تناقضات الجزائر التي لا تنتهي.. تنظيم وقفة احتجاجية في باريس "ضد الانفصال" برفع الأعلام الجزائرية إلى جانب أعلام البوليساريو!
شهدت العاصمة الفرنسية باريس، يوم أمس الأحد، تنظيم وقفة احتجاجية وُصفت بأنها مدعومة من السلطات الجزائرية، رُفعت خلالها شعارات تندد بـ"الانفصال" وتدعو إلى "وحدة الجزائر"، وذلك على خلفية الإعلان الرمزي الذي أصدرته حركة "الماك" بشأن استقلال منطقة القبائل.
الوقفة جاءت بعد أيام من حملة إعلامية وسياسية واسعة قادتها الجزائر ضد حركة "الماك"، تزامنا مع اقتراب تاريخ 14 دجنبر الذي اختارته الحركة لإعلان استقلال رمزي لمنطقة القبائل، وهو الإعلان الذي أثار غضبا رسميا واسعا في الجزائر.
وسائل الإعلام الجزائرية الرسمية وشبه الرسمية شنت هجوما متواصلا على الحركة التي تدعو إلى استقلال منطقة القبائل، واعتبرت ما تقوم به "مساسا بوحدة الدولة الجزائرية، و"تهديدًا للأمن القومي"، في خطاب يعكس حساسية شديدة تجاه أي دعوة للانفصال داخل التراب الجزائري.
غير أن الوقفة الاحتجاجية التي نُظمت في باريس كشفت، وفق متابعين، عن تناقض صارخ في المواقف الجزائرية، حيث رُفعت الأعلام الجزائرية إلى جانب أعلام جبهة البوليساريو، حسب ما نقلته صحيفة "لوموند" الفرنسية، في مشهد أثار استغرابا واسعا لدى الرأي العام.
هذا المشهد بدا متناقضا في جوهره، إذ كيف يمكن لوقفة ترفع شعار "ضد الانفصال" أن تضم "حركة انفصالية" أخرى تطالب بالانفصال عن دولة ذات سيادة هي المملكة المغربية، في وقت يطالب فيه المغرب بوحدة ترابه الوطني. وهو الخطاب ذاته الذي ترفعه الجزائر أيضا اليوم.
التناقض الجديد الذي ينضاف إلى التناقضات الكثيرة في مواقف الجزائر، يعكس ازدواجية واضحة في الخطاب الجزائري، الذي يرفض بشكل قاطع أي حديث عن تقرير المصير أو الانفصال عندما يتعلق الأمر بوحدته الترابية، بينما يدعم ويمول ويدافع عن أطروحة انفصالية عندما يكون الأمر متعلقا بالمغرب.
وفي هذا السياق، فإن الجزائر التي تعتبر أن دعوة "الماك" للانفصال تشكل تهديدا خطيرا لوحدة الدولة الجزائرية، تصر في المقابل على دعم جبهة البوليساريو، رغم أن منطق الانفصال واحد، وأن المبدأ الذي ترفضه داخليا تدافع عنه خارجيا.
جدير بالذكر أن حركة "الماك" تبرر مطالبها بالاستقلال عن الجزائر بالحديث عن ما تصفه بـ"التهميش السياسي المزمن" الذي تعرضت له منطقة القبائل منذ استقلال الجزائر، معتبرة أن النظام السياسي القائم على مركزية القرار في العاصمة حرم المنطقة من تمثيلية فعلية ومن تدبير شؤونها بشكل ديمقراطي.
كما تستند الحركة إلى ما تعتبره سجلًا من "القمع الأمني" و"الانتهاكات الحقوقية"، مستحضرة أحداث "الربيع الأسود" سنة 2001، التي قُتل خلالها العشرات خلال احتجاجات ضد السلطة المركزية، إضافة إلى اعتقالات وملاحقات قضائية طالت نشطاء أمازيغيين ومتَعاطفين مع مطالبها.
وعلى المستوى الهوياتي، تركز حركة "الماك” على الدفاع عن الخصوصية الأمازيغية لمنطقة القبائل، معتبرة أن الاعتراف الدستوري باللغة الأمازيغية لم يواكبه تفعيل فعلي على مستوى السياسات العمومية والتعليم والإدارة، وفي هذا السياق، تذهب الحركة إلى اعتبار "حق تقرير المصير" خيارا مشروعا تستند فيه إلى المرجعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة، معتبرة أن الانتقال من مطلب الحكم الذاتي إلى الدعوة للاستقلال يعكس، في تصورها، قطيعة نهائية مع ما تصفه بـ"فشل الدولة الوطنية الجزائرية في الإصلاح".




