مقترح ويلسون لتصنيف "البوليساريو" منظمة إرهابية.. هل يُعيد إحياء ملفات "الجرائم الإرهابية" للجبهة في موريتانيا وإسبانيا؟
أعاد مقترح القانون الذي تقدم به عضو الكونغرس الأمريكي عن الحزب الجمهوري، جو ويلسون، لتصنيف جبهة البوليساريو منظمة إرهابية أجنبية، فتح النقاش حول الطابع الأمني للكيان الانفصالي، وكذا خلفياته الإقليمية والدولية، خاصة أن البوليساريو تلاحقها العديد من القضايا التي تدخل في إطار "الجرائم الإرهابية" في موريتانيا، وخاصة إسبانيا التي لازالت في بعض محاكمها قضايا قائمة ضد قادة البوليساريو، من بينهم زعيم الجبهة الانفصالية.
في هذا السياق، قال رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، محمد سالم عبد الفتاح إن هذه المبادرة التشريعية الأمريكية الأخيرة تُعتبر لحظة فارقة تعيد الاعتبار للحقائق الميدانية، وتكسر جدار الصمت الذي أحاط طويلا بطبيعة الجبهة وسلوكها الميداني، والذي طالما انزاح عن منطق العمل السياسي إلى منطق التهديد والابتزاز وارتكاب الأفعال العدوانية العابرة للحدود.
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"الصحيفة" أن هذه المبادرة، التي جاءت في سياق تصاعد موجات الإرهاب وعدم الاستقرار في منطقة الساحل، لم تنطلق من فراغ، بل تعكس وعيا متزايدا داخل دوائر القرار الأمريكي بخطورة المشروع الانفصالي، لأدواره المقوضة للأمن والاستقرار في المنطقة العازلة وفي تندوف، ولكن أيضا على الأمن الإقليمي والدولي برمته.
واعتبر عبد الفتاح أن أهمية المقترح الأمريكي تكمن في كونه صيغ داخل الكونغرس الأمريكي، من طرف نائب بارز في لجنة القوات المسلحة، وهو ما يمنحه ثقلا سياسيا ورمزيا كبيرا، ويجعله بداية لمسار تشريعي قد يُفضي مستقبلا إلى إجراءات ملموسة، من قبيل تجميد الأصول، وحظر السفر، والتعاون الاستخباراتي لتتبع أنشطة الجبهة ومصادر تمويلها.
وشدد على أن المبادرة تعد بمثابة دعوة ضمنية لإعادة تقييم السياسات الدولية المتسامحة مع كيان يشتغل بمنطق العصابات المسلحة، وينتهك قواعد القانون الدولي الإنساني، في وقت تحاول فيه الجزائر جاهدة تقديمه كطرف سياسي في المفاوضات، رغم أن الانخراط في العمل المسلح يفقد أي تنظيم صفته التمثيلية ويفرض عليه توصيفات قانونية صارمة.
وأشار رئيس المرصد إلى أن هذه الدينامية الجديدة التي فتحتها المبادرة التشريعية الأمريكية تفرض، بالموازاة معها، العودة إلى ملفات أرشيفية ظلت طي التجاهل أو الإقبار، وخاصة تلك المتعلقة بضحايا أوروبيين، وتحديدا إسبان، ممن سقطوا في عمليات نفذها عناصر من البوليساريو خلال فترات مختلفة.
وتحدث عبد الفتاح عن وقائع تشمل عمليات خطف واحتجاز رهائن وتعذيب وتصفيات لمدنيين عزل، فضلا عن استهداف منشآت مدنية سواء في الأقاليم الجنوبية للمملكة أو داخل التراب الموريتاني أو في المياه الدولية، وكلها موثقة في سجلات التحقيقات، وبعضها لا يزال قائما في ردهات القضاء الإسباني، دون أن يُحسم فيه بشكل نهائي.
وأكد في السياق ذاته أن بعض هذه القضايا تطال أسماء بارزة في قيادة الجبهة، بل وتصل إلى رأس هرمها، حيث سبق أن تم استدعاء زعيم البوليساريو للمثول أمام القضاء الإسباني على خلفية دعاوى تتعلق بالاحتجاز القسري والتعذيب، وهي ملفات مرشحة للعودة إلى الواجهة في ضوء هذا التحول الأمريكي.
واعتبر أن الباب بات مفتوحا أمام إعادة تنشيط هذه الملفات من طرف عائلات الضحايا أو المنظمات الحقوقية، خصوصا وأن الجرائم الإرهابية لا تسقط بالتقادم، والعدالة الدولية تتيح مسارات بديلة في حال عجز القضاء الإسباني عن المضي في المتابعة.
وفي قراءته للتداعيات الرمزية والقانونية للمقترح الأمريكي، أكد عبد الفتاح أن اللحظة الراهنة تشكل فرصة نادرة لإعادة تشكيل الخطاب الحقوقي والقانوني حول البوليساريو، وتفكيك الأسطورة التي تم تسويقها طويلا حول كونها حركة تحرر، في حين أن الوقائع تثبت أنها ميليشيا مسلحة تمارس العنف الممنهج ضد المدنيين.
وأوضح أن هذه الجبهة تحتجز الآلاف في ظروف غير إنسانية فوق التراب الجزائري، دون أن تتمتع بأي وضع قانوني، لا كجيش نظامي ولا كحركة مقاومة، مما يجعلها في خانة التنظيمات غير الحكومية المسلحة الخارجة عن القانون، وهو ما يفرض تصنيفا قانونيا يتلاءم مع طبيعتها الفعلية.
وقال عبد الفتاح إن الزخم الدولي حول المبادرة الأمريكية يخلق مناخا ملائما لدفع عدد من الدول للانخراط بشكل جدي في إمكانية تصنيف الجبهة كجماعة إرهابية، بالنظر إلى خطورتها المتزايدة على أمن المتوسط وأوروبا، وليس فقط على الجوار المغاربي ودول الساحل.
وأكد أن هذا التحول النوعي لا ينبغي أن يُفهم فقط على أنه ربح مغربي آني، بل هو بداية لمرحلة جديدة باتت فيها العلاقة بين الكيانات الانفصالية والإرهاب واضحة للمجتمع الدولي، كما باتت مواجهة التهديدات الأمنية أولوية كبرى لدى مختلف الفاعلين الدوليين.
وخلص رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان إلى التأكيد على ضرورة أن تُواكب الرباط هذا التحول النوعي بتكثيف الجهود الدبلوماسية والقانونية، وتثبيت المكتسبات التي أفرزها في صيغتها التشريعية والقضائية والتنفيذية، حتى لا تظل مجرد مقترحات ظرفية، بل تتحول إلى أدوات ردع قانوني وميداني دائم.
وتجدر الإشارة إلى أن النائب الجمهوري جو ويلسون، أعلن في الأسابيع القليلة الماضية عن تقدمه رسميا، إلى جانب النائب الديمقراطي جيمي بانيتا، بمقترح قانون أمام الكونغرس لتصنيف البوليساريو منظمة إرهابية أجنبية، وهو المقترح الذي أرفقه بوثائق وتقارير تشير إلى تحالفات الجبهة مع إيران وحزب الله، وضلوعها في أعمال تهدد الأمن الإقليمي والدولي، طالت حتى مواطنين أمريكيين.





تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :