بلوان: الخطاب الملكي وجّه "إنذارا ناعما" للطبقة السياسية مفاده أن المسؤولية لا تُختزل في الخطاب بل تُقاس بالفعل الميداني
قال حسن بلوان الخبير في العلوم السياسية وأستاذ العلاقات الدولية، إن الخطاب الملكي أمام البرلمان تضمن رسالة إلى الطبقة السياسية بكل مكوناتها، فرغم إشادته بأداء المؤسسة التشريعية; حمل الخطاب في طياته نقدا ضمنيا للأحزاب والبرلمان والمجتمع المدني ووسائل الإعلام، داعيا إلى تجاوز منطق الركون إلى التبرير واعتماد روح المسؤولية والجدية في تأطير المواطنين والتواصل معهم، في تذكير صريح بأن الثقة لا تُستعاد إلا بالفعل الميداني والالتزام الحقيقي بخدمة الصالح العام.
وأوضح بلوان، في تصريح خصّ به "الصحيفة" أن الخطاب الملكي السامي أمام البرلمان شكل لحظة سياسية ودستورية فارقة، باعتباره مناسبة يخاطب فيها الملك الأمّة من خلال ممثليها، وهو ما يميزها عن الخطابات الأخرى الموجهة مباشرة إلى الشعب والتي تُفتتح عادة بعبارة "شعبي العزيز" حيث أكد أن هذا البعد الدستوري يمنح الخطاب البرلماني رمزية خاصة، إذ يُخاطب من خلاله الملك كل مكونات الأمة عبر المؤسسة التشريعية التي تمثل الإرادة الشعبية.
ولفت بلوان، إلى أن الخطاب الملكي جاء غنيا بالرموز والدلالات والمضامين والتوجيهات، مبرزا أنه حمل لغة مطمئنة للمغاربة الذين انتظروا خطاب الملك في افتتاح السنة التشريعية الخامسة والأخيرة من الولاية البرلمانية الحادية عشرة.
ويرى الخبير في العلوم السياسي، أن هذا البعد النفسي للخطاب يعكس مكانة المؤسسة الملكية داخل النسيج السياسي المغربي، بوصفها التجسيد الأسمى لفكرة "الملكية المواطنة" التي تجعل من القرب من المواطنين والتفاعل مع تطلعاتهم جوهر الممارسة الملكية، كما أشار إلى أن الخطاب الملكي وجّه رسالة واضحة مفادها أن الاستقرار المؤسساتي مستمر، وأن جميع المؤسسات الدستورية تواصل تحمل مسؤولياتها كاملة، خاصة في سنتها الأخيرة، وذلك احتراما للمقتضيات الدستورية وحرصا على انتظام المسار الديمقراطي واحترام مواعيد الاستحقاقات الانتخابية.
وأضاف أن الملك وجّه من خلال خطابه دعوة صريحة إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة عبر صناديق الاقتراع، ما يؤكد أن الثقة تُبنى من خلال الفعل الديمقراطي والمشاركة المواطنة.
من جهة ثانية، أبرز المتحدث، أنه ورغم الإشادة الملكية بما حققه البرلمان من إنجازات على مستوى التشريع والمراقبة وتقييم السياسات العمومية، إلا أن الخطاب تضمّن نقدا ضمنيا للمجلس التشريعي والأحزاب السياسية والمجتمع المدني ووسائل الإعلام، من خلال التذكير بضرورة التحلي بروح المسؤولية والجدية والالتزام بتأطير المواطنين.
وقال إن هذه الإشارة تحمل معنى مزدوجا فهي من جهة اعتراف بالجهود المبذولة في سياق معقد، لكنها من جهة أخرى دعوة إلى تجاوز التقصير والارتقاء في الأداء السياسي والإعلامي والمدني، خاصة في ما يتعلق بالتواصل مع المواطنين ومواكبة انتظاراتهم.
وأكد بلوان أن الخطاب الملكي لم يقتصر على النخبة السياسية، بل توجه إلى مختلف فئات الشعب المغربي، وبشكل خاص إلى الفئات الشابة، التي دعاها الملك إلى الانخراط في بناء "المغرب الصاعد" والاستفادة من الفرص التنموية التي تتيحها الأوراش الكبرى والمشاريع الاقتصادية المهيكلة.
وشدد على أن الشباب المغربي اليوم مدعو ليس فقط إلى التعبير عن مطالبه، بل إلى المشاركة الفعلية في التنمية والمبادرة والابتكار، في انسجام مع رؤية ملكية تؤمن بأن صعود المغرب لا يتحقق إلا بجهود أبنائه وبمواطنة فاعلة ومسؤولة.
وفي المحور الاجتماعي، لفت بلوان إلى أن الخطاب حمل دعوة قوية إلى إصلاحات جذرية في قطاعي التعليم والصحة، باعتبارهما من أكبر انتظارات المواطنين، ومن أهم ركائز الدولة الاجتماعية وقال إن الملك شدد على ضرورة إرساء تنمية محلية فعالة لا تسامح فيها مع هدر الوقت والجهد أو عرقلة الاستثمار، وهي رسالة صريحة إلى الحكومة ومختلف الفاعلين بأن الإصلاح لا يمكن أن يتأجل، وأن تحسين جودة الخدمات العمومية أصبح شرطا للاستقرار الاجتماعي وثقة المواطنين في مؤسساتهم.
وتوقف الخبير في العلوم السياسية عند العمق الاجتماعي للخطاب الملكي، مؤكداً أن الملك خصص حيزا مهما لمفهوم العدالة الاجتماعية في إطار الدولة الاجتماعية، وربطها عضويا بالعدالة المجالية إذ لا يمكن لأي عدالة اجتماعية أن تتحقق دون توازن مجالي يضع القرى والمراكز القروية في صلب التنمية الوطنية.
وأوضح المتحدث، أن هذه الدعوة تعكس وعيا ملكيا متقدما بأن الفوارق الترابية تشكل أحد أبرز تحديات المغرب الصاعد، وأن تجاوزها يمر عبر سياسات عمومية تُمكّن العالم القروي من البنيات التحتية والخدمات الأساسية وفرص التشغيل والإنتاج.
ويرى الخبير في العلاقات الدولية أن الخطاب الملكي لم يقتصر على البعد الداخلي فقط، بل جسد كذلك رؤية شمولية لموقع المغرب في العالم، معتبرا أن "المغرب الصاعد" رؤية ملكية طموحة وأفق استراتيجي يتحقق عبر منجزات الدبلوماسية المغربية في الخارج وخاصة في ما يتعلق بقضية الوحدة الترابية التي تظل في صدارة الأولويات الوطنية.
ويضيف أن هذه الرؤية تتكامل داخلياً مع الأوراش الكبرى والبرامج التنموية الجديدة التي تم إطلاقها في خطابات سابقة، خصوصا خطاب عيد العرش، بما يبرز استمرارية المشروع الإصلاحي الملكي وتطوره ضمن رؤية متكاملة تشمل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية.
ويخلص بلوان إلى أن الخطاب الملكي في افتتاح الدورة التشريعية لم يكن مجرد خطاب بروتوكولي، بل وثيقة توجيهية شاملة أعادت تحديد أولويات المرحلة المقبلة فهي استمرار المؤسسات في أداء مهامها، ترسيخ مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، الدعوة إلى إصلاحات اجتماعية عميقة، وتحقيق عدالة مجالية تضمن التكامل بين المدن والقرى، مع إشراك الشباب في مسار بناء "المغرب الصاعد".
ويرى بلوان أن هذه المضامين تعكس وضوح الرؤية الملكية في مواجهة التحديات الراهنة، وتؤكد أن التحول المنشود لن يتحقق إلا بالجدية والمحاسبة والعمل الميداني.




