ما يجب قوله للإسبان في مدريد؟
في الوقت الذي تعقد فيه الحكومة الإسبانية ونظيرتها المغربية، اليوم الخميس، بمدريد الدورة الثالثة عشرة من الاجتماع الرفيع المستوى، مع ما يعكس ذلك من تطور كبير في العلاقات الثنائية بين البلدين، ما زالت الصحافة الإسبانية، وبعض الأحزاب السياسية، والكثير من الرأي العام الإسباني يعيش برواسب وصية الملكة الكاثوليكية "إيزابيلا" التي أوصت وهي على فراش الموت سنة 1504م بجعل المغرب مشتتًا على الدوام، حينما قالت: "الخير كل الخير لإسبانيا في أن يكون المغرب مشتتًا جاهلاً فقيرًا مريضًا على الدوام والاستمرار".
ومن لا يعرف الملكة إيزابيلا، فهي ملكة قشتالة التي على عهدها انتهت حروب الاسترداد بهزيمة غرناطة وسقوط الأندلس، حيث خيّرت، بعدها، مسلمي ويهود إسبانيا بين اعتناق المسيحية أو رحيلهم خارج البلاد إن نجو من القتل، كما ساهمت في هروب العديد من الأندلسيين إلى شمال إفريقيا وبدرجة أولى إلى المغرب فيما بات يُسمى بهجرة الموريسكيين.
ومنذ ذاك العهد، أي قبل 520 سنة، والإسبان ما زالوا يعيشون على رواسب هذه الوصية الشهيرة التي حفرت وجدانهم، وغذّت ثقافتهم ورؤيتهم للمغرب على مدى عقود طويلة.
مناسبة هذا الحديث هي نتائج الاستطلاع الذي أصدره المركز الإسباني لبحوث علم الاجتماع (CIS)، والذي أعاد فتح نقاش حساس حول تصوّر الإسبان لمصادر التهديد المحيطة ببلادهم، حيث أكدت نتائج الاستطلاع أن 66,2 في المائة من الإسبان فكّروا في إمكانية دخول بلادهم في حرب خلال السنوات المقبلة، وبين هؤلاء، أشار 42,2 في المائة إلى المغرب باعتباره الطرف المحتمل للصدام، ليأتي في المرتبة الثانية بعد روسيا.
الخلاصة أنه بعد ما يزيد عن خمسة قرون من سقوط الأندلس ما زال الإسبان يعتقدون أن المغرب يشكل مصدر "قلق" لبلادهم، وأن إمكانية دخولهم في حرب مع المملكة المغربية واردة أكثر من دخولهم في حرب مع روسيا مثلاً، وهو ما يعكس المزاج الإسباني الذي يعيش برواسب تاريخية بالية.
فحينما يعيش ثلث الإسبان، وفق الاستطلاع، على قناعة باحتمال نشوب حرب ونزاع عسكري مع المغرب، تغذّيها صحافة وأحزاب متطرفة بشكل مفرط في الجارة الشمالية، تصبح العلاقة المؤسساتية بين البلدين أكثر تعقيدًا وتسير على بيض العلاقات الدولية المرتبكة.
بين الرباط وإسبانيا العديد من الملفات العالقة، من بينها ملفا سبتة ومليلية المحتلتين، والمجال الجوي للصحراء، وترسيم المياه الإقليمية لكل بلد بين جزر الكناري وجنوب المغرب، وكذا، الوضوح المطلوب لمدريد بشكل أكبر في ملف الوحدة الترابية للمغرب، وكلها ملفات يجب أن تُوضع على الطاولة بهدوء، بدون ضجيج التوتر الذي يعيش به حزب بوديموس أو Vox أو النظرة الاستعلائية التي تعيش بها العديد من الصحف اليمينية التي تتغذى على رواسب ما قبل اكتشاف البخار.




