كوريا الجنوبية تشيد بالطرح المغربي في قضية الصحراء.. تقارب دبلوماسي غير مسبوق قائم على المصالح الاقتصادية المتنامية
نشرت السفارة الكورية الجنوبية بالرباط، أمس الجمعة، بيانا لوزارة خارجية سيول تحت عنوان "نظرة عامة على العلاقات الثنائية بين كوريا والمغرب"، كانت الفقرة ما قبل الأخيرة منه الأكثر جلبا للانتباه، على اعتبار أنها تبني موقفا جديدا من قضية الصحراء، ينبني على الإشادة بمبادرة الحكم الذاتي المغربية باعتبارها تحظى بـ"التقدير"، ونابعة عن جهود "جادة وذات مصداقية".
الموقف الجديد لسيول، العضو غير دائم العضوية حاليا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي سيكون طرفا في المناقشة الدورية للملف في أواخر أكتوبر 2025، تأتي في ظل تقارب غير مسبوق بين البلدين على المستوى الاقتصادي، الأمر الذي كانت نبرته حاضرة في البيان، والذي يشمل، على أرض الواقع، مجالات صناعية حيوية، مثل القطارات والسيارات وحتى المعدات الدفاعية.
تقدير للحكم الذاتي
جاء في الوثيقة الصادر عن سفارة سيول أنه فيما يخص قضية الصحراء، "تدعم كوريا جهود الأمم المتحدة من أجل التوصل إلى حل سلمي للقضية، وتأمل في التوصل إلى حل مقبول للطرفين عبر الحوار ضمن إطار الأمم المتحدة"، وتابع أنها "تُعرب عن تقديرها لمبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب في أبريل 2007 للأمين العام للأمم المتحدة، وترحب بالجهود الجادة وذات المصداقية التي يبذلها المغرب من أجل الدفع بالمسار نحو حل هذه القضية، كما ورد في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما في ذلك القرار 1754 لسنة 2007".
وشددت كوريا الجنوبية على أنها "ستواصل تعزيز علاقاتها مع المغرب، الذي يشق طريقه بثبات كدولة رائدة في إفريقيا، وتسعى إلى توسيع التعاون الثنائي في مختلف المجالات"، وأضافت "استنادًا إلى الاحترام المتبادل والقيم المشتركة، سيواصل البلدان العمل سويًا من أجل السلام والاستقرار والازدهار".
وذكر الخارجية الكورية أن "جمهورية كوريا تطور علاقاتها الثنائية مع المملكة المغربية في مختلف المجالات، بما في ذلك السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1962، مبرزة أن العلاقات الثنائية "شهدت تطورات ملموسة في السنوات الأخيرة".
مسؤولون في الاتجاهين
المؤكد أنه خلال سنتي 2024 و2025، عرفت العلاقات بين الرباط وسيول تقاربا متسارعا، وهو ما وثقته السفارة، التي ذكرت بأن الفترة الأخيرة شهدت تبادلًا نشطًا للزيارات رفيعة المستوى بين مسؤولي البلدين، فقد زار المغرب كل من كيم جين بيو، رئيس الجمعية الوطنية الكورية، في يناير 2024، وبارك سانغ وو، وزير الأراضي والبنية التحتية والنقل، في يوليوز 2024، ويون هي سونغ، الرئيس التنفيذي لبنك التصدير والاستيراد الكوري، في فبراير 2025.
ومن الجانب المغربي، ذكَّر البيان أن كلا من رشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب، وناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، بزيارة كوريا في يونيو 2024 بمناسبة انعقاد أول قمة كورية إفريقية بمشاركة 54 دولة إفريقية، كما زار البلاد كل من نزار بركة، وزير التجهيز والماء، وكريم زيدان، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار، في نونبر 2024، تلتها زيارة رياض مزور، وزير الصناعة والتجارة، في أبريل 2025، مما يعكس "التزامًا مشتركًا بتعزيز التعاون الثنائي"، وفق المصدر ذاته.
مصالح اقتصادية متنامية
ركزت السفارة بشكل واضح على الشراكة الاقتصادية بين البلدين، مورزة أنهما "يتعاونان بشكل واسع في المجال الاقتصادي"، إذ بلغ إجمالي حجم التبادلات التجاري بينهما في 2024 نحو 550 مليون دولار، وتابعت أنه "في سبيل توسيع هذا التبادل، وقع الطرفان بيانا مشتركا لإطلاق مناقشات استكشافية بشأن إطار قانوني للتجارة والاستثمار، مثل اتفاق شراكة اقتصاديةEPA ، وذلك في يونيو 2024، مع التزامٍ بمواصلة النقاشات لتسهيل تدفقات تجارية أكبر.
وفي القطاع الخاص، أنشأ مصنعو قطع غيار السيارات الكوريون بنيات إنتاج في المغرب، وتدير شركات كورية كبرى مثل "سامسونغ إلكترونيكس" و"إل جي إلكترونيكس" فروعًا محلية بالمملكة، وذكرت السفارةأنه في فبراير 2025، وقَّعت شركة "هيونداي روتيم" عقدًا مع المكتب الوطني للسكك الحديدية ONCF لتزويده بـ110 قطارات بقيمة تقدر بحوالي 1,5 مليار أورو، كما تستكشف شركات كورية أخرى في مجالات البطاريات والدفاع وبناء السفن فُرصًا استثمارية في السوق المغربية.
واستحضرت سيول أنه في عام 2022، أكدت الحكومة الكورية هوية ثمانية جنود مغاربة شاركوا في الحرب الكورية، استجابةً لقرار الملك الراحل محمد الخامس، موردة "تُكن كوريا أسمى مشاعر التقدير لتفانيهم وتضحياتهم النبيلة"، وتابعت أن البلين يعززان أيضا تعاونهما في مجالات التنمية والتغير المناخي والحماية الاجتماعية، وبمناسبة قمة كوريا - إفريقيا 2024، وقّع الجانبان اتفاقيات تشمل صندوق التعاون الإنمائي الاقتصادي EDCF، والتعاون في مجال التغير المناخي، والحماية الاجتماعية، مما يمهد الطريق لتعاون أوسع في هذه المجالات الأساسية.
من القطارات إلى الدفاع
التقارب الدبلوماسي بين المغرب وكوريا الجنوبية، لا يمكن فصله عن المصالح الاقتصادية الواضحة بين البلدين، خصوصا في ظل المشاريع المستقبلية التي شرعت فيها المملكة، ففي مارس الماضي، وبعد حصول شركة "هيونداي روتيم" على صفة تزويد المغرب بالقطارات، البالغة قيمتها 2,2 تريليون وون كوري أي 1,53 مليار دولار أمريكي، بعث الرئيس الكوري الجنوبي المؤقت تشوي سانغ موك، رسالة شكر للملك محمد السادس، معربا عن تقديره لـ"ثقة السلطات المغربية واهتمامها بالشركات الكورية، التي تتميز بتنافسيتها العالية وتقدمها التكنولوجي على المستوى العالمي"، إذ أصبحت تلك الصفقة هي أكبر عقد للشركة خارج حدود كوريا في تاريخها.
وفي أبريل الماضي، وخلال زيارة وزير الصناعة والتجارة رياض مزور، إلى سيول، التي أشارت إليها السفارة، بدأ التفاوض بين البلدين على حصول المغرب على معدات دفاعية كورية، بما يشل دبابات K2 Black Panther وغواصة KSS-III من طراز "دوسان آن تشانغ هو"، بالإضافة إلى نظام الدفاع الجوي متوسط المدى "تشيونغونغ" KM-SAM، وفق ما أكدته تقارير مغربية وكورية.
وكان مزور قد زار أيضا أكبر حوض بناء سفن في العالم بمدينة أولسان الكورية، برفقة شفيق رشادي، سفير المغرب لدى سيول، واستُقبل الوزير من طرف سانغ كيون لي، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة "هيونداي" للصناعات الثقيلة، ويونغ يول بارك، نائب الرئيس التنفيذي، حيث أجرى جولة في الحوض العملاق لشركة HHI، الرائد العالمي في بناء السفن وصناعة الطاقة البحرية.




