مشروع الدار البيضاء لتحلية مياه البحر الذي فاز به تحالف يضم شركة أخنوش يخلق جدلا سياسيا في إسبانيا
تفجّر جدل سياسي حاد في إسبانيا بين الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني (PSOE) والحزب الشعبي (PP)، على خلفية انتقادات وجهها الأخير إلى الحكومة الإسبانية بشأن تمويل محطة لتحلية مياه البحر في مدينة الدار البيضاء المغربية، بينما تعاني مدينة مليلية، بحسب الحزب الشعبي، من إهمال لبنيتها التحتية المماثلة.
وحسب ما أفادت به وكالة الأنباء الإسبانية غير الرسمية "أوروبا بريس"، فقد اتهم فرع الحزب الاشتراكي في مليلية الحزب الشعبي بـ"استخدام المغرب بهدف وحيد يتمثل في خلق التوتر وقطع العلاقات"، منتقدا ما وصفه بـ"الادعاءات غير المؤسسة" بشأن تمويل محطة تحلية مياه البحر في الدار البيضاء، في وقت "تُركت محطة مليلية في وضع مهمل".
وجاء الرد الاشتراكي، وفق الوكالة الإسبانية، على لسان المتحدث الإقليمي للحزب، رافاييل روبليس، الذي قال إن التصريحات التي أدلى بها مانويل أنخل كيبيدو، منسق مشاريع وبرامج الحزب الشعبي ورئيس هيئة ميناء مليلية، تعكس "جهلا مفرطا" من طرف الحزب المعارض.
وأضاف روبليس، حسب "أوروبا بريس" أن الحكومة الإسبانية تموّل بنية تحتية عامة ستُنفذها شركات إسبانية وستوفر فرص عمل للمواطنين الإسبان، مضيفا أن الشركات الوطنية، شأنها شأن شركات الدول المتقدمة، تملك القدرة على تنفيذ مشاريع ذات جودة عالية على المستوى الدولي.
ووفق المصدر نفسه، هاجم روبليس كيبيدو قائلا إنه "إما جاهل أو يكذب عمدا"، في محاولة منه لـ"خداع سكان مليلية"، موضحا أن التمويل الممنوح للمغرب سيتم استرداده كما هو الحال في أي قرض تجاري عادي، مشبّها الأمر بشراء مواطن لمنزل أو سيارة.
وأضاف روبليس أن الحزب الشعبي يفتقر إلى مشروع سياسي حقيقي، ولذلك "يبني خطابه على المواجهة المستمرة"، محذرا من استخدام المغرب كورقة لتأجيج التوترات السياسية في مليلية، في حين رد الحزب الشعبي بتكذيب الحزب الاشتراكي، حيث اعتبر أن تمويل محطة الدار البيضاء لتحلية ماء البحر تم من خلال "قرض بشروط تفضيلية، منها جزء غير مسترد".
جدير بالذكر أنه في الأيام الأخيرة وقّع تحالف تقوده شركة "أكسيونا" الإسبانية، ويضم شركتي "غرين أوف أفريكا" و"إفريقيا غاز" المملوكتين لمجموعة رئيس الحكومة عزيز أخنوش، اتفاقية تمويل مشروع محطة تحلية مياه البحر في الدار البيضاء، باستثمار إجمالي قدره 6.5 مليارات درهم (613 مليون أورو).
وكشفت الشركة الإسبانية في بلاغ تناقلته الصحافة الإسبانية، أن نسبة 80 بالمائة من تمويل المشروع جاء عن طريق قروض من عدة أطراف، في حين أن 20 بالمائة من التمويل هي رؤوس أموال ذاتية للشركات الثلاث المكلفة بإنجاز المشروع.
وأشارت في هذا السياق إلى أن الجهات الممولة تشمل مؤسسات مصرفية مغربية، منها التجاري وفا بنك والبنك الشعبي وبنك إفريقيا إلى جانب "كايشا بنك" الإسباني، بقروض تصل إلى 180 مليون أورو، بينما قدمت مؤسسات تمويل إسبانية عمومية تمويلات بقيمة 340 مليون أورو.
ولفتت الصحافة الإسبانية إلى أن شركة "أكسيونا" تمتلك نسبة 50 بالمائة في هذا المشروع، في حين تذهب نسبة 45 بالمائة لشركة "غرين أوف أفريكا"، و5 في المائة إلى "إفريقيا غاز"، والشركتان الأخيرتان هما تابعتان لمجموعة من الشركات المملوكة إلى رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، الذي أعلن سابقا أنه استقال من شركاته بعد توليه رئاسة الحكومة.
وأوضحت الشركة الإسبانية بلاغها، أنها ستتكفل ببناء المحطة وتشغيلها وصيانتها لمدة 27 سنة بعد إتمام الأشغال، المتوقع في الربع الثالث من عام 2028، مشيرة إلى أن هذا المشروع الضخم، الذي سيتم تنفيذه تحت اسم "شركة تحلية المياه البيضاء"، يُعد الأكبر من نوعه في إفريقيا، والأول عالميا الذي يُشغَّل بنسبة 100 بالمائة بواسطة الطاقة المتجددة، باستخدام تقنية التناضح العكسي.
وأشارت الصحافة الإسبانية إلى أن المشروع سيُنفذ في إطار شراكة بين القطاعين العام والخاص مع المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، في استجابة مباشرة للضغط المتزايد على الموارد المائية في العاصمة الاقتصادية للمملكة.
ووفق نفس المصادر، تبلغ الطاقة الإنتاجية السنوية للمحطة 300 مليون متر مكعب، ما يكفي لتزويد نحو 7.5 ملايين شخص بالمياه، فضلا عن توفير موارد إضافية للاستعمال الزراعي، اعتمادا على طاقة الرياح المولّدة من محطة بئر أنزران (360 ميغاواط).
جدير بالذكر أن هذا المشروع كان قد أثار جدلا واسعا في المغرب بسبب شُبهة "تضارب المصالح"، بعد فوز شركتين تابعتين لرئيس الحكومة بهذه الصفقة، وكانت "الصحيفة" أول من كشف عن هذه القضية في تحقيق استقصائي نشرته في سنة 2023.
وخلف فوز شركتي أخنوش بصفقة هذا المشروع الهام، ردود فعل انتقادية كبيرة من طرف أحزاب المعارضة، وعلى رأسهم حزب العدالة والتنمية الذي اعتبر ما حدث "فضيحة سياسية"، متسائلا عن مدى شفافية عملية اختيار التحالف الذي يضم شركتين مملوكتين لرئيس الحكومة، بعد استبعاد عروض منافسة من شركات دولية أخرى.
وأضاف الحزب في بيان كان قد نشره في الشهور الماضية أن رئيس الحكومة صرّح في البرلمان بعدم تقديم دعم عمومي لهذا المشروع، في حين أن بلاغا حكوميا سابقا أشار إلى أن اللجنة الوطنية للاستثمارات وافقت على دعم مالي مرتبط بتحلية مياه البحر في جهة الدار البيضاء، في إشارة إلى إحداث تغيير من أجل استفادة شركتي رئيس الحكومة.
ودعا الحزب أنذاك إلى فتح تحقيق عاجل وشفاف في الملف، معتبرا أن استمرار مثل هذه الحالات يقوض ثقة المواطنين في المؤسسات، ويقوّض مبادئ الشفافية وتكافؤ الفرص في المشاريع الكبرى، وهو نفس الأمر عبر عنه حزب التقدم والاشتراكية المعارض، الذي انتقد بشدة فوز شركتي أخنوش بهذه الصفقة، مُعتبرا أن ما حدث يُعتبر ضربا لمبد تكافؤ الفرص.




