المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة: ميزانية 2026 تعتمد تجاوز النموذج التنموي التقليدي عبر توجيه الاستثمارات إلى الجهات وفق خصوصياتها

 المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة: ميزانية 2026 تعتمد تجاوز النموذج التنموي التقليدي عبر توجيه الاستثمارات إلى الجهات وفق خصوصياتها
الصحيفة - خولة اجعيفري
السبت 25 أكتوبر 2025 - 21:23

تكشف المقارنة بين قانوني المالية لسنتي 2025 و2026 انتقال المغرب من ميزانية تحمي التوازنات وقدرة الأسر في ظل اضطراب خارجي، إلى ميزانية توسّع الاستثمار وتدفع نحو العدالة المجالية، فبينما كان مشروع 2025 منشغلا بإطفاء حرائق الظرفية الدولية، يحاول مشروع 2026 إعادة رسم خرائط التنمية عبر المجال، والمراهنة على رفع الموارد وتوجيه الدعم المباشر وتكثيف الاستثمار العمومي.

ويمثّل مشروع قانون المالية في المغرب الوثيقة المركزية التي تعكس توجهات الدولة ورؤيتها الاستراتيجية تجاه الاقتصاد والمجتمع والمجال الترابي. ومن خلال المقارنة بين مشروع قانون المالية لسنة 2025 ونظيره لسنة 2026، التي بادرت إليها ورقة تحليلية للمركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة، تتبدّى معالم تحوّل واضح في الفلسفة المالية للدولة، من أولوية تثبيت التوازنات وإنقاذ القدرة الشرائية في سياق دولي ملبّد بالأزمات إلى أولوية تحقيق العدالة المجالية والهندسة الترابية في سياق استقرار نسبي يسمح بتحريك استثمارات أكبر وتوسيع دوائر الإصلاح. 

ففي الوقت الذي جاء فيه مشروع 2025 في ظرفية تميّزت بارتفاع الأسعار العالمية وتباطؤ النمو لدى الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين للمغرب ما اضطر الحكومة إلى تبني مقاربة مالية متحفظة تُحافظ على التوازنات الماكرو-اقتصادية دون التفريط في الالتزامات الاجتماعية الكبرى  جاء مشروع سنة 2026 لينطلق من أرضية أكثر ثباتا وفق تقديرات الورقة التحليلية بفضل تحسن المؤشرات الاقتصادية وارتفاع الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 43.4% حتى غشت 2025، وتنامي عائدات السياحة بنسبة 14.3% خلال الفترة نفسها، إضافة إلى مرونة الطلب الداخلي وازدهار القطاعات غير الزراعية التي أصبحت تستحوذ على الجزء الأكبر من محركات النمو، وهو ما مكّن الحكومة من رفع سقف الطموح والتحرّك في اتجاه تقليص العجز وتعزيز الاستثمار العمومي والخاص.

ويحافظ مشروع 2026، وفق المصدر ذاته على فرضيات اقتصاد كلي مماثلة لتلك المعتمدة في 2025، مثل تحديد محصول الحبوب في 70 مليون قنطار، وتقدير سعر غاز البوتان بـ500 دولار للطن الواحد، وهي فرضيات تعكس واقعية في التقدير وحذرا في قراءة تقلبات الأسواق الدولية، ويُنتظر أن يبلغ معدل النمو الاقتصادي 4.6% وفق تقديرات وزارة المالية التي استحضرت السياق الدولي الذي يطبعه اللايقين، ما يؤكد صمود الاقتصاد الوطني وقدرته على امتصاص الصدمات وربما يكمن أهم اختلاف بين المشروعين في توجيه الإنفاق العمومي:

ففي حين ركّز مشروع 2025 بشكل أساسي على دعم الفئات الهشة وتوسيع قاعدة المستفيدين من التأمين الإجباري عن المرض، يذهب مشروع 2026 إلى تعميم السجل الاجتماعي الموحد وتوجيه الدعم المباشر إلى أكثر من 4 ملايين أسرة، مع توسعة منظومة التأمين الصحي لتصل إلى تغطية 88% من السكان، إلى جانب دعم القدرة الشرائية والاستمرار في مواجهة آثار الأزمات المناخية والعكسات الاقتصادية للكوارث الطبيعية.

وعلى مستوى النفقات العامة، ترتفع الميزانية الإجمالية للدولة إلى حوالي 761 مليار درهم في 2026 مقابل 721 مليار درهم في 2025، أي بزيادة قدرها 5.5%، ويخصص منها ما يقارب 347 مليار درهم للنفقات الجارية المتعلقة بالأجور والمشتريات والنفقات الإدارية. كما يرتفع الاستثمار العمومي من 340 مليار درهم إلى 380 مليار درهم في 2026 بزيادة 6%، وهو ما يعكس استمرار الدولة في تنفيذ مشاريع كبرى في مجالات الطاقة والبنى التحتية والنقل والرقمنة، عبر رافعات مالية استراتيجية مثل صندوق محمد السادس للاستثمار الذي يتمتع بتمويل يبلغ 45 مليار درهم، فيما يوزّع الحجم الإجمالي للاستثمار العمومي البالغ 380 مليار درهم بين 179.7 مليار درهم للمؤسسات والمقاولات العمومية، و132.8 مليار درهم للميزانية العامة وحسابات الخزينة، و22.5 مليار درهم للجماعات الترابية.

ومن جهة الموارد، يرتفع مجموع الإيرادات إلى 713 مليار درهم بزيادة 8.3%، وتعتمد الميزانية على النظام الضريبي بنسبة 79% من المداخيل، مع زيادة في الإيرادات الضريبية بنسبة 14.2% بفضل الإصلاحات الجبائية وتحسّن الأداء الاقتصادي. وقد ارتفعت الإيرادات المتوقعة من 369 مليار درهم في قانون مالية 2025 إلى 421 مليار درهم في مشروع قانون 2026 بنسبة نمو تبلغ 14.3%. وتعكس هذه الأرقام قدرة الدولة على التحكم في عجز الميزانية الذي تم تقليصه إلى حدود 3% من الناتج الداخلي الخام، عبر توازن بين ارتفاع الموارد (+8.3%) وارتفاع النفقات (+5.5%).

أما في الشق الجبائي، فيواصل مشروع 2026 تنزيل القانون الإطار 69-19 الرامي إلى تحقيق العدالة الضريبية وتحسين تنافسية الاقتصاد الوطني ويشمل ذلك توحيد معدلات الضريبة على الشركات مع تخفيضات تدريجية لصالح المقاولات الصغيرة والمتوسطة، وتعديل تدريجي لضريبة القيمة المضافة نحو معدلين رئيسيين (10% و20%)، مع تعميم الإعفاء على السلع الأساسية، وتوسيع نطاق الضريبة المقتطعة عند المصدر لتشمل مؤسسات الائتمان وشركات التأمين والمقاولات التي يفوق رقم معاملاتها 50 مليون درهم، إضافة إلى توسيع الاقتطاع على المداخيل العقارية ليشمل الشركات والأشخاص الخاضعين للضريبة المهنية. 

كما يتم تقليص النفقات الضريبية غير الفعّالة عبر حذف مقتضيات استثنائية غير متوافقة مع المعايير الدولية، وتوضيح النظام الضريبي الخاص بمؤسسات التوظيف الجماعي في القيم المنقولة لتفادي الأرباح غير الخاضعة للضريبة. وإلى جانب ذلك، يرسّخ المشروع مفهوم “الحق في الخطأ” من خلال السماح بالتصحيح الطوعي للتصريحات واسترجاع المبالغ المؤداة الزائدة، كما يُلزم بالتصريح عن عمليات تدوير النفايات ويفرض رسماً إضافياً بنسبة 2% في حالة عدم تتبع الأداءات المالية العقارية عبر القنوات الرسمية، ويمدّد العمل بالمساهمة الاجتماعية للتضامن حتى سنة 2028 بنسبة تصاعدية بين 1.5 و5%.

ويستمر دعم الجماعات الترابية عبر رفع حصتها من الضريبة على القيمة المضافة من 30% إلى 32%، ما يمنحها قدرة مالية أكبر لمواكبة الجهوية المتقدمة وتقليص الفوارق المجالية ويؤكد مشروع 2026 تحوّل الدولة نحو دعم الاستثمار المنتج عبر إعفاء الشركات الرياضية من الضريبة على الشركات لمدة خمس سنوات، وإقرار خصم التبرعات المقدّمة لها في حدود 10% من الأرباح الخاضعة للضريبة (بحد أقصى خمسة ملايين درهم)، وتخفيض تدريجي للضريبة على دخل الرياضيين من 90% سنة 2026 إلى 60% سنة 2029، وهو ما يعكس اتجاه الدولة نحو هيكلة قطاعات ذات قيمة مضافة غير تقليدية.

ويرتكز المشروع أيضاً على بعد اجتماعي قوي يضع التعليم والصحة في صدارة الأولويات عبر رفع ميزانيتهما بأكثر من 8% مقارنة بالسنة السابقة، وتحسين البنى التحتية وتعزيز خدمات الرعاية والتغطية الصحية الشاملة، وتطوير نظام التعويض عن فقدان الشغل، ومواصلة برامج إعادة الإعمار للمتضررين من الكوارث الطبيعية، وترقية السكن وتحسين جودة الحياة خاصة في المناطق الجبلية والريفية كما تستمر الدولة في دعم القدرة الشرائية للمواطنين واستهداف الأسر والجهات الأكثر هشاشة، وتعزيز المساواة ودعم الجالية المغربية بالخارج، وتحسين الخدمات الاجتماعية الأساسية.

ووفق المصدر ذاته، يعطي مشروع 2026 للتنمية الترابية المتكاملة مكانة محورية، مستلهما الرؤية الملكية الرامية إلى تجاوز النموذج التنموي التقليدي عبر توجيه الاستثمارات إلى الجهات وفق خصوصياتها، وتعزيز فرص الشغل محليًا، وتحسين جودة التمدرس والصحة، وتبني إدارة مستدامة للماء في ظل ندرتها، وحماية المناطق الساحلية عبر تفعيل القوانين الوطنية واستثمار مؤهلاتها ضمن اقتصاد بحري قادر على خلق الثروة والشغل ويتقاطع ذلك مع تسريع ورش اللاتمركز الإداري ورقمنة المرافق العمومية وتحسين الحوكمة عبر مراجعة قواعد المحاسبة الإلكترونية وتوحيد رسوم التسجيل الخاصة بالصفقات العمومية وتحديث منظومة الحكامة الضريبية والميزانياتية، وتعزيز استقلال القضاء وإنشاء محاكم متخصصة وتحسين الخدمات الرقمية.

ويبرز المشروع إحداث مناصب مالية جديدة على مستوى التعليم والصحة والأمن والإدارة الترابية استجابة لاحتياجات الدولة الاجتماعية، مع إصلاح الوظيفة العمومية وربط التشغيل بالكفاءة والمردودية، وتفعيل تطوير التكوين والمهارات الرقمية ضمن الجامعات والمعاهد العليا كما تشمل الاستدامة المالية تعزيز الانضباط الميزانياتي عبر إدماج المؤسسات والمقاولات العمومية ضمن الإطار القانوني وتوحيد معايير الرقابة البرلمانية وتوظيف التمويلات الخارجية بشكل فعّال عبر شراكات مع البنك الدولي والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.

ومن خلال قراءة شاملة، تعتبر الورقة التحليلية أن مشروع قانون المالية لسنة 2025 مثّل مرحلة تثبيت الدولة الاجتماعية وتدعيم منظومة الحماية، بينما يمثّل مشروع 2026 انتقالا إلى مرحلة جديدة تقوم على العدالة المجالية وهندسة التنمية عبر المجال، في انسجام مع النموذج التنموي الجديد، مؤكدة أنه تحوّل من دولة تموّل مباشرة إلى دولة تُحفّز وتنسّق وتُعيد توزيع التنمية بين الجهات، ويجسر الهوّة بين الإنسان والمجال، ويجعل الميزانية أداة للبناء الترابي لا مجرد أداة محاسبية.

ما يجب قوله للإسبان في مدريد؟

في الوقت الذي تعقد فيه الحكومة الإسبانية ونظيرتها المغربية، اليوم الخميس، بمدريد الدورة الثالثة عشرة من الاجتماع الرفيع المستوى، مع ما يعكس ذلك من تطور كبير في العلاقات الثنائية بين ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...