فيضانات آسفي..37 ضحية وعشرات الجرحى وخسائر بالملايين وأسئلة كثيرة حول من يتحمل مسؤولية هشاشة البنية التحتية وغياب الإنذار المبكر؟

 فيضانات آسفي..37 ضحية وعشرات الجرحى وخسائر بالملايين وأسئلة كثيرة حول من يتحمل مسؤولية هشاشة البنية التحتية وغياب الإنذار المبكر؟
الصحيفة - خولة اجعيفري
الأثنين 15 دجنبر 2025 - 13:16

تحولت فاجعة السيول التي اجتاحت إقليم آسفي مساء الأحد، إلى ملف ثقيل بكلفة بشرية صادمة وأسئلة مساءلة مفتوحة بعدما خلّفت حوالي 37 وفاة في حصيلة مؤقتة، ودفعت النيابة العامة إلى فتح بحث قضائي لكشف "الأسباب الحقيقية" لما جرى.

ففي مدينة باغتها المطر في ساعات قليلة وأسقط عشرات الضحايا، لم يعد كافيا إرجاع المأساة إلى غضب السماء وحده، بقدر ما بات السؤال المركزي مطروحا بإلحاح حول كيف تحوّلت أمطار فجائية إلى مأساة جماعية بهذا الحجم، ومن يتحمّل مسؤولية ما بعد الطبيعة؟

ووفق ما ذكرته وزارة الداخلية، فقد بلغت الحصيلة على الأقل 37 وفاة جراء الفيضانات التي أعقبت أمطارا طوفانية، مع تسجيل 14 حالة استشفاء، وغمرٍ لحوالي 70 منزلا ومحلا، وجرف 10 سيارات فيما هذه الأرقام ترسم ملامح آلية وقوعها مياه كثيرة في وقت قصير جدا، فوق مدينة لا تملك في بعض أجزائها شبكة تصريف قادرة على امتصاص الصدمة.

المشهد بدأ بحسب رواية السلطات المحلية، بأمطار رعدية شديدة خلال فترة وجيزة لا تتجاوز ساعة، قبل أن تتحول إلى تدفقات فيضانية استثنائية في عدد من الأحياء خصوصا في المدينة القديمة وفي مثل هذه الحالات، لا يحتاج الجريان السطحي إلى أيام ليُراكم خطره، دقيقة واحدة تكفي لتتحول الأزقة إلى مجارٍ مائية، وتصبح الأرض "قناة" أكبر من القنوات المصممة لها.

لكن ما يجعل ما حدث في آسفي اليوم أكثر من مجرد واقعة "سيول" هو التطور المتسارع للحصيلة، ففي الساعات الأولى، تحدثت تقارير عن حصيلة أولية أقل، ثم أعلنت السلطات في تحيين لاحق ارتفاع الوفيات إلى 14 مع إسعاف 32 مصابا، وبعد ذلك، تواصل الارتفاع في سياق استمرار البحث والإنقاذ قبل أن تستقر حصيلة اليوم وفق وزارة الداخلية ووسائل رسمية عند 37 وفاة على الأقل.

هذا التسلسل لا يسعناا اعتباره تفصيلا عابرا، فهو يوضح كيف تتحول "الساعة الأولى" في الكوارث إلى لحظة حاسمة، وكيف أن ما لا يُرى في البداية أي المفقودون، المحاصرون، والمنازل التي غمرتها المياه من الداخل غالبا ما يرفع الأرقام لاحقا.

في موازاة الإنقاذ، اتخذت السلطات إجراءات احترازية ذات دلالة على حجم الاضطراب داخل المدينة فقد تقرر تعليق الدراسة، وخرج المدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بآسفي العلامي القريشي، بتصريح يؤكد أن القرار اتُّخذ بعد مشاورات مع السلطات المحلية "حرصا على سلامة وأمن التلميذات والتلاميذ" مع ربط استئناف الدراسة بتحسن الأحوال الجوية.

محليا، لم يكن تعليق الدراسة تفصيلا إداريا بقدر ما كان اعترافا بأن المدينة دخلت "وضع الطوارئ الواقعية" حيث يصبح التنقل مخاطرة، وتتحول مؤسسات التعليم إلى جزء من معادلة السلامة العامة.

أما في الشارع، فتؤكد مصادر محلية تواصلت معها "الصحيفة" صبيحة اليوم الإثنين أن أحياء غمرتها المياه ومحاور انقطعت، ومشاهد لسيارات جرفتها السيول متواصلة، كما أن مياه الأمطار غمرت نحو 70 منزلا ومحلا بالمدينة القديمة، خصوصا في محيط شارع بير أنزران، وأبو الذهب

وهنا تظهر الدلالة الثانية لبلاغ الوكيل العام للملك، فالنيابة العامة لم تقل إن ما حدث "حادث طبيعي" وتنتهي القصة بل قالت إنها فتحت بحثا لمعرفة "الأسباب الحقيقية" وكشف "الظروف والملابسات" وهذا التعبير القضائي في العادة، يفتح الباب أمام مسارات متعددة للتحقيق حول هل كانت هناك نقط سوداء معروفة لم تُعالج، وهل تم احترام قواعد التعمير وعدم البناء في مجاري الشعاب أو المناطق المنخفضة؟ وهل تمت صيانة قنوات التصريف وتنقيتها قبل الموسم المطري؟ وهل كانت هناك اختلالات في تدبير الإنذار أو في جاهزية التدخل؟ ولا يعني ذلك أن التحقيق سيخلص بالضرورة إلى مسؤوليات جنائية لكن معناه أن الدولة عبر القضاء تقرّ بأن الكارثة لا تُختزل في السماء وحدها.

من جهة ثانية، يقول الخبير في المناخ والهندسة الهيدرولوجية محمد بنعبو إن ما وقع في آسفي "لا يمكن فصله عن سياق مناخي أشمل يعيشه المغرب خلال السنوات الأخيرة، حيث أدّت فترات الجفاف المتتالية إلى تصلّب التربة وفقدانها جزءا كبيرا من قدرتها الطبيعية على امتصاص المياه".

ويوضح الخبير في تصريح لـ "الصحيفة" أن هذا التحول يجعل "الأمطار القصيرة والعنيفة أكثر قابلية للتحول فورا إلى جريان سطحي جارِف، بدل أن تتسرّب تدريجيا إلى باطن الأرض" وهو ما يفسّر سرعة تشكّل السيول داخل المجال الحضري.

غير أن الخبير يشدد على أن هذا التفسير العلمي رغم وجاهته، "لا ينبغي أن يتحول إلى ذريعة لتبرير حجم الخسائر" مبرزا أن التغير المناخي "ليس قدرا أعمى، بل معطى معروف يفرض على السياسات العمومية تحديث معايير التخطيط الحضري ومراجعة سعات شبكات تصريف مياه الأمطار وإحداث أحواض احتجاز، واحترام صارم لمسارات المياه الطبيعية".

ويخلص إلى أن "المدن التي لا تُكيّف بنياتها التحتية مع هذا الواقع الجديد، تحوّل كل مطر استثنائي إلى أزمة إنسانية محتملة"

وفي آسفي تحديدا، يتقاطع العامل المناخي مع عاملٍ حضري قديم، فالمدينة القديمة ليست مصممة لتصريف أمطار قصوى والتمدد العمراني الحديث غالبا ما يضغط على المساحات الطبيعية التي كانت تعمل تاريخيا كـ"ممرات" للمياه، وحين تُضغط هذه الممرات أو تُبنى فوقها أو تُترك دون صيانة تصبح الأمطار القصيرة والعنيفة كافية لإعادة "رسم الخريطة" داخل دقائق لذلك لا تبدو الكارثة، في قراءة تحليلية، مفاجئة بالكامل لكن المفاجئ هو حجمها لا منطقها.

ويُنتظر أن يمنح التحقيق القضائي معنى عمليا لفكرة "الأسباب الحقيقية" هل يتعلق الأمر فقط بكمية المطر وشدة الجريان؟ أم أن هناك سلسلة من القرارات الصغيرة بما فيها التراخيص، الصيانة، رصد المخاطر، ترتيب الأولويات التي راكمت هشاشة ما؟ فرق الإنقاذ قد تنقذ أرواحا لكنها لا تستطيع وحدها تغيير هندسة مدينة، ولا تصحيح اختيارات عمرانية تمتد لسنوات.

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...