تضليل في الإعلام الجزائري.. صور من "ولاية العيون" بمخيمات تندوف جنوب الجزائر تُقدَّم على أنها احتجاجات بمدن الصحراء المغربية
ضجّت منصات إعلامية جزائرية وصفحات محسوبة على جبهة البوليساريو منذ الساعات الأولى لصباح اليوم الاثنين بخبر عاجل يفيد باندلاع مظاهرات شعبية واسعة في مدينة العيون، وفي مختلف المدن التي تصفها تلك المنابر بـ"المناطق المحتلة"، رفضًا لما أسمته مشروع الحكم الذاتي المغربي المعتمد في مسودة مشروع القرار الأميركي لمجلس الأمن حول الصحراء.
غير أن التدقيق في مصادر الصور والمقاطع المصاحبة لتلك المشاهد يُظهر بوضوح أن ما تم ترويجه لا يمت بصلة إلى مدينة العيون المغربية، بل صُوِّر داخل مخيمات تندوف الواقعة فوق التراب الجزائري، حيث خيام الصحراويين تُدار تحت إشراف قيادة جبهة البوليساريو الانفضالية وبدعم مباشر من النظام الجزائري.
الخلط المتعمّد بين المكانين لم يكن عفويا، بل يعكس أسلوبا مألوفا في الدعاية التي تحاول الآلة الإعلامية الجزائرية من خلالها صناعة صورة ميدانية زائفة توحي بوجود حراك شعبي في مدن الأقاليم الجنوبية للمغرب، فبينما تُصنّف تندوف ضمن ما تسمّيه منظومة البوليساريو بـ"ولاية العيون" أو "ولاية السمارة" أو "ولاية بوجدور"، يسعى الإعلام الموالي لها إلى توظيف هذه التسميات لتمويه المتلقي وإيهامه بأن ما يجري في التراب الجزائري يحدث داخل التراب المغربي.
وتُظهر مراجعة المقاطع المصورة أن اللافتات والشعارات المرفوعة مكرّرة على الدوام، وهي نفسها التي دأبت الجبهة على استخدامها في كل مناسبة تتعلق بمناقشة ملف الصحراء في مجلس الأمن، فاللافتات مكتوبة بخط واحد وتحمل شعارات نمطية لا تتغير، ما يؤكد أن هذه "الاحتجاجات" لم تكن تلقائية أو عفوية كما حاول الإعلام الجزائري تصويرها، بل كانت تحركا منسقا من قيادة الجبهة لاستباق مشروع القرار الأميركي وإظهار ما تسميه رفضا شعبيا لمبادرة الحكم الذاتي.
ويأتي نشر هذه المغالطات المتعلقة باحتجاجات تندوف في توقيت يسبق مناقشة مجلس الأمن لمشروع القرار الأميركي حول الصحراء، والذي يتجه، حسب التقديرات الأولية، إلى تجديد التأكيد على دعم الحل السياسي الواقعي والبناء على مبادرة الحكم الذاتي، حيث تحاول الجزائر، عبر تحريك إعلامها، الضغط على الرأي العام الدولي وإيهام المتابعين بوجود رفض داخلي لمقترح الحكم الذاتي.
ومع اقتراب موعد جلسة مجلس الأمن المخصصة لبحث مستجدات قضية الصحراء، يتجه الملف نحو مرحلة جديدة تتسم بتصاعد المؤشرات الإيجابية، وترسخ قناعة دولية متزايدة بضرورة الحسم.
ورغم الجدل المحيط بتسريبات مسودة مشروع القرار الأممي المرتقب، تشير المعطيات المتوفرة إلى أن النص المنتظر صدوره أواخر أكتوبر سيحمل طابعا استثنائيا، ويكرّس تحوّلا نوعيًا في مقاربة الأمم المتحدة للقضية، من خلال تثبيت شرعية السيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية، وترسيخ مبادرة الحكم الذاتي كخيار وحيد واقعي ومتوافق عليه لإنهاء النزاع المفتعل، وهو ما دفع قيادة الجبهة الانفصالية إلى دفع المحتجزين نحو الاحتجاجات الرافضة للمبادرة المغربية.
وفي هذا السياق، قال البشير الدخيل، القيادي السابق في جبهة البوليساريو ورئيس معهد منتدى البدائل للدراسات الصحراوية - الأندلس، إن البوليساريو "تبكي اليوم على كراسيها في الحمادة"، في وقت يؤكد فيه المجتمع الدولي على أولوية الحل الواقعي، وهو ما يتجسد في مقترح الحكم الذاتي الذي قدّمه المغرب سنة 2007، ويستند إليه اليوم مشروع القرار الأميركي الجديد الموزّع على أعضاء مجلس الأمن، والذي يصف المبادرة المغربية بأنها الحل الأكثر جدية وواقعية ومصداقية.
وأضاف الدخيل في تصريح خص به "الصحيفة"، أن أكثر من نصف الساكنة الصحراوية توجد داخل الأقاليم الجنوبية في مدن العيون والسمارة والداخلة، وهي فئة تمارس حياتها السياسية بشكل طبيعي وتشارك في الانتخابات المحلية والوطنية من خلال برلمانيين ورؤساء جماعات منتخبين ديمقراطيًا، متسائلًا: "ما موقعنا إذن في هذه المعادلة؟ أليس هؤلاء من يمثلون فعليًا الصحراويين؟".
وأشار الدخيل إلى أن قيادات البوليساريو لا تزال أسيرة فكر السبعينيات والثمانينيات، وتخضع لإمرة النظام الجزائري الذي يوظف الجبهة كورقة تفاوضية لا أكثر، مضيفًا أن البيان الأخير لم يحمل أي مؤشرات على رغبة حقيقية في التغيير أو فتح مسار جديد للحل.
وأكد المتحدث أن الجزائر، إن كانت تتحدث باسم جزء من الصحراويين في مخيمات تندوف، فإن المغرب يحتضن داخل أقاليمه الجنوبية أكثر من 70% من الصحراويين الذين يمارسون حياتهم بحرية ويعبّرون عن اختياراتهم السياسية ضمن مؤسسات وطنية منفتحة، معتبرًا أن هذا الواقع وحده يكشف من يمثل فعليًا الصحراويين ومن يتحدث باسمهم.




