تدفقات غير مسبوقة للغازوال من المغرب نحو إسبانيا يُرجّح أن مصدره روسيا.. ومصدر حكومي لـ "الصحيفة": نشتري بحرية ونصدّر في إطار القانون

 تدفقات غير مسبوقة للغازوال من المغرب نحو إسبانيا يُرجّح أن مصدره روسيا.. ومصدر حكومي لـ "الصحيفة": نشتري بحرية ونصدّر في إطار القانون
الصحيفة - خولة اجعيفري
الخميس 3 يوليوز 2025 - 12:00

ارتفعت واردات إسبانيا من الغازوال المغربي خلال شهري مارس وأبريل من عام 2025 إلى مستويات غير مسبوقة بلغت 123 ألف طن، وهو رقم صادم بالنظر إلى أنه يتجاوز إجمالي ما استوردته مدريد من المملكة خلال أربع سنوات كاملة، ما اعتبر في واحدة من أكثر القضايا حساسية على مستوى تجارة الطاقة في منطقة غرب المتوسط.

هذه القفزة "غير المفهومة" وفق تقديرات مراقبين في زمن العقوبات الأوروبية على المنتجات الروسية أثارت شبهات متزايدة في الأوساط الإسبانية والغربية بشأن احتمالية أن يكون جزء من هذا الوقود قادما في الأصل من روسيا، قبل أن يعبر بوابة المغرب ويُعاد تصديره إلى أوروبا بوثائق جديدة تخفي منشأه الحقيقي.

المعطى الذي أثار هذه الشكوك لا يقتصر فقط على الحجم الكبير وغير المعتاد من الغازوال المستورد من المغرب، بل يعززه أيضا ما أكدته مؤسسة الاحتياطيات الاستراتيجية للمنتجات البترولية الإسبانية (CORES) من أن هذه الكميات فاقت مجتمعة ما استوردته البلاد من المغرب بين عامي 2021 و2024.

وإذا كانت هذه الأرقام تثير القلق في حد ذاتها، فإن ما يجعل القضية أكثر تعقيدا هو ما كشفته مصادر صناعية إسبانية لصحيفة "إل باييس" الاسبانية من أن جزءا من هذا الغازوال قد يكون من منشأ روسي، رغم استحالة تأكيد ذلك تقنيا بسبب طبيعة المنتج نفسه.

وبخلاف النفط الخام، الذي يمكن تمييز خصائصه بحسب الحقول التي يُستخرج منها، فإن الغازوال منتج متجانس يصعب تتبع مصدره بمجرد أن يتم خلطه أو تخزينه لفترة قصيرة في بلد ثالث، وهو ما يفتح الباب واسعا أمام إمكانية التلاعب بوثائق المنشأ واستخدام المغرب كمنطقة عبور بديلة للالتفاف على العقوبات الأوروبية.

ومنذ دخول حظر المنتجات البترولية الروسية حيز التنفيذ في فبراير 2023 ضمن إطار الرد الأوروبي على غزو أوكرانيا، التزمت دول الاتحاد الأوروبي بشكل صارم بوقف استيراد أي منتجات مشتقة من النفط الروسي، سواء كانت مكررة أو خام، لكن المغرب، الذي لم ينخرط في هذا التوجه، واصل استيراد الغازوال الروسي بشكل طبيعي، وهو أمر لا يمثل خرقا لأي قانون دولي في حد ذاته، لكنه من الناحية التجارية يفتح إمكانية الاستفادة من الأسعار المنخفضة للديزل الروسي ثم إعادة تصديره إلى دول مثل إسبانيا بربح صافٍ، وهو ما تراه مدريد التفافا غير مباشر على العقوبات.

المعطيات التي رصدتها شركة"Vortex"، المختصة في تتبع حركة النقل البحري للطاقة، ووفق الصحيفة الإسبانية تعزز هذه الفرضية، إذ تؤكد أن المغرب استورد خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025 أكثر من مليون طن من الغازوال الروسي، ما يمثل 25% من إجمالي مشترياته خلال تلك الفترة. للمقارنة، كان المغرب قد استورد سنة 2024 نحو 6.5 ملايين طن من الغازوال، لم تتجاوز حصة روسيا منها 9%.

وهذه القفزة اللافتة في الواردات الروسية إلى المغرب، إلى جانب تدفق الصادرات المغربية نحو أوروبا، تطرح أكثر من علامة استفهام بشأن المسارات التي تسلكها هذه المنتجات بعد دخولها الأراضي المغربية، لكن السؤال الجوهري الذي تطرحه الأوساط السياسية والإعلامية في إسبانيا وأوروبا لا يتعلق فقط بالأرقام أو بالفرضيات التقنية، بل يرتبط بغياب مصفاة وطنية مشتغلة في المغرب منذ إغلاق مصفاة "سامير" سنة 2016، وهو ما يجعل من الصعب تبرير استيراد كميات هائلة من الغازوال للاستهلاك المحلي فقط، خصوصا وأن البنية التخزينية بالمملكة لا تكفي لتفسير هذه التحركات الكبيرة.

وهذا الفراغ البنيوي يدعم بقوة الفرضية القائلة بأن جزءا كبيرا من هذه الكميات يتم استيراده بهدف إعادة التصدير، إما مباشرة أو بعد خلطه مع شحنات أخرى، بحيث تُفقد خصائصه الأصلية وتُمنح له وثائق منشأ مغربية تُخفي جذوره الروسية.

وهذه التحركات دفعت وزارة التحول البيئي الإسبانية إلى فتح تحقيقات متكررة منذ مطلع 2023 مع وصول أولى الشحنات المشبوهة من ميناء طنجة المتوسط، دون أن تتمكن لغاية الآن من إثبات وجود صلة مباشرة بين تلك الكميات وروسيا، بسبب غياب الأدلة المخبرية الدقيقة الكفيلة بتحديد مصدر الغازوال، وقد سبق أن أقر خورخي لانزا، المدير العام لشركة Exolum الإسبانية، بأن بلاده تفتقر إلى وسائل تقنية متطورة تسمح بالكشف الدقيق عن منشأ هذا النوع من الوقود، خاصة بعد مروره عبر سلسلة وسطاء في بلدان لا تنخرط في نظام العقوبات.

الملف لم يتوقف عند هذا الحد، بل اتسع ليشمل شبهة انخراط شركات أوروبية في شبكة دولية تعمل على الالتفاف على العقوبات المفروضة على عدد من الدول، وعلى رأسها روسيا وسوريا وإيران. وتُعرف هذه الشبكة إعلاميا باسم "مافيا الغازوال"، حيث يتم شراء وقود بأسعار منخفضة من هذه البلدان ثم يُعاد تصديره عبر بلدان ثالثة مثل تركيا أو المغرب، بعد تزييف وثائق المنشأ، وتبلغ القيمة الإجمالية لهذه التجارة الملتوية نحو 2.04 مليار دولار وفق معطيات رسمية إسبانية، وهذه الشبكة استُهدفت بتحقيقات أمنية وقضائية داخل إسبانيا، وشملت عددا من الشركات التي تبين أنها استفادت من الفارق الكبير في الأسعار بين الوقود الروسي والمشتقات الأوروبية، ما جعلها تحصد أرباحا ضخمة بينما تدّعي احترام العقوبات.

هذا الوضع يضع المغرب في موقف دقيق ومعقد في آن، فمن جهة لا توجد أدلة قاطعة على تورطه المؤسسي في أي نشاط غير مشروع، ومن جهة أخرى فإن أرقام الواردات والصادرات، إلى جانب غياب مصفاة مكررة، تدفع نحو فرضية أن المملكة تحوّلت، بوعي أو من دونه، إلى حلقة وسيطة في شبكة دولية تبيع الوقود الروسي تحت أعلام ومنشآت أخرى.

في هذا الإطار، قال مصدر مسؤول في وزارة الانتقال الطاقي فضّل عدم ذكر اسمه لعدم تخويله الحديث في هذا الملف إنه وفي ما يتعلق بتدفقات المنتجات البترولية نحو بعض الأسواق الأوروبية، "نؤكد أن أنشطة الاستيراد وإعادة التصدير التي تتم عبر التراب المغربي تخضع للقوانين الوطنية الجاري بها العمل، وللضوابط الجمركية والمراقبة التجارية المعمول بها دوليًا".

وأوضح المصدر ذاته، في تصريح خصّ به "الصحيفة" أن "المغرب ليس طرفا في نظام العقوبات الأوروبية على روسيا، وتعامله مع الشركاء الدوليين في قطاع الطاقة يتم في إطار احترام السيادة الاقتصادية والتزامات السوق المفتوحة، دون خرق لأي اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف". مضيفا: "وبالتالي فالمملكة تحتفظ بحقها الكامل في تنويع شركائها ومصادر تزودها بالطاقة حسب منطق السوق، ما دامت جميع العمليات التجارية تتم وفق الأعراف الدولية وتحت مراقبة الأجهزة المختصة".

وشدّد المسؤول على أن المغرب دولة مؤسسات وغير معني تماما بأي تشكيكات إعلامية أو أخبار بهذا الخصوص بالقول: "لسنا في موقع يسمح لنا بتعليق رسمي حول مسارات إعادة التصدير التي تقوم بها الشركات الخاصة، أو حول خلفيات أي تحقيقات أجنبية، لكننا منفتحون على أي تواصل مؤسساتي في هذا الصدد إذا ما طلب منّا ذلك عبر القنوات الرسمية".

ورغم التحفظ الرسمي المغربي، فإن التصاعد المفاجئ في وتيرة صادرات الغازوال نحو إسبانيا، في ظرف زمني وجيز، لا يمكن فصله عن المتغيرات الجيوسياسية التي أعادت تشكيل خريطة التجارة الطاقية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، فبينما تُحاول الدول الأوروبية إغلاق كل الثغرات التي يمكن أن تتسلل منها المنتجات الروسية تحت تسميات وأعلام أخرى، يكشف هذا الملف عن هشاشة منظومة الرقابة العابرة للحدود، خصوصا حين تتقاطع المصالح الاقتصادية بالفراغات القانونية.

من جهته، يتمسك المغرب بموقفه القائم على الحياد التجاري، ويرفض الخضوع لمنظومة عقوبات لا تلزمه قانونيا لكنه في المقابل يجد نفسه، وإن بشكل غير مباشر، وسط شبهات متزايدة تربط بين ارتفاع وارداته من الوقود الروسي وتضخم صادراته الطاقية نحو السوق الأوروبية، وهو ما يضعه أمام معادلة دقيقة تهم الحفاظ على سيادته الاقتصادية من جهة، وتفادي الدخول في دائرة الاتهام السياسي أو الإعلامي من جهة ثانية.

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...