دوافع الولايات المتحدة الحقيقية للهجوم على فنزويلا.. خلفية الضغط الأقصى لترامب في عام 2025
في نوفمبر 2025، تحول بحر الكاريبي إلى مسرح للتوترات العسكرية؛ حيث قامت الولايات المتحدة بنشر أكثر من عشرة آلاف جندي بحري وجوي، وشن هجمات جوية على قوارب مشتبه بها في تهريب المخدرات، وزيادة مكافأة اعتقال نيكولاس مادورو إلى 50 مليون دولار، مما وضع فنزويلا عمليًا على حافة هجوم شامل.
تصف حكومة دونالد ترامب هذه الإجراءات كجزء من الحرب ضد الإرهاب والمخدرات، وتتهم مادورو بقيادة كارتل دي لوس سوليس [1]، شبكة مزعومة من المسؤولين الفنزويليين المتورطين في تهريب الكوكايين.
لكن خلف هذه السردية الرسمية، لا تتلخص الدوافع الحقيقية لأمريكا في مكافحة المخدرات فحسب، بل تكمن جذورها في المصالح الاقتصادية والجيوسياسية والأيديولوجية التي لها تاريخ يمتد لعقود، وقد بلغت ذروتها الآن مع عودة ترامب إلى السلطة. يمكن لهذه الدوافع، التي غالبًا ما تختبئ خلف ادعاءات حقوق الإنسان، أن تعطل استقرار أمريكا اللاتينية لسنوات، وتشمل الولايات المتحدة في مغامرة مكلفة.
الدافع الرئيسي وربما الأكثر وضوحًا هو السيطرة على موارد النفط الهائلة في فنزويلا. تمتلك هذه الدولة أكبر احتياطيات نفطية مثبتة في العالم، تزيد عن 300 مليار برميل، وقد كانت دائمًا في مركز اهتمام شركات الطاقة الأمريكية.
منذ عقد الـ1920، سيطرت عمالقة مثل إكسون موبيل وشيفرون على الجزء الأكبر من صناعة النفط في فنزويلا، لكن التأميمات التي قام بها هوغو تشافيز في عام 2007 تحدت هذه المصالح وطردت الشركات الأمريكية من المشاريع الرئيسية. أدت العقوبات الأمريكية منذ عام 2019، التي قطعت تصدير النفط الفنزويلي إلى الولايات المتحدة، إلى انخفاض الإنتاج اليومي من ثلاثة ملايين برميل إلى أقل من 400 ألف برميل، مما شل اقتصاد كاراكاس.
يرى ترامب، الذي طبق الضغط الأقصى ضد مادورو في ولايته الأولى، الآن مع عودته إلى البيت الأبيض، فرصة لإعادة السيطرة على حقول النفط. يعتقد محللو الاقتصاد أن الهجوم العسكري يمكن أن يؤدي إلى تغيير النظام ويسهل عقودًا جديدة مع الشركات الأمريكية، خاصة في ظل التقلبات العالمية في الطاقة الناتجة عن حرب أوكرانيا والتوترات في الشرق الأوسط، التي رفعت أسعار النفط إلى أكثر من 90 دولارًا للبرميل.
لا يساعد هذا الدافع الاقتصادي في توفير طاقة رخيصة لأمريكا فحسب، بل يمكن أن يقلل من اعتماد واشنطن على نفط الشرق الأوسط ويجلب أرباحًا هائلة للوبيات الطاقة في الولايات المتحدة.
بالإضافة إلى النفط، يلعب الدافع الجيوسياسي دورًا رئيسيًا في منع نفوذ المنافسين العالميين، خاصة الصين وروسيا وإيران. تحولت فنزويلا تحت قيادة مادورو إلى قاعدة رئيسية لمحور المقاومة المعادي لأمريكا في النصف الغربي من الكرة الأرضية؛ حيث نشرت روسيا صواريخ مضادة للطائرات ورادارات متقدمة، وقامت الصين بقروض واستثمارات تزيد عن 60 مليار دولار، وتتجاوز إيران عقوبات أمريكا بإرسال البنزين والتعاون العسكري.
يرى ترامب هذا التحالف تهديدًا مباشرًا لهيمنة أمريكا في أمريكا اللاتينية، خاصة أن الصين أصبحت الآن أكبر مشتر لنفط فنزويلا، وروسيا استثمرت في حقول النفط من خلال شركة روسنفت [2]. لا يقتصر الهجوم على فنزويلا على قطع هذا النفوذ فحسب، بل يرسل رسالة قوية إلى الدول اليسارية الأخرى في المنطقة مثل بوليفيا ونيكاراغوا: أي تقارب مع المنافسين الشرقيين سيواجه ردًا عسكريًا.
يشكل هذا النهج جزءًا من استراتيجية ترامب الأوسع لـ"أمريكا أولاً"، والتي تشمل تعزيز مبدأ مونرو [3]، ومنع التدخل الأجنبي في النصف الغربي، ويمكن أن تغير توازن القوى العالمي لصالح واشنطن، على الرغم من مخاطر تصعيد التوترات العالمية مثل حرب باردة جديدة مع بكين وموسكو.
لا يمكن تجاهل الدافع الأيديولوجي أيضًا؛ يرى ترامب وحلقته المقربة في مادورو رمزًا للاشتراكية الفاشلة التي يجب إسقاطها للحفاظ على نموذج الرأسمالية الليبرالية في المنطقة. يعود هذا الرأي إلى عصر الحرب الباردة، حيث قامت الولايات المتحدة بانقلابات وتدخلات متعددة في أمريكا اللاتينية من غواتيمالا عام 1954 إلى تشيلي عام 1973 لقمع الحركات اليسارية.
في فنزويلا، يُستخدم الأزمة الاقتصادية العميقة مع تضخم يصل إلى ملايين في المئة وهجرة أكثر من ثمانية ملايين شخص كدليل على فشل نموذج التشافيزية، لكن النقاد يقولون إن عقوبات أمريكا هي السبب الرئيسي لهذا الانهيار. يسعى ترامب من خلال الهجوم العسكري ليس فقط إلى تغيير النظام، بل إلى تحقيق انتصار أيديولوجي يمكن استخدامه في حملات الانتخابات المستقبلية، خاصة في فلوريدا ذات السكان الكبير من أصول فنزويلية.
يتعزز هذا الدافع السياسي الداخلي بدعم المعارضة الفنزويلية مثل خوان غوايدو، ويمكن أن يزيد من شعبية ترامب بين الجمهوريين، على الرغم من أن استطلاعات الرأي الأخيرة تظهر أن أكثر من 60% من الأمريكيين يعارضون التدخل العسكري.
ومع ذلك، ترتبط هذه الدوافع بمخاطر خطيرة. يمكن أن يتحول الهجوم على فنزويلا إلى حرب عصابات طويلة الأمد، مشابهة لفيتنام أو أفغانستان، مع تكاليف بشرية عالية، حيث قتل حتى الآن أكثر من 80 مدنيًا في الهجمات الجوية، وبعدم الاستقرار الإقليمي الذي يعزز الهجرة ويقوي الجماعات المسلحة في غابات الأمازون.
بالإضافة إلى ذلك، بدون تبرير قانوني دولي، يمكن لهذا الإجراء أن يشوه مصداقية أمريكا في الأمم المتحدة ومنظمة الدول الأمريكية، ويغذي التحالفات المعادية لأمريكا. في النهاية، قد تتحول الدوافع الحقيقية لترامب، المكونة من النفط والقوة الجيوسياسية والأيديولوجيا، إلى مستنقع جديد للولايات المتحدة بدلاً من حل الأزمة، مما يظهر أن تاريخ التدخل في أمريكا اللاتينية لا يزال يتكرر.
هوامش:
1. كارتل دي لوس سوليس (Cartel de los Soles): اسم أعطته وزارة العدل الأمريكية لشبكة من ضباط الجيش العليا والمسؤولين الفنزويليين الذين يزعم أنهم متورطون في تهريب الكوكايين إلى أمريكا وأوروبا. "سوليس" تعني "الشموس" وتشير إلى علامة الشمس على زي الجنرالات الفنزويليين.
2. روسنفت (Rosneft): أكبر شركة نفطية روسية وواحدة من عمالقة الطاقة في العالم.
3. مبدأ مونرو (Monroe Doctrine): المبدأ الذي أعلنه الرئيس جيمس مونرو في عام 1823، والذي يعلن أن النصف الغربي من الكرة الأرضية ينتمي إلى نطاق النفوذ الحصري للولايات المتحدة، وأن أي تدخل من قوى أوروبية (وبعد ذلك أي قوة أجنبية) في أمريكا اللاتينية سيواجه برد أمريكي.
باحث في العلاقات الدولية



