تقرير دولي: السلام بين الجزائر والمغرب غير وارد في منتصف دجنبر.. لكن لا يُمكن للجزائر رفض "مبادرة ويتكوف"
كشف تقرير دولي مشترك أعدّته مؤسسة كونراد أديناور الألمانية بشراكة مع مؤسسة "GGSF" أن احتمال تحقيق سلام بين المغرب والجزائر في أفق منتصف شهر دجنبر الجاري، يبقى مستبعد الحدوث، رغم الوعود التي كان قد أطلقها المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي، ستيف ويتكوف، بخصوص إمكانية التوصل إلى اختراق دبلوماسي في ظرف شهرين فقط.
لكن رغم استبعاد حدوث اتفاق سلام شامل في هذا الأجل القريب، لمح التقرير الذي أطلعت عليه "الصحيفة" كاملا، إلى أن فشل تحقيق هذا الهدف سيكون مؤقتا، مشيرا إلى أن الجزائر لن تستطيع تجاهل "مبادرة ويتكوف"، بالنظر إلى الكلفة السياسية والدبلوماسية التي قد تترتب عن أي موقف رافض لجهود ترعاها واشنطن بشكل مباشر.
وأضاف التقرير في هذا السياق، أن رفض الجزائر الانخراط في المسار الأمريكي لن يكون فعلا معزولا، بل ستكون له تداعيات مباشرة على علاقاتها الثنائية مع الولايات المتحدة، خصوصا في ملفات التعاون الأمني، الشراكات الاقتصادية، والدعم داخل المؤسسات المالية الدولية.
وحسب التقرير، فإن هذا التحول جعل من النزاع في قضية الصحراء ينتقل من كونه مسارا تقنيا داخل الأمم المتحدة إلى ملف ذي طابع استراتيجي أمريكي، حيث أصبح التعامل معه يخضع لحسابات النفوذ والمصالح الكبرى لواشنطن بدل التوازنات البيروقراطية للأمم المتحدة.
وفي ما يتعلق بجبهة البوليساريو، أشار التقرير إلى أنها تجد نفسها في وضع أكثر هشاشة، نظرا لاعتمادها شبه الكامل على الدعم الجزائري، إضافة إلى التخوف من تصنيف أمريكي محتمل لها كتنظيم إرهابي، وهو ما يقلص هامش المناورة أمام قيادتها.
وسجل التقرير أن جبهة البوليساريو قد تضطر إلى المشاركة في محادثات برعاية أمريكية، محاولةً تقديم ذلك على أنه "حوار بحسن نية" دون الاعتراف الصريح بإطار الحكم الذاتي المغربي، إلا أن هذا الغموض التكتيكي، وفق التقرير، لن يكون قابلا للاستمرار طويلا.
في المقابل، أكّد التقرير أن المغرب يوجد في موقع مريح، لأنه قادر على التفاعل مع المبادرة الأمريكية من حيث الجوهر، عبر تقديم مقترح الحكم الذاتي في أقاليمه الجنوبية كحل عملي ومتوافق مع الدفع الأمريكي نحو تسوية سياسية مستدامة.
ولفت التقرير إلى التحول الهام وغير المسبوق في ملف الصحراء الذي أحدثه قرار مجلس الأمن رقم 2797، الذي اعتبر أن مبادرة الحكم الذاتي المغربية أصبحت الإطار الوحيد المقبول دوليا لتسوية النزاع، مشيرا إلى أنه تم التخلّي نهائياً عن خيار الاستفتاء في النص الأممي الجديد.
كما أشار التقرير إلى أن هذا التحول يفتح أول فرصة استراتيجية للمغرب، تتمثل في تثبيت الاعتراف القانوني الدولي بسيادته على الأقاليم الجنوبية عبر الانتقال من مرحلة الجدال السياسي إلى مرحلة تنفيذ الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
واعتبر التقرير أن اعتماد الحكم الذاتي كقاعدة وحيدة للحل سيدفع جهات دولية، مثل محكمة العدل الأوروبية وهيئات أخرى، إلى مواءمة مواقفها مع إطار مجلس الأمن، ما من شأنه أن يضع حدا لنزاعات قانونية طويلة مرتبطة بالاتفاقيات التجارية واستغلال الموارد والوضع القانوني للإقليم.
كما اعتبر أيضا أن المغرب بات قادرا على تحويل الدعم الدبلوماسي إلى "تطبيع قانوني" فعلي، من خلال إثبات أن نموذج الحكم الذاتي ليس مجرد مقترح سياسي، بل صيغة عملية تحظى بشرعية السكان المعنيين وتعمل بشكل فعّال على أرض الواقع.
كما شدد التقرير على أن القرار الأممي الجديد عزل باقي الأطراف بشكل غير مسبوق، عندما جعل خطة الحكم الذاتي المغربية تحت السيادة المغربية الإطار الدولي الوحيد المعترف به، وهو ما أفقد الخصوم أي رواية بديلة ذات مصداقية.
ويرى معدّو التقرير أن هذا التحول التاريخي خلق زخما غير مسبوق نحو تسوية نهائية، وجعل مسار الحل أوضح وأضيق وأقرب للتحقق، بما يحول النزاع من حالة جمود مزمنة إلى ملف أصبحت ملامح حله النهائي في الأفق.
وعلى المستوى الاقتصادي، أبرز التقرير أن الاستقرار السياسي المعزّز والشرعية الدولية غير المسبوقة التي جاء بها القرار 2797 سيشكلان محفّزين قويين لتسريع وتيرة الاستثمارات الأجنبية والمحلية في الأقاليم الجنوبية.
وتوقع التقرير أن يستقطب قطاع الطاقات المتجددة مليارات الدولارات من المشاريع الجديدة، وأن يتحول ميناء الداخلة الأطلسي المستقبلي ومنطقته الحرة إلى منصة لوجستية محورية لغرب ووسط إفريقيا، بدعم من مشروع أنبوب الغاز الأطلسي نيجيريا–المغرب والمبادرة الملكية الأطلسية، بما يجعل أقاليم الصحراء رئة اقتصادية للواجهة الأطلسية للمملكة ومركزا قاريا يربط أوروبا بمنطقة الساحل وغرب إفريقيا، في تحول قد يجعل ما كان يُعتبر عبئا جيوسياسيا إلى أحد أهم محركات النمو في المغرب.





تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :