الجوع والعطش على الحدود البرية الجزائرية التونسية يتسبب في مقتل 9 مهاجرين وسط مطالب باتخاذ المغرب نموذجا في تدبير الهجرة غير النظامية واحترام الإنسانية

 الجوع والعطش على الحدود البرية الجزائرية التونسية يتسبب في مقتل 9 مهاجرين وسط مطالب باتخاذ المغرب نموذجا في تدبير الهجرة غير النظامية واحترام الإنسانية
الصيحفة - خولة اجعيفري
الأربعاء 17 ماي 2023 - 15:14

تحوّلت الحدود الجزائرية التونسية، إلى نقطة سوداء على خارطة الهجرة بعدما ارتفعت حصيلة المهاجرين الذين قضوا بسبب الجوع والعطش إلى 9 وفيات عقب العثور على ثلاث جثث جديدة للمهاجرين في إحدى غابات مدينة حيدرة من محافظة القصرين وذلك وسط استنكار مدني للصمت الحكومي ومطالب باتخاذ المغرب نموذجا يُحتذي به في تدبير ملفات الهجرة .

وأكد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو منظمة غير حكومية تتابع ملف المهاجرين، أن المهاجرين غير النظاميين ممّن ساقتهم الأقدار والظروف القاسية نحو حتفهم الأخير، ينحدرون من جنسيات دول أفريقيا جنوب الصحراء و"هلكوا بسبب البرد والعطش والارهاق".

ودعا المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية اليوم الاربعاء، السيلطات التونسية ونظيرتها الجزائرية، إلى تركيز منظومة استقبال وتوجيه إنساني على الحدود الجزائرية البرية بين البلدين من شأنها أن تضمن تقديم الخدمات الإنسانية الأساسية لضحايا الطرق الهجرية "القاتلة" حسب توصيفه.

وشدد البيان، على أن هذه المأساة تقتضي استجابة انسانية من الدولة وأجهزتها لتخفيف العبء على ضحايا السياسات الهجرية القاتلة للاتحاد الأوروبي التي صادرت حق التنقل لشعوب دول الجنوب.

 وأدان المنتدى بشدة الصمت الرسمي لحكومة قيس سعيّد إزاء "مآسي الهجرة وسياسات عسكرة الحدود والتطبيع مع الموت برا وبحرا" حسب نص البيان الذي دعا إلى مزيد من تضامن الشعوب ضد سياسات تصدير الحدود وأمننة قضايا الهجرة ومناهضة العنف على الحدود.

وأكد أن ما يعانيه أبناء القارة الافريقية على الحدود الشرقية لفضاء "شنغن" وفي الأراضي الأوروبية وعلى الحدود الجنوبية لأوروبا من موت وانتهاكات وترحيل قسري واحتجاز وعنصرية ''يستوجب التنديد بسياسات الاتحاد الأوروبي اللاإنسانية وأبرز المنتدى أن المهاجرين يقطعون مسافات كبيرة في مناخ قاس لأسباب متعدد ومعقدة وتتمثل بالخصوص في الهرب من الحروب والمآسي والظروف الاقتصادية والتغييرات المناخية و يواجهون الموت بأجساد هزيلة ويتعرضون لشتى المخاطر وخاصة منهم النساء والأطفال ويتنقلون في الخوف وتحت رحمة المهربين وقسوة المناخ''.

ويتوافد عشرات من المهاجرين غير النظاميين معظمهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء، بصفة دورية على الحدود التونسية الجزائرية ساعين وراء حلم الفردوس الأوروبي، الذي تبدأ أولى خطواته من ساحل صفاقس التونسية باعتبارها تذكرة عبور نحو سواحل الضفة الثانية، إذ تكاد تبعد بأقل من 150 كيلومتراً عن جزيرة لامبيدوزا الإيطالية.

وأكد المعتمد الأول بمحافظة القصرين أحمد الحامدي، ارتفاع حصيلة وفيات المهاجرين الذين قضوا بسبب الجوع والإرهاق وسوء الأحوال جوية إلى 9، مشيرا إلى أنها "الحصيلة الأعلى التي تسجل في المنطقة بعد أن سبق أن سجلت وفيات أخرى في صفوف مهاجرين عبروا الحدود البرية بين تونس والجزائر".

وتقوم السلطات المحلية بتنسيق مع معتمد مدينة حيدرة الحدودية والقوات الأمنية والدفاع المدني، بعملية تمشيط في المناطق الجبلية بالمنطقة على أمل الحصول على ناجين وتجنب وفيات جديدة.

ووفق المسؤول التونسي،  تعمل مصالح الدفاع المدني أيضا على انتشال جثة المهاجر التي عثر عليها في البئر بعمق 4 أمتار، لافتا إلى أن "الجثث التي يتم رفعها توضع على ذمة الطب الشرعي من أجل إتمام الإجراءات القانونية اللازمة".

من جانبه، أشار عبد الصمد الكدري، الفاعل الحقوقي التونسي، إلى أن الحدود البرية بين الجزائر وتونس، باتت مرتعا للمآسي الانسانية في صفوف المهاجرين غير النظاميين، ومكانا غير آمن على العموم وذلك على الرغم من الانتشار الكبير للعساكر الحدودية من الجانبين.

ويرى الكدري في حديثه لـ "الصحيفة"، أن أعداد المهاجرين الذين قضوا على الحدود التونسية الجزائرية مرشحة للارتفاع أكثر، بسبب الظروف المناخية في المنطقة وارتفاع درجات الحرارة بصفة غير مسبوقة نهارا وموجة برد غير اعتيادية ليلا، ودون أن يتوفر المهاجرون بمن فيهم النساء والأطفال على المياه الصالحة للشرب والقوت طيلة فترة قطعهم للطريق الصحراوية القاسية والطويلة تحت رحمة مافيات الاتجار بالبشر.

وانتقد المتحدث، تعامل السلطات التونسية "الهاوي" مع ملف الهجرة، والمستهتر بحيوات المهاجرين غير النظاميين ومصائرهم، مشدّدا على أن الظرفية الحالية لا تتطلب رمي التهم في الفراغ والاستهتار بمصائر هؤلاء، بل تضافر الجهود والتفاعل الايجابي والاستعجالي فالواقع بعيد الخطابات السياسية الصماء.

وشدّد الفاعل الحقوقي، على أن السلطات التونسية ونظيراتها الجزائرية أيضا والليبية، مدعوة للتنسيق وتشييد مراكز استقبال للمهاجرين على حدودها البرية لإنقاذ هذه الأرواح التي تتوافد إلى المنطقة، وذلك تزامنا أيضا مع الجهود التي يفترض العمل عليها مع مفوضية الهجرة والاتحاد الأوروبي للحد من التدفقات.

وفي هذا الإطار، قال الكدري في تصريحه لـ "الصحيفة" إن سلطات الدول المغاربية مدعوة أيضا لاتخاذ المغرب نموذجا يحتذى به  في مجال الهجرة مغاربيا، فعلى الرغم من تسجيله لتدفقات كبيرة باعتباره النقطة الأقرب إلى أوروبا إلا أن تمكّن من تجنّب المآسي الإنسانية من هذا النوع بفضل تطور سياسيته في مجال الهجرة والتعامل مع المهاجرين، مشيرا إلى أن المغرب "لم يسجل قط وفيات بسبب الجوع والعطش أو سوء المناخ وذلك بفضل تعامله الانساني مع المهاجرين ووضوح سياسته في ما يتعلق بالهجرة".

وكان الحرس الوطني التونسي قد أعلن في وقت سابق أنه أنقذ أو اعترض "14 ألفاً و406 أشخاص بينهم 13 ألفاً و138 يتحدرون من إفريقيا جنوب الصحراء، والباقون تونسيون، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام". ويناهز هذا العدد خمسة أضعاف ما تم إحصاؤه خلال الفترة نفسها من العام 2022.

وقدر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، المتخصص في متابعة ملف الهجرة في تونس، عدد من قضوا في حوادث غرق زوارق الموت بين الضفتين بـ 200 مهاجر غير نظامي على الأقل منذ مطلع عام 2023.

وكان الرئيس التونسي قيس سعيد، قد اقترح خلال لقائه بوزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتوديسي "عقد اجتماع دولي في أقرب الآجال على مستوى رؤساء الدول والحكومات، أو على مستوى وزراء الداخلية، تشارك فيه كلّ الدول المعنيّة، بما في ذلك الدول التي يتدفّق منها هؤلاء المهاجرون، حتى يُتّفق على صيغ تعاون تقضي على أسباب الهجرة غير النظامية، من دون الاقتصار فقط على معالجة النتائج والآثار".

وأكد سعيّد،في بيان نشرته الرئاسة التونسية على صفحتها الرسمية أن "أعداد الضحايا تتضاعف يوماً بعد يوم، وثمّة شبكات إجرامية تستغلّ الظروف اللاإنسانية لمن تقطّعت بهم السبل نتيجة الفقر واليأس، وتتلقّفهم للاتّجار بهم".

ويرى الرجل الأول على هرم السلطة التونسية، أن القضاء على أسباب الهجرة غير النظامية هو الطريق الأنجع لوضع حدّ للهجرة غير النظامية، موردا "تونس تعاني بدورها من هذه المأساة، والحلّ لا يمكن أن يكون إلا جماعياً وفقاً لمقاربة جديدة".

آن الأوان للمغرب أن يدير ظهره كليا للجزائر!

لا يبدو أن علاقة المغرب مع الجزائر ستتحسن على الأقل خلال عِقدين إلى ثلاثة عقود مُقبلة. فحتى لو غادر "عواجز العسكر" ممن يتحكمون بالسلطة في الجزائر، فهناك جيل صاعد بكامله، ...