ضغط أمريكي واستدرار للعاطفة وحَسمٌ منتظر.. إحاطة دي ميستورا أمام مجلس الأمن: بارقة أمل أم سمٌّ في العسل؟

 ضغط أمريكي واستدرار للعاطفة وحَسمٌ منتظر.. إحاطة دي ميستورا أمام مجلس الأمن: بارقة أمل أم سمٌّ في العسل؟
الصحيفة – حمزة المتيوي
الأربعاء 16 أبريل 2025 - 14:33

كان من المتوقع ألا يكون عرض ملف الصحراء أمام مجلس الأمن خلال اجتماعه شهر أبريل 2025، "تقليديا"، بالنظر لأن الفترة التي سبقت هذا الموعد شهدت العديد من التطورات، أبرزها إعلان الإدارة الأمريكية، لأول مرة في عهد الولاية الثانية للرئيس دونالد ترامب، أنها تعتبر المبادرة المغربية للحكم الذاتي الإطار الوحيد للتفاوض.

لكن ما جاءت به إحاطة الدبلوماسي الإيطالي - السويدي، ستافان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، لم يكن "مُصاغًا" بلُغة جديدة وفقط، بل إن مضمونه أيضا حمل الكثير من "الألغاز"، أو على الأقل ساقَ كلاما "حمالَ أوجه"، يبدو تارة أنه يعطي بارقة أمل باقتراب حسم القضية التي عمَّرت 50 عاما، وتارة أخرى يظهر "متحسرا" على مآل الطرح الانفصالي.

الثابت من وثيقة دي ميستورا أن الموقف الأمريكي، الصادر رسميا عن وزير الخارجية ماركو روبيو، بتاريخ 8 أبريل 2025، والذي يجدد اعتراف الولايات المتحدة، العضو دائم العضوية في مجلس الأمن، وحاملة القلم في صياغة التقارير الدورية للمجلس، بالسيادة المغربية على الصحراء، ودعم مقترح الحكم الذاتي المغربي الجاد والموثوق والواقعي"، باعتباره "الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع"، كان حاضرًا بقوة في ذهن المبعوث الأممي.

الإحاطة، في نقطتها الثالثة تتحدث عن هذا الأمر بوضوح، إذ أوردت أن زيارة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى واشنطن ومحادثاته مع روبيو تلاها "تأكيد واضح لإعلان الرئيس ترامب الصادر سنة 2020، حيث أعاد الوزير الأمريكي تأكيد التزام حكومة بلاده بمبادرة الحكم الذاتي الجاد، كما أشار إلى إصرار رئيسه على ضرورة أن يكون الحل متوافقاً عليه بشكل متبادل، وهو ما أكد الوزير روبيو أن الولايات المتحدة ستعمل بنشاط على تسهيله".

إلا أن دي ميستورا أعطى "تأويله الشخصي" للموقف الأمريكي، رغم وضوحه منطوقه في إعلان الرئيس ترامب سنة 2020، ثم في بيان وزارة الخارجية في 2025، ففي الوقت الذي تعتبر فيه واشنطن أن المقترح المغربي هو بالفعل مبادرة "جادة"، فإن المبعوث الأممي يتحدث في النقطة السابعة عن أن "الحكم الذاتي يجب أن يكون جاداً"، ويضيف "وهذا ينسجم مع قناعتي وطلبي بأن مبادرة الحكم الذاتي المغربية يجب أن تُشرح بمزيد من التفصيل، ومن ثم توضيح الصلاحيات التي سيتم تفويضها لكيان يتمتع بالحكم الذاتي الحقيقي في الصحراء الغربية".

وإذا كانت إحاطة دي ميستورا تتفادى تماما الإشارة إلى "استفتاء تقرير المصير"، في إشارة ضمنية إلى موت هذا المقترح، فإن في المقابل تتغاضى عن ذكر موقف "البوليساريو" من الحكم الذاتي، على اعتبار أن الدبلوماسية المغربية أعلنت مرارا، وخصوصا على لسان وزير الخارجية بوريطة، أن التفاوض في مضامين المقترح مشروط بأمرين رئيسيين، أولها، عدم النقاش في المسائل السيادية، مثل العلم والعُملة والسياسة الخارجية، والأمور العسكرية والأمنية… وثانيها، وهو مربط الفرس، إعلان الجبهة الانفصالية، وخلفها الجزائر، القبول بالمقترح كأساس وحيد للنقاش.

مع ذلك، فإن أثر رحلة دي ميستورا إلى واشنطن للقاء المسؤولة الرفيعة للشؤون السياسية بوزارة الخارجية الأمريكي، ليزا كينا، من أجل إبلاغه أن مبادرة المغرب للحكم الذاتي، تحت السيادة المغربية، هي الحل الوحيدة لملف الصحراء، كانت له أوجه إيجابية بالنسبة للرباط برزت في الإحاطة، فالنقطة الثامنة تنص على ضرورة إجراء "المفاوضات الفعلية بين جميع الأطراف المعنية"، وهو ما يحمل إشارة ضمنية للجزائر، التي يعتبرها المغرب الطرف الفعلي في النزاع الإقليمي.

المسألة الأخرى هي إعلان دي ميستورا، بأن واشنطن تولت، عمليًا، إدارة الملف قصد إنهائه، ففي النقطة التاسعة من الإحاطة يتحدث عن "الرسالة الأهم"، ويوجزها في أن الإدارة الأمريكية الجديدة "تعتزم الانخراط المباشر في تسهيل التوصل إلى حل متفق عليه"، ويضيف، "في مثل هذه الحالة، واستناداً إلى قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وتحت إشراف هذا المجلس والأمين العام، فإن الأمم المتحدة، وأنا شخصياً، يمكن أن نكون داعمين لهذا الانخراط"، ويضيف أن هناك "إحساساً بالإلحاح، إذا أردنا أن نُسهم في تهدئة الوضع في المنطقة، وفي الوقت نفسه، السعي لحل قضية الصحراء الغربية".

المسألة الأخرى التي تبدو أنها في صالح المغرب، هي أن دي ميستورا أعلن دعمه للدبلوماسي الروسي، ألكسندر إيفانكو، وهو الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء، وقائد بعثة "المينورسو"، خصوصا في ما يتعلق بـ"الصعوبات المالية" التي تعاني منها البعثة، لكن إحاطة إيفانكو كانت بنسبة كبيرة في صالح الرباط، من خلال الإقرار بأن بضبط النفس الذي تتسم به قواتها المسلحة، على الرغم من سيطرتها الميدانية، في مقابل عدم قدرة مسلحي جبهة "البوليساريو" على تغيير الوضع ميدانيا.

عمد دي ميستورا إلى استخدام الخطاب العاطفي "في اتجاه واحد"، لعرض "المعاناة" التي شهدها خلال زيارته لتندوف، متحدثا عن عقد اجتماعات مع "ممثلي المجتمع المدني والمنظمات النسائية"، دون استحضار موقف الصحراويين الداعمين للوحدة الترابية للمغرب، والذين يمثلهم أيضا مجتمع سياسي ومنتخبون سبق أن التقى بهم.

وأورد المبعوث الأممي قصّة قال إنه عايشها في مخيمات تندوف جنوب الجزائر. في هذا السياق يقول: "سمعتُ تعبيرات كثيرة عن اليأس والنفاد والصبر، لا سيما من الجيل الشاب من اللاجئين الصحراويين، الذين يزدادون تململا"، وتابع "‏قالت لي شابة إنها وُلدت في المخيمات ولم تعرف واقعاً آخر طوال حياتها، وأضافت أنها دفنت جدَّيها ووالديها هناك، ‏ثم قالت لي هذه العبارة المؤلمة: عندما أموت، لا أريد أن أُدفن هنا، أريد أن أرى وطني، وأن أُدفن هناك".

المسألة الأخيرة المثيرة للانتباه في إحاطة دي ميستورا، هي تعبيره عن اقتناعه بأنه "الأشهر الثلاثة المقبلة تشكل فرصة لتقييم كيف يمكن لدَفعة جديدة قائمة على انخراط نشط ومتجدد من بعض أعضاء المجلس، بمن فيهم الأعضاء الدائمون، أن تُسهم في تهدئة إقليمية، وفي الوقت نفسه، إطلاق خريطة طريق جديدة نحو حل نهائي لنزاع الصحراء الغربية".

سياق هذه الصيغة يبدو أقرب للفهم، في حال ربطها بما سبق لـ"الصحيفة" أن نشرته بشكل حصري مؤخرا، بخصوص وجود تنسيق ثلاثي مغربي أمريكي فرنسي داخل الأمم المتحدة، يعطي للجزائر وجبهة "البوليساريو" فترة زمنية مقدرة في "بضعة أشهر"، من أجل الجلوس إلى طاولة التفاوض مع الرباط حول مبادرة الحكم الذاتي وحدها، قبل المرور إلى محطة تصنيف الجبهة "تنظيما إرهابيا"، وإبعاد الملف من بين يدي الأمم المتحدة.

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...