ندوة وهران تعزز انكماش نفوذ الجزائر إفريقيا بعد فشلها في إدراج ملف الصحراء داخل الكلمة الختامية رغم ضغوطها الدبلوماسية على الوفود
تحوّلت الندوة رفيعة المستوى حول السلم والأمن في إفريقيا، التي احتضنتها مدينة وهران الجزائرية مؤخرا، إلى محطة كاشفة لحدود الدور الذي حاولت الدبلوماسية الجزائرية استثماره في القارة الافريقية خلال السنوات الأخيرة، كون أشغالها مرّت من دون أي إشارة لقضية الصحراء، رغم أن الجزائر اعتادت الدفع بهذا الملف في مختلف المنتديات القارية والدولية، كما نسفت القمة جزءا من الرهانات التي بنت عليها الجزائر آمالها، بما في ذلك حصولها قبل أشهر على منصب نائب رئيس المفوضية الإفريقية، والذي روّجت له كأداة لتعزيز حضورها وتأمين نفوذ أكبر داخل هياكل الاتحاد.
ففي الوقت الذي سعت فيه الجزائر، عبر هذه الندوة، إلى استثمار حضور الوزراء والسفراء وكبار المسؤولين الدوليين لإعادة طرح النزاع داخل الكلمة الختامية، اصطدمت محاولاتها بصمود عدد من الدول المشاركة، وفي مقدمتها الكوت ديفوار، التي أظهر وزير خارجيتها "كاكو ليون أدوم" موقفا صريحا وحاسمًا برفض إدراج أي عبارة تمس الشرعية الدولية أو تُستعمل لتكييف المخرجات بما يخدم أجندات خارج نطاق مهمة الاجتماع.
هذا الموقف لم يكن معزولا، بل جاء متسقا مع الخط السياسي الذي تبنته أبيدجان منذ افتتاحها قنصلية عامة بمدينة العيون قبل أكثر من أربع سنوات، ما يعكس التزامها الواضح بدعم مبادرة الحكم الذاتي واحترام قرارات مجلس الأمن، ويؤشر على التحول المتسارع داخل العواصم الإفريقية نحو مواقف أكثر انسجامًا مع القانون الدولي إلى جانب دول إفريقية أخرى كانت حاضرة بندوة وهران ولها قنصليات بحواضر الصحراء.
وبرغم حرص وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف على تقديم الندوة في خطابها الختامي كفضاء لتبادل الآراء حول التحديات التي تواجه القارة، إلا أنه اكتفى بالاشارة إلى "تقدير الجزائر لكل المشاركين على حضورهم الفاعل ومساهمتهم في إبقاء شعلة هذا المسار متقدة، بما يعكس حرصهم على تعزيز الأمن والاستقرار في القارة الإفريقية".
وأشار عطاف إلى أن هذه الدورة شهدت حضورا نوعيا لممثلي الدول المنتخبة حديثًا لعضوية مجلس الأمن الأممي من خارج إفريقيا، وهي مملكة البحرين، وجمهورية كولومبيا، وجمهورية لاتفيا، مشيدا بإسهاماتهم المتوقعة في دعم السلم والأمن الدوليين، مٌبرزا أبرز التحديات التي تواجه القارة، من بينها "التغييرات غير الدستورية للحكومات، آفة الإرهاب، وظاهرة التدخلات الخارجية، مؤكدًا ضرورة تعزيز دور الاتحاد الإفريقي كفاعل محوري في الوقاية من الأزمات وتسوية النزاعات، وفق مبدأ "الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية".
الكلمة الختامية للندوة كانت كافية لتكشف حقيقة الأزمة، إذ لم يكن بالإمكان التوافق على صياغة تُدرج نزاع الصحراء دون الاصطدام بمواقف صارمة لعدد من الوفود، التي شددت على ضرورة احترام اختصاصات كل منصة، وتفادي تسييس أجندة مخصصة للسلم والأمن، لينتهي الحدث بمشهد يُقرأ داخل الأوساط الدبلوماسية كفشل ذريع للمحاولة الجزائرية، وحدود النفوذ الجزائري داخل الدوائر الإفريقية، رغم سنوات من الإنفاق السياسي والمالي لمحاولة إبقاء نزاع الصحراء حاضرًا في كل مناسبة، خصوصا أن وهران خصصت إمكانيات مالية ولوجستية كبيرة لإنجاح الموعد وإظهاره كقمة مؤثرة.
هذا الفشل لم يأت معزولا عن سياق أوسع، يتصل بما يمكن وصفه بـ"رهانات النفوذ" داخل الاتحاد الإفريقي، فالجزائر التي خاضت، مطلع هذا العام، واحدة من أكثر الحملات الدبلوماسية شراسة داخل القارة لانتزاع منصب نائب رئيس المفوضية الإفريقية، كانت تراهن على استثمار المنصب لدعم طروحاتها والدفع بأجندة "البوليساريو" في الكواليس.
وقد استثمرت الجزائر كامل ثقلها، حيث جال وزير خارجيتها عشرات العواصم الإفريقية لحشد الدعم، كما حضر ممثلها لدى الأمم المتحدة عمّار بن جامع إلى أديس أبابا في إبانه لخوض ما وُصف حينها بـ"معركة كسر العظام"، انتهت بفوز المرشحة الجزائرية سلمي مليكة حدادي على منافستها المغربية والمصرية، وهو فوز احتفت به الجزائر باحتفالية استثنائية، صُوِّر داخل إعلامها الرسمي كـ"نصر استراتيجي" و"ضربة موجعة للرباط".
لكن ما جرى في وهران وقيله في مناسبات إفريقية عديدة وتخول مواقف عواصم وازنة بالقارة السمراء لصالح الطرح المغربي، أعاد ترتيب الصورة على نحو مختلف، حيث رغم حصول الجزائر على المنصب، تبيّن أن الوزن الحقيقي داخل دوائر القرار الإفريقية لا يتحدد بالمناصب الشكلية، بل بمنطق التحولات الدولية، وبمدى قوة الاصطفافات الجديدة داخل الاتحاد الإفريقي نفسه.
فالدول الكبرى بالقارة، إضافة إلى التوجه العام داخل الأمم المتحدة والقوى العالمية المؤثرة، باتت تحسم موقفها تجاه نزاع الصحراء استنادًا إلى قرارات مجلس الأمن ومبدأ الواقعية السياسية، وليس بناءً على الدعاية أو التحركات الظرفية الأمر الذي ترجمه القرار الأممي الأخير "2797" الذي أشّر على تحول تاريخي في مقاربة النزاع .
وبهذا المعنى، ظهر أن المنصب الذي ناضلت الجزائر من أجله لا يمنحها القدرة على تغيير مسار الخيارات الكبرى داخل الاتحاد الإفريقي، ولا يمكنه تحويل اتجاه الرياح داخل مجلس الأمن أو داخل التكتلات الإقليمية الصاعدة، التي باتت تتعامل مع قضية الصحراء باعتبارها ملفا محكومًا بالشرعية الأممية وبالتوجه الدولي نحو حل سياسي واقعي ودائم.




