية بقيمة 65 مليون درهما، والمعجنات ومستلزمات صناعة الحلويات والمحضرات القائمة على الحبوب بمبلغ 44 مليون درهما فضلا عن الخضراوات والبقوليات التي بلغت صادراتها من المغرب إلى تونس 28 مليون درهما.

المغرب أول مستورد للتمور التونسية في العالم

أما أبرز واردات المغرب من تونس، فتشمل بشكل رئيسي التمور التي بلغت قيمتها 600 مليون درهما في 2022، علما أن تونس تصدر سنويا حوالي 120 ألف طن من التمور إلى 31 دولة والمملكة المغربية تتصدر قائمة البلدان المستقدمة للتمور التونسية.

ووفق المعطيات التي توصّلت بها "الصحيفة" من المرصد الوطني للفلاحة بتونس، يُعد المغرب أهم عميل وفي لِقطاع التمور بالجمهورية، وله إسهام في ارتفاع عائدات صادرات التمور في 2023 أيضا بعدما رفع من قيمة وارداته من التمور التونسية بحوالي 19.8 ألف طن أي بنسبة تجاوزت 22.5 في المائة من مجموع صادرات البلد خلال الفترة الممتدة ما بين 2022 والشهور الأولى لـ 2023.

ويُفضل المغرب بشكل أساسي، صنف "دقلة النور" التي استأثر بنسبة 88.6 في المائة من إجمالي صادرات التمور التونسية، أي ما يعادل 83.4 ألف طن، بحسب المعطيات الرسمية أيضا، وتفسر انتشار هذا النوع المميز في الأسواق المغربية خاصة خلال شهر رمضان الفضيل.

وتُشير المعطيات التي تتوفر عليها "الصحيفة" إلى أنه وعلى الرغم من انخفاض كميات التمور المصدّرة بنسبة 2.1 في المائة مقارنة مع موسم 2021-2022، إلا أن عائدات صادرات التمور التونسية ارتفعت بنسبة 0.8 في المائة، لتصل إلى 566.3 مليون دينار تونسي منذ انطلاق الموسم الفلاحي وحتى نهاية شهر مارس 2023 مقارنة بنفس الفترة خلال 2022، وذلك بعدما ارتفعت أسعار هذه المادة.

وحسب المعطيات المحيّنة نفسها للفترة الممتدة ما بين 2022 ومارس 2023، يأتي المغرب في صدراة مستوردي التمور التونسية في السنوات الماضية، متبوعا بإيطاليا 6.7 ألف طن، وفرنسا 6.4 ألف طن، ثم ألمانيا 5.9 ألف طن، ثم ماليزيا 5.6 ألف طن وإسبانيا 4.2 ألف طن وإندونيسيا 3.8 ألف طن وتركيا 3 آلاف طن والولايات المتحدة الأمريكية 2.4 ألف طن وبلجيكا 2.1 ألف طن.

وإلى جانب التمور التونسية، يستورد المغرب من "بلد الياسمين"، قِطع الغيار وبعض الأجزاء المستعملة في قطاع صناعة السيارات في المملكة، وذلك بقيمة إجمالية بلغت في 2022 حوالي 316 مليون درهما من إجمالي واردات المغرب من البلد المغاربي خلال نفس السنة.

ووفق بيانات مكتب الصرف الخاصة بواردات المملكة وصادراتها والتي تتوفر عليها "الصحيفة"، استورد المغرب أيضا ما قيمته 260 مليون درهما من الرقائق والشرائح الإلكترونية، تليها المواد البلاستيكية المتنوعة بمبلغ عادل في السنة المنصرمة 175 مليون درهما، ثم زيت النخيل ونواته الخام والمكررة بقيمة مالية بلغت 115 من حجم واردات المغرب من تونس، وأخيرا المعدات الإلكترونية المتنوعة بقيمة بلغت 107 مليون درهما.

المملكة ملتزمة رغم خسارتها

وفي زمن البرود الدبلوماسي والسياسي غير المسبوق، تأتي هذه الأرقام لتؤكد استمرار التزام كل من المغرب وتونس باتفاقية للتبادل الحر المُبرمة بتاريخ 16 مارس 1999، والتي تنص على إقامة منطقة للتبادل الحر بصفة تدريجية خلال فترة أقصاها 31 دجنبر 2007، والتي على أساسها جرى الشروع في تفكيك الأداءات الجمركية في هذه المنطقة لتصل إلى 100 في المائة، دون أن تُحقق المبادلات التجارية بين البلدين أي قيمة مضافة خلال السنوات الماضية، ودونما بلوغ الهدف المأمول من هذه الشراكة.

وعلى الرغم من تواتر الحديث الرسمى التونسي، على تعديل بوصلة العلاقات التجارية مع الدول المغاربية والأفريقية، إلا أن الاتحاد الأوروبي يستأثر بنصيب الأسد من المبادلات التجارية وفق بيانات التجارة الخارجية لينة 2022، التي سجّلت ارتفاعا على صعيد الصادرات التونسية مع الاتحاد الأوروبي  بنسبة بلغت 68 في المائة  مقابل واردات بلغت 22 في المائة.

تونس تفضل ليبيا والجزائر

وأظهرت بيانات وزارة التجارة التونسية التي اطّلعت عليها "الصحيفة"، أن المبادلات التجارية لتونس ترتكز أساسا على دولتي ليبيا و الجزائر، حيث تستقبل ليبيا لوحدها أكثر من 55 في المائة من إجمالي الصادرات التونسية تجاه دول المغرب الكبير، فيما تحتكر الجزائر 75 في المائة من واردات تونس من دول المنطقة.

وتُرجح مصادر إعلامية، أن عامل القرب الجغرافي لعب دوره بالنسبة للجزائر وليبيا وبأقل أهمية بالنسبة للمغرب، بيد أنه لا يُمكن على أية حال استبعاد التقارب السياسي بين الدول المعنية خاصة بالنسبة للجزائر التي تُشهر بورقة الضغط الاقتصادي على تونس في كل مناسبة، كنوع من الابتزاز لاستمالتها ضد مصالح المغرب ووحدته الترابية.

قرارات سياسية عشوائية تعمق أزمة تونس

وفي هذا الإطار، يقول المحلل الاقتصادي التونسي سمير حمدي، أن بلده يعاني أزمة اقتصادية ومالية خانقة، جراء تداعيات جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا على كل مناحي الحياة في تونس، التي تتكبّد أيضا ويلات ارتفاع التكلفة الطاقية والجفاف وغيرها تزامنا مع حالة عدم الاستقرار السياسي.

حمدي، وفي تصريح لـ "الصحيفة"، قال إن الأزمة التونسية تزداد حدة يوما عن يوم سيّما في ظل تعثر المفاوضات مع صندوق النقد بشأن القرض منذ أكثر من سنتين، وتواتر القرارات العشوائية لرئيس الجمهورية قيس سعيّد، مشددا على أن دخول تونس في حالة فتور سياسي ودبلوماسي مع المغرب "المؤسف" يدخل في هذا الإطار.

وأشار المتحدّث، إلى أن الدين الخارجي ارتفع خلال عام 2022 إلى مستوى 66.2 مليار دينار، أي ما يناهز 60 في المائة من مجموع الدين العام، مقابل قروض داخلية بقيمة 43.9 مليارات دينار، وهو ما يجعل مستقبل اقتصاد تونس ضبابيا جدا وينظر بتفاقم أوضاع المواطنين، خاصة في ظل ارتفاع مستوى التضخم بشكل غير مسبوق.

ورفض حمدي، الحديث عن تبعية بلده اقتصاديا وسياسيا للجزائر، مشدّدا على ان بلده كيان مستقل بذاته، بيد أن "أطرافا" خارجية لم يسمّيها تُحاول استغلال ما يتكبّده الاقتصاد التونسي للضغط على الرئاسة ومدبّري الشأن العام، لاتحاد مواقف وقرارات عشوائية تضرب في عمق سيادة تونس، مضيفا: "بإدراك أو بدون إدراك، هذه القرارات العشوائية التي ذكرتها نتيجة لضغوطات خارجية وهذا مؤسف حقا..والأكيد سيكون له ما بعد اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا.. ".

ارتفاع الاستثمارات المغربية في تونس لثلاثة أضعاف

وفي خضم الأزمة وعتمة المؤشرات الاقتصادية في تونس، التي تحدّث عنها الخبير الاقتصادي والمالي التونسي، تُظهر المعطيات الرسمية التي تتوفر عليها "الصحيفة"، أن حجم الاستثمارات المغربية المباشرة في تونس ارتفعت لأكثر من ثلاث أضعاف في السنة الماضية 2022، لتصل 226 مليون درهما، بالمقارنة مع نتائج سنة 2021 التي بلغت فيها 90 مليون درهما فقط.

ويأتي هذا المعطي، في سياق تطور الاستثمارات الخارجية المباشرة بتونس بنسبة 20 بالمائة، وفق بيانات وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي التي تتوفر عليها "الصحيفة"، والتي أشارت إلى أن الاستثمارات الدولية المتدفقة على تونس في السنة الفارطة بلغت 9.715 مليون دولارا مقابل 4.171 مليون دولار في 2021.

وتبرز بيانات وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي، في ما يهم التوزيع القطاعي للاستثمارات الدولية المباشرة، تطورا متفاوتا لقطاعات الصناعات المعملية والخدمات والفلاحة مقابل تراجع الاستثمار الخارجي في قطاع الطاقة، بحيث استقطب الأول أعلى قيمة من الاستثمارات الخارجية مستقطبا 6.130 مليون دولارا مقابل 6.952 مليون دولارا في 2021، اي بزيادة بنسبة 5.36 في المائة، فيما تراجع قطاع الطاقة العام الفارط بنسبة 3.9 في المائة ليصل مع نهاية السنة الفارطة الى 5.490 مليون درهما.

وتتوقع تونس في عام 2023 الجاري، استقطاب 2962 مليون دينار وذلك تحت عنوان الاستثمارات الخارجية المباشرة (955.4 مليون دولار) على أن يتم بلوغ أربعة آلاف مليون دينار (1290 مليون دولار) بداية من عام 2025، وفق المخطط الاستراتيجي الذي وضعته الوكالة تماشياً مع أهداف المخطط التنموي 2023/2025، بحسب حاتم السويسي المدير العام بالنيابة للوكالة التونسية للنهوض بالاستثمار الخارجي حكومية.

رجال أعمال تونسيون مهتمون بالاستثمار في المغرب

وما يُعزز تأكيدات الأرقام، بشأن نأي العلاقات الاقتصادية بين البلدين المستقرة عن البرود السياسي والدبلوماسي، هو استمرار وتيرة ارتفاع الاستمارات التونسية المباشرة في المغرب أيضا على غرار الاستثمارات المغربية في تونس.

وأظهرت المعطيات الرسمية التي تتوفر عليها "الصحيفة"، أن تنافس البلدان على جذب النسبة الأكبر من الاستثمارات الأجنبية، التي يتحكم فيها أساسا ارتباط المعاملات التجارية للبلدين بفرنسا، المستعمر السابق لهما، والاتحاد الأوروبي بشكل عام، لم يمنع استثمارات رجال الأعمال في البلدان خاصة في قطاع الصناعة والسياحة.

ووفق هذا المُعطى بلغت الاستثمارات التونسية في المغرب في العام 2022، ما يناهز 83 مليون درهما، أي بارتفاع عن السنة الماضية التي قُدرت بـ 73 مليون درهما، وإن كان على العموم لا يُعد بالاستثمار الكبير أو الضخم، إلا أنه يبقى الأول مغاربيا، في غياب استثمارات جزائرية في المغرب بسبب الأزمة السياسية، والاستثمار اليتيم لموريتانيا والمقدر بمليون درهم فقط خلال نفس السنة.

وكانت وزارة الخارجية المغربية، في 26 غشت الماضي، طلبت استدعاء سفيرها في العاصمة التونسية حسن طارق جراء "عمل تونس على مضاعفة المواقف والأفعال السلبية المستهدفة المملكة المغربية ومصالحها العليا"، التي كان آخرها استقبال الرئيس التونسي زعيم جبهة "البوليساريو" الانفصالية.

وقالت الخارجية المغربية، في بيان: "بعد عمل تونس على مضاعفة المواقف والأفعال السلبية المستهدفة للمملكة المغربية ومصالحها العليا، فإن تصرف تونس في إطار (تيكاد) يؤكد هذا النهج بوضوح".

ولفتت إلى أن "تونس عملت على معاكسة رأي اليابان، بخرق مسار التحضير للمنتدى والقواعد الموضوعة لذلك، وقررت بشكل أحادي دعوة الكيان الانفصالي"، معتبرة أن "الاستقبال الذي خصصه رئيس تونس لقائد الانفصاليين فعل خطير غير مسبوق، ويؤذي كثيراً مشاعر الشعب المغربي وقواه الحية"

في المقابل، أعلنت الخارجية التونسية، في بيان لها، أنها "حافظت على حيادها التام في قضية الصحراء، التزاماً بالشرعية الدولية، وهو موقف ثابت لن يتغير، إلى أن تجد الأطراف المعنية حلاً سلمياً يرتضيه الجميع".

ووصفت التصريحات المغربية بأنها "تحامل غير مسبوق"، قبل أن تخلص إلى استدعاء سفيرها، لتدفع بذلك الأزمة إلى حافة القطيعة الدبلوماسية، ولا سيما بالنظر إلى البيان المغربي الذي اعتبر استقبال زعيم "بوليساريو" في تونس "موقفاً معادياً لعلاقات الأخوّة التي جمعت دائماً البلدين".

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...