ذ. محمد بن الديوس
الأثنين 15 دجنبر 2025 - 20:09

الانحباس الديمقراطي في مهد الربيع العربي

كل يوم يمر على تونس يزداد الوضع السياسي أكثر قتامة وضبابية بسبب التضييق المنهجي الذي يتعرض له النشطاء وأعضاء منظمات المجتمع المدني، فنظام قيس سعيد عاد ببلاد الياسمين إلى سنوات الدولة البوليسية وسلطوية بن علي التي ثار عليها الشعب التونسي.

رياح السلطوية هاته أسفرت في الأسابيع الأخيرة على اعتقال أبرز وجوه المعارضة من اليمين واليسار، سياسيين أكبر المتشائمين لم يكن ليراهن على اعتقالهم ومحاكمتهم محاكمات صورية، على سبيل المثال لا الحصر، رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ورئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي؛ فالأمور لم تقف عند هذا الحد.

ففي الأيام الأخيرة تم الرفع من مستوى التضييق ليصل إلى أقصى مستوياته منذ الانقلاب الأبيض الذي قاده قيس سعيد والجهة التي تقف وراءه وتوجهه، فشخصية كالرئيس التونسي قيس سعيد، وهو الأستاذ جامعي الذي لا يعرف عنه أي نشاط سياسي أو حقوقي قبل ثورة الياسمين، من المستبعد أن يكون هو المخطط لهذا الانقلاب الأبيض، فهو على ما يبدو مجرد واجهة وأداة لتنفيذه.

وتبقى ما يعرف بالدولة العميقة هي العقل المدبر لهذا الانقلاب على الشرعية وبكل تأكيد من خلال دعم أجنبي ومباركة من دول لم تكن تنظر بعين الرضا عن التجربة الديمقراطية التونسية، التي كانت تلقب بواحدة الديمقراطية في المنطقة.

ففي 25 يوليوز 2021، قام قيس سعيد بتجميد البرلمان وإسقاط حكومة المشيشي، ومع مرور الوقت وضع يده على القضاء الذي كان يعرقل المخطط الانقلابي، لكن رغم كل محاولات المقاومة والدفاع عن استقلالية القضاء، انتصرت الدولة العميقة وعبرها ساكن قصر قرطاج في الأخير ورسخ بذلك نظامه الذي ما فتئ يروج له، نظام لا ديمقراطي يعزز من سلطة الفرد ومن هيمنة شخص واحد على السلطات الثلاث.

مؤخرا تم الحكم على 34 شخصية سياسية وحقوقية ب45 سنة بتهمة التآمر على أمن الدولة، محاكمات شابها تجاوزات لها صلة بمبدأ المحاكمة العادلة، وتبقى أبرزها متابعات الأيام الأخيرة، كاعتقال شيماء عيسى في 29 نونبر الماضي في تونس العاصمة على هامش مظاهرة تندد بالوضع المتأزم وبخطر الانزلاق نحو الدكتاتورية والحكم الشمولي الذي عرفته مهد الربيع العربي، كما اعتقل كذلك عياشي همامي الوزير السابق لحقوق الإنسان.

فشيماء عيسى والهمامي بالإضافة لأحمد نجيب الشابي البالغ من العمر 81 سنة، تم اعتقالهم للمرة الثانية، فقد سبق أن تم الزج بهم في غياهب السجن في فبراير 2023 قبل أن يتم الإفراج عنهم بعد أشهر من الاعتقال مع منعهم من السفر والظهور بالأماكن العامة، فهو وباقي المناضلين والنشطاء السياسيين والحقوقيين يناضلون من أجل غلق قوس هذه الردة الديمقراطية التي عرفتها تونس ما بعد ثورة 2011.

فالعديد من الاعتقالات التي تتم فهي تتم على أساس مرسوم 2022//09/54 المتعلق بنشر أخبار غير صحيحة، وهو المرسوم الذي على إثره تم اعتقال شخصيات عامة، وهناك من هو معتقل دون أن يعلم بسبب الاعتقال، وهناك كذلك من تجاوز فترة الاعتقال الاحتياطي لكن مازال في السجن بدون مبرر.

فرغم كل هذا التضييق والانحباس الديمقراطي، المجتمع المدني التونسي متشبث بحريته وحقوقه ولا يزال يقاوم ويصارع من أجل تونس حرة وديمقراطية، وهنا أستحضر ما قاله المغفور له الحسن الثاني عن المجتمع التونسي عندما سئل عن إمكانية تدخل المغرب عسكريا للدفاع عنها.

وكان ذلك بسبب حالة عدم الاستقرار التي شهدتها البلاد بعد أحداث قفصة ومرض الوزير الأول الهادي نويرة، فخلال معرض جوابه، أكد الراحل الحسن الثاني: أن استقرار تونس لا يمكن زعزعته، لأن تونس هي الشعب ولا يمكن زعزعة استقرار شعب، في الوقت الذي يمكن فيه زعزعة النظام، فمادام هناك مواطن واحد تونسي فتونس باقية. 

الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...