تدهور احتياطي العملة الصعبة يدفع الجزائر لحجز 307 ملايين دولار لشركات الطيران العالمية التي تقصد مطاراتها.. والاتحاد الدولي للنقل يعتبر "الإجراء" انعكاسا لعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي

 تدهور احتياطي العملة الصعبة يدفع الجزائر لحجز 307 ملايين دولار لشركات الطيران العالمية التي تقصد مطاراتها.. والاتحاد الدولي للنقل يعتبر "الإجراء" انعكاسا لعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي
الصحيفة – محمد سعيد أرباط
الثلاثاء 16 دجنبر 2025 - 12:00

تصدرت الجزائر قائمة الدول الأكثر حجزا على أموال شركات الطيران العالمية، وفق معطيات حديثة صادرة عن الاتحاد الدولي للنقل الجوي (IATA)، الذي كشف أن قيمة الأموال المحجوزة في الجزائر بلغت 307 ملايين دولار إلى غاية نهاية أكتوبر 2025، وهو أعلى رقم مسجل عالميا.

وأفاد الاتحاد الدولي للنقل الجوي في تقرير مفصل، بأن إجمالي الأموال المحجوزة على شركات الطيران عبر العالم بلغ 1.2 مليار دولار، مشيرا إلى أن 93 في المائة من هذه الأموال محتجزة في منطقة إفريقيا والشرق الأوسط، ما يعكس حجم القيود المفروضة على تحويل العملة في هذه الدول.

واعتبر الاتحاد في تقريره أن الجزائر، للمرة الأولى، تتصدر قائمة الدول الأكثر حجزا على أموال شركات الطيران، مسجلا زيادات كبيرة خلال الأشهر الأخيرة، نتيجة فرض إجراءات جديدة للموافقة على تحويل الأموال من طرف وزارة التجارة الجزائرية، أضيفت إلى مساطر توثيق معقدة أصلا، حسب تعبير التقرير.

ودعا الاتحاد الدولي للنقل الجوي في التقرير نفسه السلطات الجزائرية إلى إزالة الإجراءات غير الضرورية وتخفيف القيود المفروضة على شركات الطيران، معتبرا أن هذه الممارسات تعرقل نشاط النقل الجوي وتؤثر سلبا على الربط الجوي والاقتصاد.

ونقل التقرير في هذا السياق، تصريح المدير العام للاتحاد، ويلي والش، الذي قال إن شركات الطيران تحتاج إلى وصول موثوق إلى إيراداتها بالدولار الأمريكي لضمان استمرارية عملياتها وتسديد التزاماتها، مذكرا بأن الحكومات ملتزمة، بموجب الاتفاقيات الثنائية، بضمان حرية تحويل أموال الشركات دون قيود.

واعتبر الاتحاد في ذات التقرير أن عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي يعد من أبرز الأسباب التي تدفع دولا في إفريقيا والشرق الأوسط، مثل الجزائر، إلى فرض قيود صارمة على العملة، ما يؤدي إلى تجميد مبالغ كبيرة من أموال شركات الطيران، رغم ما لذلك من آثار سلبية طويلة المدى على الاقتصاد وفرص الشغل.

وحسب التقرير، فإن الجزائر ليست حالة معزولة، لكنها تمثل النموذج الأبرز لهذه السياسات، في سياق إقليمي يشمل 26 دولة في إفريقيا والشرق الأوسط، غير أن حجم الأموال المحجوزة لديها يجعلها في صدارة القائمة، بزيادة تفوق 120 مليون دولار عن منطقة "XAF ZONE" التي توجد في المرتبة الثانية، والتي تضم 6 دول إفريقية مجتمعة، وهي الكاميرون وإفريقيا الوسطى، والتشاد، والكونغو، وغينيا الاستيوائية، والغابون.

وبالعودة إلى السياق الاقتصادي الجزائري، ترى العديد من القراءات الاقتصادية أن هذه القيود تعكس حساسية شديدة تجاه العملة الصعبة، في ظل اعتماد الاقتصاد الجزائري بشكل كبير على مداخيل النفط والغاز، وغياب تنوع اقتصادي قادر على امتصاص الصدمات الخارجية.

ويشير هذا المعطى، وفق القراءات ذاتها، إلى أن الجزائر تتبنى منذ سنوات سياسة اقتصادية شبه منغلقة، تهدف إلى الحد من خروج العملة الصعبة، وهو ما يفسر، جزئيا، غياب عدد من العلامات التجارية والشركات الدولية الكبرى عن السوق الجزائرية.

ويربط محللون بين تشديد القيود على تحويل الأموال وبين أزمات متكررة في الاستيراد، خاصة ما يتعلق باستيراد السيارات وقطع الغيار، حيث فرضت الجزائر خلال السنوات الماضية قيودا صارمة للحفاظ على احتياطاتها من العملة الصعبة.

وتُعزى هذه السياسات، بحسب نفس القراءات، إلى مخاوف من أن يؤدي أي انفتاح اقتصادي واسع إلى استنزاف سريع للعملة، في ظل بنية اقتصادية غير متنوعة، تجعل البلاد عرضة لتقلبات أسعار النفط والغاز في الأسواق الدولية.

سعي الجزائر الحثيث إلى تجميع وادخار ما يتوفر لديها من العملة الصعبة، خصوصا الدولار الأمريكي، يُعتقد بقوة أنه تحسبا لالتزامات استراتيجية وفق رؤيتها، من بينها صفقات التسلح، التي تشكل بندا ثقيلا ودائما في الإنفاق العمومي الجزائري، وهو ما يفرض ضغطا إضافيا على سياسات الصرف والتحويل، ويجعل السلطات أكثر تشددا في السماح بخروج العملة.

وتدعم هذا الطرح المعطيات الرسمية المتعلقة بالميزانيات التي تخصصها الجزائر سنويا للدفاع، حيث تظل ميزانية الجيش البند الأكبر في قانون المالية، مع تخصيص ما يقارب 25 مليار دولار في مشروع ميزانية 2025-2026 لوزارة الدفاع، مقارنة بميزانيات التعليم والصحة اللذين يحصلان على مبالغ أقل بكثير رغم الاحتياجات المتزايدة في هذه القطاعات الحيوية.

وتشير بيانات متعددة إلى أن إنفاق الجزائر العسكري في 2025 يتجاوز بكثير ميزانيات العديد من الدول الإفريقية الأخرى مجتمعة، إذ تتجاوز ميزانية الدفاع الجزائرية بـ25 مليار دولار مجموع ميزانيات الدفاع في مصر ونيجيريا وليبيا وجنوب إفريقيا وإثيوبيا وتنزانيا وتونس وكينيا معا، وهو مؤشر على ترجيح الأولويات العسكرية على التنمية البشرية في تخطيط الموارد المالية للدولة.

ويُلاحظ أن المقارنة بين ميزانية الدفاع وباقي الميزانيات القطاعية، خاصة تلك المرتبطة بالتنمية الاقتصادية والتعليم والصحة، تكشف عن اختلال واضح في ترتيب الأولويات، وهو ما يفسر استمرار ضعف النمو الاقتصادي في الجزائر، رغم توفرها على موارد طاقية كبيرة من الغاز والبترول، التي لم تنعكس بشكل ملموس على تنويع الاقتصاد أو تحسين مناخ الاستثمار.

وتبرز هذه السياسة صورة اقتصاد يعتمد على الريع الطاقي ويواجه صعوبات في التحول نحو نموذج إنتاجي منفتح ومستدام، حيث تُستخدم العملة الصعبة في تغطية نفقات سيادية وأمنية أكثر من توظيفها في جذب الاستثمار أو دعم القطاعات المنتجة القادرة على خلق الثروة وفرص الشغل.

الاتحاد الدولي للنقل الجوي شدد في نفس التقرير على أن هذه المقاربة، وإن كانت مفهومة من زاوية إدارة الندرة في العملة، فإنها تظل مكلفة اقتصاديا، لأنها تقوض ثقة المستثمرين وتضعف دور النقل الجوي كرافعة للتنمية والاندماج في الاقتصاد العالمي، خصوصا في دول تسعى إلى تحسين صورتها الاستثمارية.

وأكد ويلي والش، المدير العام للاتحاد الدولي للنقل الجوي أن تسهيل تحويل أموال شركات الطيران يخدم أيضا مصلحة الحكومات نفسها، لأنه يعزز الربط الجوي، ويدعم السياحة والتجارة وخلق فرص الشغل، داعيا إلى إعطاء أولوية لهذه التحويلات حتى في فترات شح العملة، باعتبارها استثمارا غير مباشر في الاقتصاد الوطني.

وتشير تقارير الاتحاد إلى أن استمرار حجز أموال شركات الطيران قد يدفع بعض الناقلات إلى تقليص رحلاتها أو إعادة النظر في وجودها داخل الأسواق المعنية، وهو ما ينعكس سلبا على تنافسية هذه الدول وعلى قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية والانخراط في سلاسل القيمة العالمية.

وتخلص هذه القراءة إلى أن السياسات القائمة على الإغلاق المالي وتقييد التحويلات، وإن وفرت هامشا مؤقتا للحفاظ على العملة، فإن كلفتها الاقتصادية على المدى المتوسط والطويل تبقى مرتفعة، خاصة عندما تُقارن بتجارب دول اختارت الانفتاح التدريجي وتحسين مناخ الأعمال كمدخل لتحقيق الاستقرار والنمو.

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...