انقلاب الغابون.. أي تهديد لمصالح المغرب واستثماراته يُشكله صعود الجيش إلى الحكم على حساب عائلة بونغو؟

 انقلاب الغابون.. أي تهديد لمصالح المغرب واستثماراته يُشكله صعود الجيش إلى الحكم على حساب عائلة بونغو؟
الصحيفة - خولة اجعيفري
الجمعة 1 شتنبر 2023 - 9:00

توالت الانقلابات العسكرية في إفريقيا وخصوصًا في منطقة غرب ووسط القارة خلال السنوات الماضية، ما شكّل تهديدا حقيقيا للعلاقات الاستراتيجية التي تربط بينيّا البلدان سيّما مع صعود العسكريين على حساب المدنيين، كما حدث أخيرا في الغابون التي تربطها بالمغرب علاقات جد قوية، يمتد عمرها لأكثر من نصف قرن، تجاوزت اللحمة العائلية بين الأسرتين الحاكمتين إلى علاقات سياسية متميزة وشراكة اقتصادية واستراتيجية يُحتذى بها.

 ولا بد من الإشارة إلى أن الدبلوماسية المغربية واستثناء تفاعلت سريعا مع الأحداث التي شهدتها الغابون، وذلك خلافا لتريثها الذي يمتد لأيام عندما يتعلّق الأمر بالانقلابات العسكرية الثمانية التي شهدتها المنطقة طيلة السنوات الماضية بما فيها الانقلاب الذي حلّ بالنيجر أواخر شهر يوليوز الماضي، بيد أن مضامين البلاغات في مجملها اشتركت في الحياد الإيجابي الذي لطالما تبنّاه المغرب في مواقفه المرتبطة بالعلاقات الخارجية.

وفي هذا الصدد، أكد المغرب عبر وزارة الخارجية والشؤون الأفريقية، أنه يتابع عن كثب تطور الوضع في الجمهورية الغابونية، مشدّدا على أهمية الحفاظ على استقرار هذا البلد الشقيق وطمأنينة ساكنته، وأنه "يثق في حكمة الأمة الغابونية، وقواها الحية ومؤسساتها الوطنية، للسير قدما نحو أفق يتيح العمل من أجل المصلحة العليا للبلد، وصون المكتسبات التي تحققت والاستجابة لتطلعات الشعب الغابوني الشقيق".

وشهدت العلاقات الاستثنائية التي تربط المملكة بجمهورية الغابون، والتي أرسى أسسها الملك الحسن الثاني والرئيس عمر بونغو، زخما أكثر بفضل رؤية الملك محمد السادس، والرئيس علي بونغو، القائدان اللذان تحذوهما إرادة مشتركة لجعل إفريقيا قطبا صاعدا يتنافس مع قارات العالم الأخرى، وذلك في إطار التعاون جنوب جنوب التضامني والمربح لجميع دول القارة.

وشكلت العلاقات بين الرباط وليبروفيل تجسيدا بليغا لهذا النموذج، الذي تم وضعه وترجمته إلى أفعال بفضل الدبلوماسية المتوازنة القائمة على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان، والتضامن وتطابق وجهات النظر حول القضايا الدولية الرئيسية، تشكل كلها إلى جانب الصداقة الوطيدة بين قادة البلدين، ركائز هذه العلاقة الفريدة .

  ومن بين المبادرات التي جسدت هذه العلاقة الاستثنائية، فتح القنصلية العامة الغابونية في مدينة العيون المغربية في يناير 2020، ما يعكس الدعم الراسخ للغابون لمغربية الصحراء، فضلا عن التعاون الاقتصادي الكثيف بفضل  الاستثمارات التي قادتها العديد من الشركات المغربية في مختلف قطاعات الاقتصاد الغابوني مثل البنوك والتأمين والاتصالات والتعدين والبنية التحتية والنقل والبناء، إذ أنها ساهمت طيلة السنوات الفائتة، في إثراء النسيج الاقتصادي المحلي وفي التشجيع على تقاسم التجربة والخبرة اللتين راكمتهما الشركات المغربية في العديد من الأنشطة من جهة ثانية .

ومن المؤكد أن التحولات السياسية التي تشهدها الغابون، باتت تهدد هذه المصالح الاستراتيجية والعلاقات المتميزة التي تجمع البلدين، خصوصا في ظل ضبابية مآل سدة الحكم بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بعائلة بانغو الحاكمة بالغابون والمقرّبة من القصر الملكي، وهو ما يُفسر من جهة أخرى انتشار إشاعات ومزاعم حول هروب الرئيس المعزول وأسرته صوب المملكة قبل أن ينفيه الجيش المنقلب مؤكدا أن الحدود مغلقة وأن الأسرة الحاكمة قيد الحراسة الإجبارية.

ويرى الخبير في العلاقات الدولية حسن بلوان، أنه من السابق لأوانه تحديد مآلات الانقلاب في الغابون، لكن من المهم الإشارة إلى أنه ووفق ما أعلنه العسكر فإن الأمور تتجه نحو الحسم خاصة وأن هذا الانقلاب مشابه لسياقات الانقلابات التي شهدتها دول غرب أفريقيا خلال الآونة الأخيرة.

و باستحضار العلاقات التاريخية والروابط الاستراتيجية التي تربط بين المغرب والغابون، يقول بلوان في تصريح خصّ به "الصحيفة"، أن هذا الانقلاب يبقى مختلفا ومتمايزا عن باقي الانقلابات، على اعتبار أن "هامش التحرك للدبلوماسية المغربية يصطدم بعامل الزمن خاصة وأن أطرافا أخرى مناوئة للمغرب ولوحدته الترابية تتحرك في نفس المجال الجيوستراتيجي للمملكة المغربية داخل أفريقيا الغربية".

وأشار بلوان، إلى أنه لازال الانقلابيين، لم يعلنوا بعد عن طبيعة الحكومة الانتقالية، تماما كما لم يعبّروا بعد عن مواقفهم الخارجية، وبالتالي "ستتضح الامور أكثر خلال الساعات المقبلة التي ستكون مليئة بالأحداث".

وعمليّا، يرى الخبير في العلاقات الدولية، أن الانقلاب العسكري ضد سدّ الحكم ومؤسسات الدولة في الغابون، نجح، وبالتالي، "لابد من تحديد طبيعة العلاقات الخارجية مع فرنسا بطريقة مباشرة، والمغرب بطريقة غير مباشرة استحضارا للعلاقات المتشابكة لهما مع دولة الغابون".

 وإذا استحضرنا جميع السيناريوهات، يستبعد بلوان حدوث أي تغيير سلبي قد يزعزع العلاقات المتجذّرة بين المغرب وجمهورية الغابون، مضيفا "من الصعب ان تتأثر العلاقات المغربية الغابونية بسهولة سواء نجح الانقلاب أو حدثت مفاجأة أعادت الأمور إلى نصابها، لكن جميع التوقعات تشير إلى أن فترة الرئيس علي بانغو قد طويت، والمؤكد أن الدبلوماسية المغربية تتابع الأمور عن كثب وتدري بواقعية جميع السيناريوهات المطروحة".

ومن بين أهم السيناريوهات المتوقعة بالنسبة للمملكة المغربية، وفق الخبير في العلاقات الدولية، هو "التوازن من حيث التعاطي مع الواقع السياسي المتغير داخل الغابون، ولكن في نفس الوقت عدم التخلي عن أصدقاء المملكة المغربية الذين دعموا سيادة المغرب ووحدته الترابية، وذلك بحكم أن قضية الصحراء المغربية دخلت مراحل حاسمة في الحل النهائي".

وشدّد المتحدث، على أن الانقلابات العسكرية في غرب أفريقيا -وهي منطقة نفوذ قوي للمملكة المغربية- لا تربك حسابات الدبلوماسية المغربية التي تبذل جهودا مضنية من أجل استمرار هذه الدول في دعم المغرب وقضيته العادلة في الصحراء، وهو السيناريو الذي وقع مع افريقيا الوسطى وبوركينا فاسو وغينيا التي أبقت علاقات متميزة مع المغرب رغم حدوث انقلابات عسكرية متوالية.

آن الأوان للمغرب أن يدير ظهره كليا للجزائر!

لا يبدو أن علاقة المغرب مع الجزائر ستتحسن على الأقل خلال عِقدين إلى ثلاثة عقود مُقبلة. فحتى لو غادر "عواجز العسكر" ممن يتحكمون بالسلطة في الجزائر، فهناك جيل صاعد بكامله، ...