فشل عملية "الاستيراد" الأولى من المغرب بعد افتتاح الجمارك في سبتة ومليلية.. مشاكل داخلية إسبانية أم أن الحل في الصحراء؟
عادت حالة الشك لتسود على المعبرين الحدوديين لسبتة ومليلية، بسبب "أزمة الأسماك" التي تعيشها مدينة مليلية، والتي لم يُكتب لها أن تنتهِ هذا الأسبوع، نتيجة فشل عملية استيراد من الجانب المغربي والتى لا زالت عالقة منذ أول أمس الثلاثاء، الأمر الذي تحول إلى صراع علني بين الحكومة المحلية وحكومة بيدرو سانشيز.
وكان تدشين الحدود التجارية بمعبر مليلية على موعد مع لحظة حاسمة يوم 18 فبراير 2025، حيث جرى الإعلان عن دخول أول شحنة من الأسماك إلى المدينة لإنهاء الخصاص الذي تعاني منه أسواقها، بعد توقف هذا النشاط لمدة 5 سنوات، إلا أن العملية توقفت بشكل مفاجئ على الجانب الإسباني، ما أثار غضب حكومة خوان خوسي إمبرودا.
فشل مفاجئ
وفق ما كشفته وكالة الأنباء الإسبانية الرسمية EFE فإن ممثلة الحكومة المركزية في مليلية، صابرينا موح، شرعت قبل أسبوع في الإعداد لهذه العملية التجارية، بتنسيق مع إدارة الجمارك المحلية والحرس المدني، ومديرية وزارة الفلاحة والصيد البحري الإسبانية، قبل أن تُعلن مساء الثلاثاء عن توقفها بشكل مفاجئ دون تقديم إيضاحات.
ما جرى دفعَ الحكومة المحلية لمهاجمة موح، على لسان النائب الأول للرئيس، ميغيل مارين، الذي وصف الأمر بأنه "فشل ذريع وتام"، وقال في تصريحات لوسائل الإعلام المحلية "أعتقد أن مندوبة الحكومة لا تُدرك مدى الإحراج الذي تسببت فيه، فقد سجلت مقطع فيديو تُعلن فيه عن عبور الأسماك عبر الحدود من المغرب، ولكنها قامت بحذفه لاحقًا".
وحمل المسؤول الإسباني ممثلة الحكومة المركزية المسؤولية عن هذا الفشل، قائلا "كان ينبغي عليها منذ فترة طويلة إنشاء مركز تفتيش حدودي عند المعبر، ما كان سيُمكن جميع رجال الأعمال من إقامة علاقات تجارية في هذا المجال"، في إشارة إلى أن عدم إتمام العملية مرتبط بإجراءات التفتيش الصحي التي تتم على المنتجات الغذائية المستوردة.
اتهامات بالاحتكار
الأخطر من ذلك، هو أن عدم إتمام هذه العملية، التي تأتي بعد نجاح مرور 4 شاحنات تحمل الأجهزة الإلكترونية باتجاه المغرب، كشف عن صراع داخلي حول الشركات التي من حقها ممارسة أنشطة الاستيراد والتصدير على الحدود البرية، إذ أشار مارين إلى وجود "احتكار" لعمليات جلب الأسماك من المغرب من طرف "رجل أعمال واحد".
وأورد المسؤول الإسباني أن المعني بالأمر تم اختياره "بشكل تعسفي" من قبل مندوبة الحكومة، متسائلا عن مدى قانونية منح امتياز استيراد الأسماك من المغرب لشخص واحد فقط، وتابع "لماذا يحصل فاعل اقتصادي واحد فقط على هذا الامتياز؟ ماذا عن بقية رجال الأعمال في مليلية؟" واصفًا القرار بأنه "تمييزي" وغير عادل.
وتعد هذه من المرات النادرة التي يُلقي فيها الإسبان باللائمة على إجراءاتهم الداخلية في استمرار تعطيل النشاط التجاري عبر المعابر الحدودية البرية، بعدما كانوا في السابق يعتبرون أن الرباط هي المسؤولة عن ذلك، لكونها "لا ترغب" في تنفيذ خارطة الطريق المتفق عليها سنة 2022 في اجتماع الرباط، بين الملك محمد السادس ورئيس الوزراء بيدرو سانشيز.
انتقادات لألباريس
سهام النقد من حكومة مليلية، طالت أيضا وزير الخارجية الإسباني خوسي مانويل ألباريس، الذي اعتبر، في يناير الماضي، أن الحدود التجارية التي جرى إغلاقها منذ سنة 2018 بمليلية قد جرى افتُتحت مجددا بشكل رسمي، إثر مرور شاحنات صوب الجانب المغربي.
وأورد نائب رئيس حكومة مليلية "إذا كان الوزير سعيدًا بمرور أربع شاحنات صغيرة محملة ببعض آلات غسيل مستعملة بعد سبع سنوات من الإغلاق، فإن هذا مجرد استهزاء بالمواطنين، هذه ليس جمارك تجارية ولا تمثل عودةً للوضع الذي كنا عليه قبل 1 غشت 2018"، مضيفا أن الحكومة المحلية ستواصل المطالبة بإعادة فتح الجمارك التجارية "بنفس الشروط" التي كانت سارية في السابق مع إنهاء الحظر المفروض على نظام المسافرين.
ويأتي ذلك بعد أسبوع على تصريحات ألباريس، التي أكد فيها أن الرباط ومدريد يعملان على ضمان "عدم التراجع" عن افتتاح الجمارك التجارية، في كل من سبتة ومليلية، معتبرا أن الجمارك الإسبانية والمغربية "تعملان معا بشكل طبيعي جدا، من أجل ضمان استمرار عبور الشاحنات"، علما أن كل العمليات الناجحة سارت في اتجاه الجانب المغربي من الحدود.
الحل في الصحراء؟
يعتمد الإسبان في مطالبهم للمغرب بإعادة فتح المعابر الحدودية البرية أمام الأنشطة التجارية، على البند الثالث من البيان المشترك المُعلِن عن خارطة الطريق للعلاقات الثنائية، الصادر 7 أبريل 2022، والذي ينص على أنه "سيتم الاستئناف الكامل للحركة العادية للأفراد والبضائع بشكل منظم، بما فيها الترتيبات المناسبة للمراقبة الجمركية وللأشخاص على المستوى البري والبحري".
إلا أن الملاحظ أن الرباط، ومنذ ذلك التاريخ، لم تُبد أي "استعجال" في مسألة إحداث مكتبين تجاريين في سبتة ومليلية، المدينتان اللتان تطالب باستعادة السيادة عليهما، على الرغم من أن ملفات أخرى وجدت طريقها إلى الحل، على غرار عودة الربط البحري المباشر، وتفعيل مجموعة العمل الخاصة بتحديد المجال البحري على الواجهة الأطلسية بين أقاليم الصحراء وإقليم الكناري.
وعلى الرغم من أن الأمر يبدو مُتعلقا بأمر تقنية ولوجستية على جانبي المعبرين الحدوديين البريين، إلا أن الوصول إلى مرحلة عبور الشاحنات تطلب أكثر من سنتين ونصف من المفاوضات والتجارب، الأمر الذي ينم عن وجود خلفيات أخرى ذات طابع سياسي، تتعلق أساس بالبند الأول من خارطة الطريق، التي نصت على أن إسبانيا "تعتبر المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي قدمها المغرب سنة 2007 هي الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية" لحل النزاع حول الصحراء.
ومنذ ذلك التاريخ أبدت إسبانيا تباطؤا في المرور إلى المرحلة الموالية م تنزيل هذا الموقف على الأرض، ورغم إعلان رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، ووزير الخارجية خوسي مانويل ألباريس، أن مدريد ملتزمة به، إلا أنهما يرميان الكرة دائما في ملعب الأمم المتحدة، وفي المقابل فإن الرباط تضع على طاولة مدريد هذا الملف بشكل دائم، إذ تجري الآن مفاوضات بين الطرفين من أجل تسلُّم المملكة إدارة المجال الجوي للصحراء من جزر الكناري، هو أمر مرتبط دبلوماسيا بملف الحدود التجارية في سبتة ومليلية.




