حتى لا نكون "كلنا نورا"

 حتى لا نكون "كلنا نورا"
الصحيفة - افتتاحية
الأثنين 1 ماي 2023 - 12:32

وفاة الشابة نورا، مشجعة الرجاء البيضاء، التي قضت وهي تحاول اقتطاع لحظات من المتعة الكروية تروح بها عن نفسها، لا يكفي أن تُوصف بالمأساة، لأن الأمر يتعلق بجريمة متكاملة الأركان، المتورطون المحتملون فيها عديدون، يجب أن يقفوا جميعهم أمام القضاء وأن يحاكموا وأن ينالوا جزاءهم.. نعم، أن ينالوا عقابا على "الجناية" التي تورطوا فيها، والتي كان من الطبيعي والمنطقي أن تحدث داخل مركب محمد الخامس، الذي أصبح "لعنة" تطارد الدار البيضاء وتحصد أرواح أبنائها.

يقال إن وفاة شخص واحد مأساة، لكن حين يتوالى الموت وتكثر الأرواح التي تُزهق فإن الضحايا يتحولون إلى مجرد أرقام، لذلك لا نريد أن نكون جميعنا نورا، وإن كان من تكريم يمكن أن يعيد بعض الاعتبار لهذه الشابة وأن يحول دون أن تكون حياتها قد انتهت سُدا، فهو أن يحاسب من تسببوا في إقبار ابتسامتها إلى الأبد، وألا تتكرر مأساتها مع أي شخص آخر، وهو أمر يتطلب أن يكون لحادثة التدافع وللمشاهد الكارثية التي رافقتها يوم السبت الأسود ما بعدها، وألا ينتهي الأمر مجددا بـ"إقبار" البحث الذي قالت السلطات المحلية لعمالة مقاطعات الدار البيضاء – أنفا أنه فُتح تحت إشراف النيابة العامة.

نورا، الشابة البالغة من العمر 29 عاما، والتي تعمل في شركة للتأمينات، لا يُمكن أن تمر وفاتها مرور الكرام، لأننا لا نتحدث عن تلك النوعية من المشجعين الذين يتسلقون الأسوار للتسلل إلى داخل الملعب، أو الذين يأتون إليه بعد أن تلعب المخدرات في عقولهم، وليست قطعا تنتمي إلى طائفة محترفي الشغب الذين يرغبون في تفريغ مكبوتاتهم وخيباتهم في الكراسي والأبواب والمرافق واللاعبين والحكام والصحافيين، وإن كان من الطبيعي أن يكون مصير هؤلاء أيضا هو السجن لا القبر، إلا أن ما جرى لنورا غير مستحق وغير عادل.

في منتصف 2024، أي بعد عام ونيف، ستُعلن "الفيفا" عن الملف الفائز بتنظيم كأس العالم 2030، والمرشح الأول إلى الآن هو الملف المشترك بين المغرب وإسبانيا والبرتغال، وفي هذين البلدين أصبحت الملاعب مرافق ترفيهية متكاملة وشديدة التنظيم والتأمين ترتادها النساء كما الرجال والأطفال كما الشيوخ، دون أن يخافوا من أن يصابوا بخدش، بينما لا يزال الحال في جارتهم الجنوبية وشريكتهم الإفريقية أقرب إلى "عملية انتحارية"، بل هي كذلك بالفعل في ملعب الدار البيضاء الذي يستحق أن يقال عنه إن الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود.

قد يبدو للوهلة الأولى أن الملعب مصاب بلعنة أو بسحر أسود، حتى تجتمع فيه من المآسي والفضائح ما تفرقت في غيره، لكن من يتابعون ملفه عن قرب سيتأكدون أن اللعنة التي أصابته اسمها الفساد والسحر الذي يطارده، هو سوء التسيير والعشوائية في التدبير، وإذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء عاما واحدة فقط، سنكتشف أن إرهاصات المأساة القاتلة التي وقعت السبت الماضي كانت تلوح في الأفق بقوة، حين انتشرت صور التدافع وتسلق الأسوار في مباريات الوداد والرجاء الإفريقية.

كلمة السر في كل ذلك كانت شركة "كازا إيفنت"، النموذج الصارخ في الفشل والعشوائية، والتي تتحمل جزءا عظيما جدا من المسؤولية القانونية والأخلاقية في ما جرى، فإلى الآن لا نعلم كيف لم يستطع الإغلاق المستمر للملعب وميزانية الـ220 مليون درهم التي رُصدت له ما بين 2016 و2018، أن يَضمنا، ولو قليلا، تدفق الجماهير بشكل منظم، بل إن الأمر يزداد سوء مع كل "إصلاحات" جديدة، وهو تماما ما حدث في مباراة الرجاء والأهلي.

وبدون مبالغة، كان الكثيرون جدا يتوقعون حدوث الكارثة في هذا اليوم تحديدا، انطلاقا من إغلاق المنطقة رقم 6 التي تتسع لما يقارب 7000 متفرج، ثم عدد التذاكر القياسي الذي تم طبعه وبيعه دون حسيب ولا رقيب، بل أيضا الدعوات التي اتُّهمت مكونات إدارة الرجاء، بمن في ذلك الرئيس المستقيل عزيز البدراوي، بإغداقها على العديد من الأنصار "المحظوظين".

من شاهد الجماهير المتكدسة في المدرجات خلال مباراة الرجاء والأهلي، سيصعب عليه أن يُصدق بأن مدرجات الملعب لم يكن من المفروض أن تحتضن أكثر من 39 ألف متفرج كحد أقصى، من إجمالي 46 ألف هي الطاقة الاستيعابية القصوى للملعب أخذا بعين الاعتبار إغلاق المنطقة 6، أما من عاين حالة التدافع التي حدثت بالخارج، فسيتأكد أن الأمر يتعلق بفضيحة يجب أن تُسقط رؤوسا كثيرة، لو أخذت العدالة مجراها الطبيعي وترتبت المسؤوليات كما يجب.

إن الذين أدخلوا أشخاصا بلا تذكرة، وتركوا نورا ومن مثلها لمصيرهم في الخارج وهم يلوحون بتذاكرهم على أمل التمكن من الدخول للملعب، والذين حشروا خلق الله أمام بوابة ضيقة دون نظام ولا حتى إنسانية، وأيضا السلطات التي لم تجد حلا أنجع من أن تزيد الطين بلة، حرفيا، وهي توجه مدافع المياه في الجماهير، كل هؤلاء يجب أن يُسألوا وأن يُحاسبوا وأن يُعاقبوا، ليست فقط لأنهم أساؤوا لسمعة بلد ينافس على احتضان المونديال، بل هذه المرة، لأنهم أيضا متورطون في جريمة قتل.

آن الأوان للمغرب أن يدير ظهره كليا للجزائر!

لا يبدو أن علاقة المغرب مع الجزائر ستتحسن على الأقل خلال عِقدين إلى ثلاثة عقود مُقبلة. فحتى لو غادر "عواجز العسكر" ممن يتحكمون بالسلطة في الجزائر، فهناك جيل صاعد بكامله، ...