"الإرث الاقتصادي" الفرنسي بالجزائر يترنح.. شركات فرنسية تُهدد بالانسحاب من السوق الجزائري نتيجة العراقيل التنظيمية وتدهور العلاقات الثنائية

 "الإرث الاقتصادي" الفرنسي بالجزائر يترنح.. شركات فرنسية تُهدد بالانسحاب من السوق الجزائري نتيجة العراقيل التنظيمية وتدهور العلاقات الثنائية
الصحيفة - خولة اجعيفري
الأحد 11 ماي 2025 - 9:00

بينما تتصاعد حدة التوتر في العلاقات الدبلوماسية بين باريس والجزائر، بدأت مؤشرات ملموسة تثير قلقًا متزايدا في أوساط الفاعلين الاقتصاديين الفرنسيين، وسط تساؤلات حادة حول مستقبل الشراكة بين البلدين، وما إذا كانت فرنسا بصدد خسارة موقعها التقليدي داخل السوق الجزائرية، في ظل تمدد قوى دولية أخرى لا تثقلها "عقد التاريخ الاستعماري"، وتفكير مؤسسات فرنسية عملاقة في الانسحاب في مقدمتها شركة صناعة السيارات "رونو".

ولطالما شكّلت المحروقات حجر الزاوية في العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وفرنسا، فوفقا لمعطيات صادرة عن وزارة المالية الفرنسية (بيرسي) نقلها "راديو فرونس" الفرنسي، فإن هذا القطاع الحيوي يمثل نحو 80% من صادرات الجزائر نحو فرنسا، ورغم أن الجزائر لا تزال ثالث مزود لفرنسا بالنفط الخام والغاز الطبيعي، إلا أن البيانات الصادرة عن الجمارك الفرنسية تشير إلى تراجع هذه الواردات بأكثر من 10% خلال العام الماضي، في مقابل ارتفاع واردات فرنسا من الهيدروكربورات الأمريكية، ما يعكس تحولا في التوازنات التجارية لصالح شركاء جدد.

من جهتها، تظل فرنسا ثاني أكبر شريك تجاري للجزائر، حيث تُصدّر إليها منتجات من قبيل قطع غيار السيارات، الآلات والمعدات الصناعية، المواد الصيدلانية، والمنتجات الزراعية، وقد شهدت هذه الصادرات نموًا بنسبة 6.6% خلال السنة الماضية، مما ساهم في تقليص العجز التجاري الفرنسي بنحو 1.5 مليار أورو.

وعلى الرغم من هذا الأداء، تؤكد الإذاعة الفرنسية أن وزارة المالية الفرنسية تسعى إلى طمأنة الرأي العام الاقتصادي، مشيرة إلى أن ميزان المبادلات التجارية بين البلدين لا يزال مستقراً، وأن الجزائر تظل الشريك التجاري الثالث لفرنسا في إفريقيا بقيمة 4.8 مليارات أورو، خلف المغرب (7.4 مليارات أورو) وأمام تونس (3.4 مليارات أورو).

غير أن المعطيات الميدانية، تُظهر صورة أقل تفاؤلا حسب المصدر ذاته الذي أفاد بأن الجزائر قررت وبصفة أحادية إلغاء مشاركتها في معرض الأغذية الدولي بباريس، كما ألغت اللقاء المرتقب بين اتحاد أرباب العمل الجزائريين ومنظمة MEDEF الفرنسية، الذي كان مبرمجا خلال شهر ماي الجاري، وعلى الرغم من نفي السلطات الجزائرية في بداية السنة لوجود قرار رسمي بتجميد عمليات التوطين البنكي الخاصة بالواردات، إلا أن العديد من الفاعلين الاقتصاديين يؤكدون استمرار العراقيل الإدارية التي تُعيق التبادل التجاري بين البلدين منذ أشهر، وكل هذه التطورات تؤكد أن فرنسا والجزائر، رغم بقائهما "شريكين خاصين"، لم يعودا شريكين مميزين، وأن علاقتهما الاقتصادية دخلت مرحلة من الشك والتذبذب.

وتفكيك هذه العلاقة الاقتصادية، المتشابكة منذ عقود ليس بالأمر الهين، فالتبعية المتبادلة لا تزال حاضرة. فعلى سبيل المثال، تعتمد الجزائر في جزء كبير من إنتاج الخبز ومشتقات الحليب على مواد أولية ومحسّنات مستوردة من فرنسا، كما أن شاحنات الإطفاء الجزائرية تعتمد على قطع غيار من Renault، فيما تقوم شركة Thalès الفرنسية بصيانة أنظمة المعاملات البنكية الجزائرية.

ورغم وجود أكثر من 450 شركة فرنسية تنشط في الجزائر، من ضمنها TotalEnergies، Engie، Sanofi، BNP Paribas، Société Générale وغيرها، فإن فرنسا بدأت تفقد مواقعها تدريجيا حتى قبل تفجر الأزمة الدبلوماسية، فمثلا، كانت تهيمن على 90% من سوق القمح الطري الجزائري حتى عام 2019، لكنها لم تعد تصدّر شيئا اليوم بسبب عدم قدرتها على منافسة الأسعار الأوكرانية والروسية.

وفي مقابل هذا التراجع الفرنسي، برزت إيطاليا كفاعل اقتصادي صاعد في الجزائر، خصوصا منذ تولي جورجيا ميلوني رئاسة الحكومة فقد توجّت زياراتها المتكررة للجزائر بتوقيع شراكات استراتيجية في الزراعة ونقل التكنولوجيا، كما دخلت شركة FIAT الإيطالية السوق الجزائرية، في وقت توقفت فيه مصنع Renault في وهران، الذي أُقيم سنة 2014 باستثمار قدره 50 مليون أورو.

وتُرجّح مصادر اقتصادية تحدّثت إليها الإذاعة الفرنسية، أن يكون هذا التوقف مقدمة لانسحاب نهائي لـRenault من السوق الجزائرية خلال هذه السنة، نتيجة العراقيل التنظيمية وتدهور العلاقات الثنائية، ويأتي ذلك بينما تراهن الجزائر على تعزيز إنتاجها المحلي من الحبوب ومشتقات الحليب عبر مشاريع ضخمة في الصحراء الجزائرية، بمشاركة فاعلين أمريكيين وأتراك.

وفي مجال الطاقة، دخلت كل من الولايات المتحدة وألمانيا على الخط عبر شراكات جديدة مع شركة سوناطراك لتطوير إنتاج المحروقات البحرية، في مؤشرات واضحة على تنويع الجزائر لشركائها الاستراتيجيين.

ومنذ 2013، لم تعد فرنسا الشريك الأول للجزائر، بعدما أزاحتها الصين من الصدارة، وفي الوقت الذي تمضي فيه بكين وأنقرة وروما وواشنطن في نسج روابط اقتصادية متقدمة مع الجزائر دون عبء التاريخ الاستعماري، يبدي القطاع الخاص الفرنسي قلقا متزايدا بشأن خسارة موقعه في ثالث أكبر اقتصاد في القارة الإفريقية.

ففي حين يُتوقع أن تصل نسبة النمو في الجزائر إلى 3% سنة 2025، وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي، تتراجع مكانة فرنسا تدريجيا، وتظهر الحاجة الملحة لإعادة النظر في أدواتها السياسية والاقتصادية، ذلك أن الخريطة الاقتصادية الجديدة في الجزائر لم تعد تُرسم فقط من باريس، بل من بكين وبرلين وأنقرة وروما.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...