أحد مؤسسي "البوليساريو" وسفيرها السابق في ليبيا وسوريا.. نور الدين بلالي في حوار مع "الصحيفة": قيادة الجبهة حولت عقول اللاجئين إلى مخزون من الأوهام

 أحد مؤسسي "البوليساريو" وسفيرها السابق في ليبيا وسوريا.. نور الدين بلالي في حوار مع "الصحيفة": قيادة الجبهة حولت عقول اللاجئين إلى مخزون من الأوهام
حاوره - إسماعيل بويعقوبي
الثلاثاء 4 نونبر 2025 - 18:00

في مطلع السبعينات، كانت الزويرات الموريتانية على موعد مع منعطف حاسم سيغير وجه المنطقة لعقود، هناك، وُلدت فكرة "الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء" ووادي الذهب، المعروفة لاحقا باسم البوليساريو، بين أولئك الشباب الذين رفعوا السلاح في وجه الاستعمار الإسباني، كان اسم نور الدين بلالي الإدريسي، ابن مدينة السمارة المولود سنة 1952، أحد أبرز الوجوه التي ستطبع لاحقا مسار القضية الصحراوية من داخلها ثم من موقع مختلف تماما في المغرب.

تلقى بلالي تعليمه الأولي على يد فقهاء الصحراء قبل أن يلتحق بـمعهد بوتلميت الإسلامي في موريتانيا، ليبدأ مسارا نضاليا مبكرا ضد الوجود الإسباني في الأقاليم الجنوبية، مشاركا في مظاهرات سنة 1968، ثم في انتفاضة العيون يوم 17 يونيو 1970 حيث ألقى كلمة باسم قائد المنظمة الطليعية الفقيد سيد إبراهيم بصيري، وفي 10 ماي 1973، كان من بين المؤسسين الأوائل لجبهة البوليساريو بمدينة الزويرات، ضمن مجموعة من الشباب الذين رأوا أن الكفاح المسلح هو السبيل لطرد المستعمر الإسباني من الصحراء.

تقلد بلالي لاحقا مناصب عدة داخل الجبهة، من "سفير" للبوليساريو في ليبيا بين 1975 و1983، إلى "سفير غير مقيم لدى تشاد"، ثم "سفير لدى سوريا" ورئيس "قسم المشرق العربي"، كما شارك ضمن وفد الجبهة في لقاء الطائف بالسعودية سنة 1988 الذي جمع ممثلين عن المغرب والبوليساريو، وهي السنة نفسها التي شهدت انتفاضة داخل مخيمات تندوف ضد القيادة التي وصفها بلالي بـ"الديكتاتورية القهرية"، مطالبا رفقة آخرين بإنهاء مأساة اللاجئين.

مع تلك الانتفاضة، بدأ التحول في فكر بلالي، خاصة بعد أن تزامنت مع موجة من النزعة نحو الوحدة الدولية الكبرى آنذاك، كـالوحدة اليمنية، ووحدة الألمانيتين، وتجربة البيرسترويكا في روسيا، وبداية تشكل الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى اجتماع زرالدة في الجزائر الذي كان بمثابة لقاء تحضيري لـقمة مراكش التأسيسية لاتحاد المغرب العربي.

يقول بلالي إن تلك المرحلة طبعتها "روح الوحدة"، فقرر سنة 1989 العودة إلى أرض الوطن، تلبية لنداء الراحل الملك الحسن الثاني: “إن الوطن غفور رحيم”. بعد عودته، عُيّن في 17 سبتمبر 1990 مستشارا بوزارة الخارجية والتعاون، ثم أصبح عضوا بالمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، مشاركاً في الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة في مختلف المحافل الدولية.

في هذا الحوار الخاص مع "الصحيفة"، يتحدث نورالدين بلالي الإدريسي عن تجربته داخل البوليساريو، وعن تحولات الموقف المغربي، وقراءة شخصية لقرار مجلس الأمن رقم 2797 (2025) الذي جدّد التأكيد على أن الحكم الذاتي هو أساس الحل الواقعي للنزاع.

تاريخي مرتبط بمدينة السمارة التي وُلدت فيها سنة 1952، درست في الكتاتيب على يد فقهاء الصحراء ثم بمعهد بوتلميت الإسلامي، في سنة 1968 شاركت في مظاهرات ضد الاستعمار الإسباني، وبعدها كنت من بين الشباب الذين خرجوا في انتفاضة العيون يوم 17 يونيو سنة 1970، وألقيت فيها كلمة باسم الفقيد سيد إبراهيم بصيري.

في العاشر من ماي سنة 1973 كنا مجموعة من الشباب اجتمعنا في مدينة الزويرات بموريتانيا لتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب "البوليساريو" ضد الاستعمار الإسباني، ولم يكن الهدف موجها ضد المغرب أبدا، بل لطرد المستعمر، قاتلنا ضد الإسبان، وكان لنا دور أساسي في طردهم من الإقليم.

العامل الحاسم كان انتفاضة سنة 1988 داخل مخيمات تندوف ضد القيادة المتسلطة التي تحولت من ثوار بسطاء إلى حكام مستبدين يعتقلون الأصوات المعارضة، في تلك الفترة، كان العالم يعيش موجة من الوحدة والتكتلات، كالوحدة اليمنية ووحدة الألمانيتين وتجربة البيرسترويكا وبداية الاتحاد الأوروبي، واجتماع زرالدة في الجزائر الذي سبق قمة مراكش التي أسست اتحاد المغرب العربي.

كانت روح الوحدة تطغى، وكنا لا نريد أن نطيل شقاء أهلنا في الحمادة، بل نريد اختصار الزمن وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، في تلك الأجواء، قررت العودة إلى الوطن سنة 1989 تلبية لنداء الحسن الثاني “إن الوطن غفور رحيم”. بعد عودتي، تم تعييني مستشارا بوزارة الخارجية سنة 1990، ثم عضواً في المجلس الملكي الاستشاري الخاص بالشؤون الصحراوية.

بدون شك، الخطاب الذي اعتمدته قيادة البوليساريو على مدى خمسين سنة حوّل عقول الناس إلى مخزون من الأوهام، لقد تم حشو أدمغة اللاجئين بمجموعة من الأطروحات والأفكار المغلوطة.

أقولها بوضوح: البضاعة الفاسدة لا يجب أن توضع بجانب البضاعة السليمة، فالقيادة التي بدأت بثوار ملتصقين بالقاعدة الشعبية تحولت تدريجيا إلى سلطة قهرية لا تسمح بحرية التعبير، بل تعتقل المعارضين داخل المخيمات من دون قانون، وهو ما دفع الناس إلى الثورة ضدها.

في البداية كانت العلاقة طبيعية، لأن الجميع كان يعيش على هدف مشترك هو طرد المستعمر الإسباني، لكن بعد خروج الإسبان، بدأت الانقسامات، وتحولت القيادة إلى جهاز بيروقراطي متسلط يعيش على الامتيازات، اليوم، الأصوات الحرة موجودة لكنها محاصرة، من يجرؤ على الاعتراض يُزج به في السجن أو يُنفى، لذلك انتفاضة 1988 كانت لحظة وعي جماعي لدى الكثيرين بأن الوضع لا يمكن أن يستمر بهذا الشكل.

لا شك أن هذا القرار يمنح المغرب رافعة قوية لتعزيز موقفه الدبلوماسي، ويؤكد أن مبادرة الحكم الذاتي هي أرضية جدية للحل، لكن كل طرف يقرأ القرار بطريقته، فهو جمع بين الإشارة إلى الحكم الذاتي وبين مبدأ تقرير المصير الذي تتمسك به الجبهة.

ما يهم هو أن القرار يفتح أفقا جديدا للحوار وللتغيير، ويعزز موقع المغرب على الساحة الدولية، وربما يمهد لاعترافات أخرى بمغربية الصحراء، صحيح أن الطريق ما يزال طويلاً، لكنها بداية حسنة.

لقد شاهدنا تجاوبا شعبيا واسعا من طنجة إلى الكويرة مع القرار، خصوصا وأنه نص على اعتبار الحكم الذاتي أساسا لحل واقعي ودائم للنزاع، كما أن خطاب الملك بعد صدور القرار كان في منتهى الحكمة، إذ وجّه نداء إلى الجزائر لإعادة العلاقات وفتح صفحة جديدة، ووجّه أيضا رسالة طمأنة إلى الصحراويين، بأنهم سواسية سواء من عاد إلى الوطن أو من بقي في الأقاليم الجنوبية.

ما يهمنا في القرار هو ما يعزز موقف المغرب، أي الحوار على أرضية الحكم الذاتي، أما الطرف الآخر، أي البوليساريو والجزائر، فيعتبره استمرارا لمبدأ تقرير المصير. في جميع الأحوال، القرار يشكل رافعة سياسية للمملكة.

الجزائر غابت عن التصويت، والبوليساريو عبّرت عن رفضها الجلوس إلى طاولة المفاوضات خارج إطار قرارات الأمم المتحدة، لكن هذا التعنت يمكن أن يلين أمام ضغوط القوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة التي تملك مفاتيح الحل.

المغرب، كما قال الملك، سيقدّم تفسيرا وتفصيلا لمبادرة الحكم الذاتي، وهذا سيكون حاسما لأنه سينفي كل المزاعم التي تقول إن الحكم الذاتي بلا مضمون، المغرب قادر على تقديم نموذج حقيقي للحكم الذاتي يضمن تسيير شؤون الساكنة ويحل مشاكلهم ضمن السيادة الوطنية.

أقول إن هذا الصراع طال أمده كثيرا، واستنزف طاقات مادية وبشرية ضخمة على مدى خمسين سنة، لذا حان الوقت لأن ترتفع جميع الأطراف إلى مستوى المسؤولية وأن تبحث بصدق عن حل ينهي المأساة.

وأوجه أيضاً رسالة إلى القوى السياسية المغربية بأن النقاش حول تعميم الجهوية الموسعة في باقي مناطق البلاد يجب أن يُؤجَّل الآن، لأن الأولوية يجب أن تُعطى لتنزيل الحكم الذاتي الحقيقي في الصحراء، حتى يُغلق هذا الملف نهائيا وتبدأ مرحلة التنمية والاستقرار.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

ما يجب قوله للإسبان في مدريد؟

في الوقت الذي تعقد فيه الحكومة الإسبانية ونظيرتها المغربية، اليوم الخميس، بمدريد الدورة الثالثة عشرة من الاجتماع الرفيع المستوى، مع ما يعكس ذلك من تطور كبير في العلاقات الثنائية بين ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...