عبد القادر زاوي
الثلاثاء 2 دجنبر 2025 - 12:42

عن البعد اليهودي لولاية إمارة المؤمنين في المغرب

اعتاد المغاربة على أن تصدر خارج البلاد بين الفينة والأخرى كتب وتصريحات ومقالات وفيديوهات لا تقف عند انتقاد السياسات العمومية الداخلية والخارجية للمغرب، وإنما تصل إلى مستوى التهجمات مستهدفة الرموز السيادية، والمؤسسات الرسمية على اختلاف مهامها.

ولم يعد المغاربة يتوقعون فقط متى ستصدر مثل هذه المنشورات، بل باتوا على دراية بمن يقف وراءها وبالأسباب التي تدعو إلى صدورها، والأهداف التي ترومها، وقادرين على التمييز بين الغث والسمين فيها، إذ يستطيعون التفرقة بين من تدخل في إطار النقد البناء، وبين تلك التي يراد منها أن تكون أداة ضغط لتحقيق مصلحة ما، ناهيك عمن تتعمد الإساءة الفجة في مسعى إلى إثارة البلبلة وتهييج الرأي العام.

بهذه الخلفية المعرفية والنباهة الفكرية تابع المغاربة وخاصة النخب السياسية والإدارية والاقتصادية والإعلامية مقالات جريدة لوموند المنشورة على حلقات في نهاية شهر غشت 2025، وهم يدركون جيدا أن تلك الجريدة الفرنسية فقدت مصداقيتها لدرجة لم تعد تكترث معها لما قد تسببه من تسميم لعلاقات الدول فيما بينها، بل ولسمعتها ولما بات يعرف عنها بأنها تحولت إلى مجرد بوق يؤجر لمن يدفع أكثر، حتى وإن كلفها ذلك التضحية بما تتطلبه مبادئ وأخلاق مهنة الصحافة من تحلي بالموضوعية وبالنزاهة العلمية.

ورغم أن الرأي العام المغربي لم يعر أي اهتمام يذكر لما جاء في مقالات جريدة لوموند لإدراكه جيدا لمراميها ولأهداف من دفع ثمن نشر تلك المقالات، إلا أن المصلحة الوطنية العليا تتطلب استمرار التحلي بالحذر واليقظة تحسبا لإمكانية إعادة ترويج مغالطات أخرى مثل مغالطات جريدة لوموند، وذلك من خلال منصات إعلامية أخرى، خاصة وأن هنالك سوابق في هذا الاتجاه.

وأهمها، بل وأخطرها تلك التي لا تتوقف عن المحاولة للمس بشكل مباشر أو غير مباشر بمؤسسة إمارة المؤمنين باعتبارها الضامن الأساسي للوحدة المذهبية الدينية في البلاد، ودورها في استتباب نظام موحد للأحوال الشخصية وما ينجم عن ذلك من استقرار في العلاقات الأسرية والاجتماعية بالبلاد سواء تعلق الأمر بمواطنيها المسلمين أو أولئك الذين يعتنقون الديانة اليهودية.

وغني عن الذكر أن هذا المس بأشكال سلبية مكشوفة لأسس ومرتكزات مفهوم إمارة المؤمنين يسعى إلى التشكيك في أهميتها وإلى التقليل من هيبة سلطتها على أمل النفاذ إلى إحداث شروخ بين مختلف مكونات المجتمع المغربي وزرع عدم الثقة فيما بينها، رغم إدراك الذين يقفون خلف حملات التهجم عليها بأن ذلك لن يحصل كما تبين من تجربة الظهير البربري المشؤوم سنة 1930.

وكما تبين عندما انتصرت هذه المؤسسة لصوت الناخب المغربي، ودافعت عن القيم الدستورية للبلاد بمنح تشكيل الحكومة سنة 2012 وسنة 2016 إلى حزب العدالة والتنمية ذي النكهة الإسلامية رغم كل محاولات الداخل والخارج للقفز على الشرعية الدستورية، والنتائج التي أفرزتها صناديق الاقتراع.

ومن المؤكد أن هذا الإدراك لم يمنع ومن المحتمل ألا يمنع مستقبلا تواصل محاولات الإساءة إلى مؤسسة إمارة المؤمنين، وهي المحاولات التي تريد الجهات التي تقف وراءها على الأقل طمس إشعاع هذه المؤسسة إن لم تستطع تقزيمها. لهذا ورغم الفشل المتكرر لكل محاولات الإساءة لمؤسسة إمارة المؤمنين داخليا نظرا لإيمان كافة شرائح المجتمع المغربي بها، ولثقتهم المطلقة فيها، وفيما يصدر من أحكام وفتاوى باسمها، فإن أصحاب تلك المحاولات لن يذخروا جهدا للمساس بها خارجيا حيث ينظر بعين الريبة بل والحقد والكراهية لامتدادها وتأثيرها الروحي في غرب القارة الإفريقية، وفي منطقة الساحل والصحراء.


أكثر من ذلك وأخطر منه، فإن هذه المحاولات التي لا يعرف القائمون عليها اليأس بدأت تتطلع إلى المساس بالبعد المرتبط بالديانة اليهودية، الذي تسهر إمارة المؤمنين على رعايته، والحفاظ على الصلات التاريخية والإنسانية مع أتباع هذه الديانة التوحيدية من أبناء الشعب المغربي سواء كانوا داخل البلاد أم خارجها، بل وتسعى جاهدة إلى تقوية تلك الصلات وترسيخها.
إن آخر المحاولات للمساس بولاية إمارة المؤمنين على مواطنيها من أتباع الديانة اليهودية صدرت ولم تتوقف بعد عن جهات أجنبية عربية بعضها حديث العهد بالتواصل مع المؤسسات اليهودية، ولا يهمه من ذلك سوى توسيع دائرة دوره الوظيفي، وأخرى غير عربية تتوق إلى بسط الوصاية على المغاربة اليهود باسم الوحدة الدينية.


وقد حاولت هذه الجهات وما تزال تحاول استغلال شغور منصب الحاخام الأكبر منذ سنة 2018 إثر وفاة الحاخام أهارون مونسينيغو، وذلك للترويج لأسماء معينة بغية تلميعها في أعين صاحب القرار، علما بأنه لا يمكن التشكيك في وطنية بعض هذه الأسماء، ولكن معظمها تعيش خارج أرض الوطن، ويراد تمريرها لتكون في منصب الحاخام الأكبر مع الإقامة خارج أرض الوطن.

ويعرف كثيرون بأن ذلك لو حصل فإنه يشكل خرقا سافرا للأعراف المتبعة في هذا الصدد، ومحاولة على أخرى لضرب الإشعاع العالمي لما يمكن أن نسميه المدرسة الحاخامية المغربية التي عززت ريادتها بوصول حاخامات من أصول مغربية إلى مناصب الحاخامية الكبرى في دول عديدة في أمريكا اللاتينية، تكريسا لتقليد تعود بداياته الأولية إلى الحاخام إسحاق الفاسي الذي عاش لأزيد من 45 سنة في كنف الدولة المرابطية.

ولم يغادر مقر إقامته في فاس إلا سنة 480 هجرية (1088 ميلادية) في اتجاه الأندلس حيث استطاع إحياء دراسة التلمود، ونجح في تقنين الشريعة اليهودية لدرجة أن أحد كتبه الشهيرة "سفر الهلخوت" (مدونة الأحكام الشرعية) بات مرجعا أساسيا للأحكام الدينية الملزمة لمعظم يهود العالم.

تجدر الإشارة في الختام إلى أن المملكة المغربية بموجب دساتيرها المتعاقبة تعتبر أبناءها من الديانة اليهودية مواطنون كاملو الحقوق، كما تعتبر المكون العبري جزءا أصيلا من الهوية الوطنية ؛ الأمر الذي تأخذه السلطات المغربية بعين الاعتبار للقيام بإصلاحات وعمليات ترميم واسعة بين الفينة والأخرى لمراكز التراث العبري والمعابد والمقابر اليهودية، كما حصل مع المتحف اليهودي بالدار البيضاء الوحيد في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المخصص للثقافة اليهودية ومساهماتها العلمية والأدبية.

ولا يتوقف الدور الرسمي للسلطات المغربية عند هذا الحد، وإنما يمتد لتأمين إحياء مناسبات وطقوس واحتفالات المواطنين اليهود في ظروف جيدة وبمشاركة إخوانهم المسلمين بعيدا عن أي توظيف سياسي من هنا أو هناك. فضلا عن ذلك تولي هذه السلطات احتراما خاصا للمحكمة الحاخامية العليا التي تعتبر جزءا من النظام القضائي الوطني وتصدر أحكامها باسم جلالة الملك مثلها مثل بقية محاكم المملكة بمختلف درجاتها.

إن هذا الإرث الضخم في العيش الأخوي المشترك والمتميز بين أبناء المغرب الواحد من الديانتين الإسلامية واليهودية يتطلب ليس فقط الحفاظ عليه والاحتفاء به في المناسبات، وإنما من الواجب مواصلة تحصينه من أي اختراق خارجي. وقد تكون أول خطوة في هذا الاتجاه اختيار حاخام جديد للطائفة اليهودية بالمغرب ممن لهم إقامة رسمية دائمة في المغرب، وتتوفر فيه المكانة العلمية والروحية والأخلاق الرفيعة، والعلاقات الدولية الواسعة، فضلا عن الحظوة بثقة مزدوجة من أبناء طائفته من جهة، ومن إمارة المؤمنين التي يستظل بها من جهة أخرى.

الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة

ما يجب قوله للإسبان في مدريد؟

في الوقت الذي تعقد فيه الحكومة الإسبانية ونظيرتها المغربية، اليوم الخميس، بمدريد الدورة الثالثة عشرة من الاجتماع الرفيع المستوى، مع ما يعكس ذلك من تطور كبير في العلاقات الثنائية بين ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...