بعد 17 عامًا من سيطرة أخنوش على الفلاحة.. فرق الأغلبية تُقر بفشل سياسته التصديرية وتطالب بكبح استنزاف الموارد وسط جفاف يهدد الأمن الغذائي

 بعد 17 عامًا من سيطرة أخنوش على الفلاحة.. فرق الأغلبية تُقر بفشل سياسته التصديرية وتطالب بكبح استنزاف الموارد وسط جفاف يهدد الأمن الغذائي
الصحيفة - خولة اجعيفري
الأربعاء 12 فبراير 2025 - 17:33

انضمت فرق الأغلبية بمجلس النواب إلى الأصوات المتصاعدة التي تعبر عن قلقها إزاء السياسة الفلاحية التصديرية التي تعتمدها الحكومة، مستندة في ذلك إلى تقارير رسمية وغير رسمية، فضلًا عن تحذيرات الخبراء. ودعت هذه الفرق الحكومة إلى إعادة النظر في حجم الاستثمارات الفلاحية الموجهة للتصدير، خاصة في ظل موجة الجفاف الحادة التي تتكبّدها المملكة، مؤكدة على ضرورة ترشيد استغلال الموارد المائية وفق أولويات تضمن الأمن المائي وتعزز الاكتفاء الذاتي الغذائي.

وفي سياق مناقشة عرض المجلس الأعلى للحسابات برسم سنتي 2023-2024، خلال جلسة عمومية بمجلس النواب أمس الثلاثاء، شدد الفريق الاستقلالي على أن تدبير الموارد المائية لا يمكن النظر إليه باعتباره سياسة قطاعية منعزلة، بل هو شأن وطني يقتضي تنسيقًا وثيقًا بين مختلف القطاعات الحكومية.

وأكد الفريق الاستقلالي، أن السياسة المائية يجب أن تتكامل مع السياسة الفلاحية لضمان استدامة الموارد الطبيعية وتحقيق التوازن بين الحاجة إلى التصدير ومتطلبات الأمن المائي الوطني.

وانطلاقًا من هذا المنظور، دعا الفريق الاستقلالي إلى ضرورة تبني سياسة رشيدة في تدبير الموارد المائية، مشددًا على أهمية الحد من الاستثمارات الفلاحية الموجهة للتصدير، لا سيما في ظل التحديات التي يفرضها الجفاف، مبرزا أن الأولوية يجب أن تُمنح لمشاريع تعزز الأمن المائي وتضمن الاكتفاء الذاتي الغذائي، باعتبارهما ركيزتين أساسيتين للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

من جانبه، حذر فريق التجمع الوطني للأحرار، الذي يقود الائتلاف الحكومي، من تفاقم أزمة الجفاف التي تؤثر بعمق على المغرب، مؤكدًا أن الوضعية الحالية تستدعي مضاعفة الجهود لمواجهة مظاهر الإجهاد المائي.

ورغم الانتقادات التي طالت تدبير الحكومة لهذه الأزمة، فإن الفريق أبى إلا أن يشيد بما اعتبره إنجازات ملموسة، مسلطًا الضوء على رفع السعة التخزينية للسدود من 18.7 مليار متر مكعب إلى 20.7 مليار متر مكعب، وهو تطور اعتبره "مدعاة للفخر".

كما نوّه الفريق ذاته بالتقدم المحقق في مجال توسيع المساحات الزراعية المعتمدة على الري الموضعي، حيث بلغت المساحة المجهزة بهذا النظام حوالي 794 ألف هكتار، إلى جانب مضاعفة عدد محطات تحلية مياه البحر، التي ارتفعت من 8 إلى 15 محطة، بطاقة إجمالية تصل إلى 192 مليون متر مكعب سنويًا.

ولم يغفل الفريق النيابي للحزب الذي يقود الاغلبية الحكومية، الإشارة إلى جهود معالجة وإعادة استعمال المياه العادمة، حيث بلغ حجم المياه المعالجة والمستعملة سنة 2023 ما يقارب 37 مليون متر مكعب، مما يساهم في ترشيد الموارد المائية وتعزيز استدامتها.

وفي معرض تفاعله مع تقرير المجلس الأعلى للحسابات، اعتبر فريق التجمع الوطني للأحرار أن الملاحظات الواردة فيه تعكس بوضوح ما يعتبره "سلامة الرؤية الحكومية" في تدبير ملف المياه، مشيرًا إلى أن هذه السياسة اتسمت بإطلاق حلول مبتكرة واستباقية لمواجهة التحديات المناخية والبيئية.

أما الفريق النيابي للأصالة والمعاصرة، فقد ركز في مداخلته على ضرورة التسريع بتنزيل التدابير الواردة في البرنامج الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب ومياه السقي، مشددًا على أهمية احترام الآجال المحددة لإنجاز المشاريع، ولا سيما ما يتعلق ببناء السدود الجديدة واستكمال المشاريع المائية الكبرى، بما في ذلك أنظمة نقل المياه بين الأحواض لضمان توزيع أكثر عدالة للموارد المائية.

كما دعا الفريق ذاته إلى التعاطي مع أزمة المياه بجدية ومسؤولية تليق بحجم التحدي، محذرًا من تبعات أي تهاون في مواجهة الإجهاد المائي، وأكد أن المرحلة تستدعي اتخاذ قرارات حاسمة وإجراءات صارمة لضمان استدامة الموارد المائية، مشيرًا إلى أن استمرار اليقظة والتخطيط الاستراتيجي السليم هما السبيل الوحيد لمواجهة تداعيات التغيرات المناخية وتأمين الاحتياجات المائية للأجيال القادمة.

وفي الوقت الذي يرزح فيه المواطن المغربي تحت وطأة ارتفاع أسعار الخضروات والفواكه بفعل موجات الجفاف المتتالية، تشهد صادرات المملكة من المنتجات الفلاحية ازدهارًا لافتًا، يشمل الطماطم والأفوكادو والخيار والبرتقال والبطيخ الأحمر، وصولًا إلى التوت الأزرق والحمضيات وغيرها. هذه المفارقة الصارخة تعكس السياسة التي تنتهجها الحكومة، والتي تقوم فعليًا على تصدير المياه الجوفية في شكل منتجات فلاحية، وفقًا لما تكشفه المعطيات الرسمية، وهو ما يثير تساؤلات جوهرية حول مدى إدراك الفاعل السياسي، ممثلًا في الحكومة، لخطورة أزمة الجفاف التي باتت تلازم المملكة خلال العقد الأخير.

ورغم أن ندرة التساقطات المطرية وتوالي سنوات الجفاف أثرت على حجم الصادرات، متسببة في تراجعها بنسبة 15% خلال سنة 2023، إلا أن قيمتها المالية ظلت في مستويات قياسية، متجاوزة حاجز 80 مليار درهم المسجل لأول مرة في 2022، لتستقر عند 83.2 مليار درهم خلال السنة الماضية، وفق آخر المعطيات التي قدمها رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، فبحلول شتنبر 2024، بلغت قيمة هذه الصادرات 2 مليار درهم، ما يرسّخ مكانة القطاع الفلاحي والصناعات الغذائية كثاني أكبر قطاع تصديري في المغرب.

ورغم التحديات التي يفرضها الجفاف، يبدو أن الحكومة عازمة على المضي قدمًا في تعزيز صادراتها الفلاحية، وفق ما أكده رئيسها، إذ تراهن على إنشاء وحدات جديدة لتحلية المياه، أبرزها مشروع محطة تحلية مياه البحر في الداخلة، المقرر إنجازه نهاية 2025، والذي سيمكن من استصلاح 5000 هكتار إضافية من الأراضي السقوية، ما يعزز الإنتاج الفلاحي الموجه للأسواق الخارجية.

ويعزو رئيس الحكومة النمو المستمر في قيمة الصادرات الفلاحية إلى الارتفاع الكبير لأسعار المنتجات الفلاحية في الأسواق الدولية، إلى جانب الجهود المبذولة لتنويع وجهات التصدير، وتحسين جودة المنتوج المغربي على المستويين التجاري والصحي، وهو ما تحقق حسب أخنوش" بفضل تفاني الفلاحين المغاربة ودعم السياسات القطاعية الموجهة نحو تحسين تنافسية المنتج الوطني عالميًا."

من جهة ثانية، فإن هذا التوجه يطرح إشكالات كبرى حول الأولويات الاستراتيجية للبلاد، إذ يبقى التساؤل مطروحًا حول مدى استدامة هذه السياسة في ظل تراجع الموارد المائية، وما إذا كان التوسع في الصادرات الفلاحية يمكن أن يستمر دون الإضرار بالتوازنات المائية والأمن الغذائي الداخلي.

ولطالما حذّر الخبراء، ومن بينهم الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، من الاختلالات البنيوية التي تعتري السياسة الفلاحية التي تنتهجها الحكومة، والوزارة الوصية تحت قيادة حزب التجمع الوطني للأحرار منذ 17 سنة، وهي السياسة، وفق تقديرهم، "أثبتت فشلها بالملموس"، إذ لم تحقق الأهداف المعلنة في تأمين الغذاء للمغاربة، بل على العكس، جعلت من سؤال السيادة الغذائية قضية حيوية تشغل المواطنين، ولم تعد حكرًا على المتخصصين أو المهتمين بالشأن الفلاحي.

وفي هذا السياق، أكدت الجامعة في وقت سابق أن المغرب يواجه اليوم "أزمة غذائية حقيقية"، تتجلى بوضوح في ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل غير مسبوق، إلى جانب الزيادة المهولة في حجم الواردات الغذائية، وما يرافق ذلك من تداعيات اقتصادية واجتماعية، أبرزها تزايد معدلات البطالة، خاصة في العالم القروي.

وهذا الوضع يسلط الضوء على هشاشة المنظومة الغذائية الوطنية، التي باتت تعتمد بشكل مفرط على الاستيراد، في وقت يفترض أن تحقق الاكتفاء الذاتي من الإنتاج المحلي، غير أن الأزمة لم تعد تقتصر على غلاء الأسعار ونقص الإمدادات، بل تتعداها إلى مسألة "صحة الغذاء"، إذ يثير نمط الإنتاج الفلاحي التصديري العديد من التساؤلات حول جودة المنتجات الغذائية التي تصل إلى المستهلك المغربي، ومدى مطابقتها للمعايير الصحية، فالأمن الغذائي، وفق الخبراء، لا يعني فقط توفير الغذاء بكلفة مناسبة، بل يقتضي أيضًا ضمان سلامته وجودته، وهو ما يضع السياسات الفلاحية الحالية موضع مساءلة عميقة.

ومنذ سنة 2008، أي تزامنا وتسلم عزيز أخنوش رئيس الحكومة الحالي مقاليد وزارة الفلاحة لأول مرة تخلى المغرب عن مقاربة الأمن الغذائي لصالح الفلاحة التصديرية، رغم استمرار الخطاب الرسمي في الترويج لشعارات مغايرة، فالموارد المالية الضخمة التي تم ضخها في القطاع الفلاحي لم تُوظّف في تعزيز الإنتاج المحلي الموجه لتلبية احتياجات المواطنين، بل تم توجيهها لدعم زراعات مُعدّة للتصدير، ما أدى إلى تقليص المعروض من المنتجات الطازجة في السوق الداخلية ورفع أسعارها إلى مستويات قياسية.

والأمر لا يقف عند هذا الحد، إذ أن هذا النموذج الفلاحي لم يسهم في الحفاظ على فرص الشغل، بل أدى إلى فقدان مئات الآلاف من الوظائف، خاصة في المناطق القروية التي تعتمد بشكل أساسي على النشاط الفلاحي، كما أن تداعياته البيئية كانت كارثية، خصوصًا فيما يتعلق باستنزاف الموارد المائية، حيث أصبحت الفلاحة التصديرية تستهلك كميات هائلة من المياه الجوفية، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة عطش غير مسبوقة.

ومع استمرار هذه السياسات، أصبح المواطن المغربي يواجه بشكل يومي ارتفاعًا مطردًا في أسعار اللحوم، والخضروات، والحبوب، والقطاني، دون أن تلوح في الأفق أي بوادر لتغيير هذا التوجه. وبناءً على ذلك، يطالب الخبراء بضرورة القطع مع النهج الرأسمالي التبعي الذي حكم السياسة الفلاحية لعقود، والانخراط في رؤية جديدة ترتكز على دعم الفلاحة الأسرية والمعاشية، باعتبارها البديل الأكثر قدرة على تحقيق السيادة الغذائية وضمان الأمن الغذائي للمغاربة.

وفي ظل تزايد التحديات المناخية والاضطرابات الاقتصادية العالمية، يحذر المختصون من أن استمرار الارتهان للفلاحة التصديرية سيجعل المغرب أكثر عرضة للتقلبات المناخية والضغوط الجيوسياسية، خاصة في ظل تحول الغذاء إلى أداة ضغط سياسي واقتصادي على الصعيد الدولي. لذلك، يدعو الخبراء إلى تبني إصلاح زراعي شامل وديمقراطي، يكون الفلاحون الكادحون في صلب اهتماماته، لضمان مستقبل زراعي مستدام، وتحقيق استقلالية غذائية حقيقية تقي البلاد مخاطر الارتهان للخارج.

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...