هل يُنهي وزير التعليم العالي "الاستقطاب المفتوح" في الجامعات المغربية؟
بدت مداخلة وزير التعليم العالي عز الدين ميداوي، أمام مجلس النواب، الاثنين، أبعد من مجرد إحاطة تقنية حول واقع الكليات المتعددة التخصصات، حيث كانت أقرب إلى رسالة سياسية حادة في مضمونها، تُعيد فتح نقاش ظل يخفت تارة ويتصاعد تارة أخرى حول طبيعة الولوج إلى الجامعة المغربية، وما إذا كان هناك اتجاه، غير معلن، يروم مراجعة نموذج الاستقطاب المفتوح الذي ظل لعقود يعكس "الديمقراطية الأكاديمية" في بعدها الاجتماعي.
ما قاله الوزير عز الدين ميداوي بدا كمن يزيح الستار تدريجيا عن ورش إصلاح عميق، يمس بنية الجامعة نفسها، وهو ورش لن يمرّ دون مقاومة ولا دون استحضار سوابق قريبة ما تزال تتردد في الذاكرة، من قبيل حملة "البكالوريا لا تموت" وما رافقها من سجالات قانونية وسياسية.
وبنبرة تحمل اعترافا صريحا، قال ميداوي إن تجربة الكليات المتعددة التخصصات فشلت لأنها خرجت عن الأغراض التي أنشئت من أجلها، مضيفاً أنها تحولت تدريجياً إلى مؤسسات بلا هوية، قبل أن تصبح في نهاية المطاف مجرد امتداد جديد لنموذج الاستقطاب المفتوح.
تصريحٌ ووير التعليم العالي يعيد إلى الواجهة تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين لسنة 2022 الذي دعا بوضوح إلى إعادة التفكير في هذا النمط من الكليات، بعد أن صار عبئا على الجامعة بدل أن يكون فضاء بديلا يجسر الفجوة بين التخصصات والجهات.
هذا التوصيف لم يكن معزولا عن رؤية أشمل تعمل عليها الوزارة، وفق ما أوضح ميداوي، والقائمة على إعادة هيكلة هذه الكليات وتقسيمها إلى مؤسسات ذات هوية واضحة، بعضها باستقطاب مفتوح، والبعض الآخر بولوج محدود، مثل مدارس المهندسين وكليات التكنولوجيات العليا.
وخلال المناقشة التفصيلية لمشروع القانون المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي رقم 59.24، اليوم الأربعاء، أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، عاد ميداوي ليعمّق هذه الإشارات، مؤكدا وجود ورش لإصلاح منظومة الولوج المفتوح تدريجيا بهدف الرفع من جودة الجامعات.
ويعكس خطاب ميداوي هنا، قناعة داخل الوزارة بأن هذا النموذج بُني على منطق استيعاب كمي لا يراعي جودة التكوين ولا محدودية البنيات، وهو ما أفضى إلى اختلالات متراكمة، وأمام تراجع الإقبال على الجامعات العمومية مقابل ارتفاع لافت في الجامعات الخاصة بنسبة فاقت 12 في المائة هذا العام، بدا الوزير وهو يلوّح بأن ترك الوضع على حاله سيعمّق الفوارق ويهمّش الجامعة العمومية، ما يستدعي إعادة ضبط “بوابات الدخول”.
ولم يتوقف الوزير عند هذا الحد، بل ذهب إلى المقارنة بنماذج دولية كبرى، مثل الولايات المتحدة التي تُعد أكبر منتج للمعرفة رغم سيطرة الجامعات الخاصة على مشهدها، وبريطانيا التي تعتمد رسوما مرتفعة في جامعات عمومية تتكفل الدولة بدعمها بشكل غير مباشر، حيث أن المقارنة هنا ليست عرضية، بل تحمل رسالة مفادها أن "مجانية الولوج المفتوح كما يمارس اليوم ليست قاعدة عالمية، وأن إعادة النظر فيه لا تعني المساس بالحق في التعليم، بل إعادة تنظيمه بما يحافظ على جودته واستدامته".
ورغم أن هذا النقاش يبدو جديدا في شكله، إلا أن مضمونه يعيدنا إلى واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل خلال ولاية الوزير السابق عبد اللطيف ميراوي، حين تفجرت حملة "البكالوريا لا تموت"سنة 2022، عقب رفض جامعات تسجيل حاملي البكالوريا القديمة بدعوى الاكتظاظ ومحدودية الطاقة الاستيعابية، حيث وقتها اضطر الوزير السابق إلى الإقرار بأن الحق في متابعة الدراسة مكفول دستوريا، وأن الشهادات لا تتقادم، مستشهداً بالفصل 13 من الدستور والمادة 3 من القانون الإطار 51.17.
غير أن الأزمة كشفت في إبانه تباينا حادا بين النص القانوني والقدرات الفعلية للمؤسسات، مما دفع ميراوي إلى تبرير رفض التسجيل بمسوغات عملية، من قبيل الضغط الهائل على مؤسسات الاستقطاب المفتوح، خاصة في الشعب التي تُدرّس بالعربية، وهو النقاش نفسه الذي يستعاد اليوم ولكن بصيغة مختلفة.
وقد زادت حدّة تلك الأزمة آنذاك بإطلاق نشطاء وأكاديميين حملة إلكترونية واسعة حملت وسم "البكالوريا لا تموت"، معتبرين اشتراط الحصول على باكالوريا جديدة قرارا إقصائيا، وطالبوا بإعادة النظر فيه، بل إن القضاء الإداري دخل على الخط سابقا، حين أبطلت محاكم مراكش سنة 2007 ووجدة سنة 2013 قرارات كليات منعت تسجيل حاملي باكالوريا قديمة، باعتبار أن الشهادة غير قابلة للتقادم وأن التعليم حق دستوري.
الإشارات التي بعث بها ميداوي توحي بأن الوزارة تتجه نحو خيار يزاوج بين الولوج المفتوح والمحدود وفق هوية دقيقة لكل مؤسسة، وأن الكليات المتعددة التخصصات ستكون أولى المحطات في إعادة هندسة العرض الجامعي، بعد أن أصبحت بلا هوية واضحة، وفق توصيف الوزير نفسه، أمام سؤال سيظل معلقا يتعلق بقدرة الدولة على الموازنة بين ضمان الحق الدستوري في التعليم، وبين فرض تنظيم جديد للولوج يمنع الانفجار البنيوي للمؤسسات.




