أمطار الخير تفضح وجوه الشر
أمطار الخير تفضح وجوه الشرحين تهطل أمطار الخير، تنشرح القلوب، وتستبشر الناس خيرا أملا في الخصب والحصاد الوفير.. حين يهطل المطر لا يُحيي الأرض وحدها، بل يُوقظ الضمائر وتكشف المعادن الحقيقية للبشر.
فالمطر، ذلك الحدث الطبيعي البسيط في ظاهره، يتحوّل في كثير من الأحيان إلى مرآة تعكس وجوه الخير والشر معًا، وتُظهر الفارق بين من يحمل في قلبه إنسانية صادقة، ومن يتخفّى خلف أقنعة زائفة لا تصمد أمام أول اختبار..
وفي المقابل، تفضح أمطار الخير وجوه الشر التي اعتادت استغلال الأزمات. فبينما ينشغل البعض بالمساعدة، يظهر آخرون يتاجرون بمعاناة الناس، يرفعون الأسعار، أو ينهبون المساعدات، أو يتخذون من المصائب فرصة لتحقيق مكاسب شخصية ضيّقة. تسقط أقنعتهم مع أول قطرة مطر، ويظهر قبح الأنانية والجشع الذي يحاولون إخفاءه.
ولا يقتصر كشف الوجوه على الأفراد فحسب، بل يشمل المؤسسات والجهات التي تدّعي خدمة الناس. ففي أوقات الرخاء قد تتماهى الشعارات والأفعال، لكن عند نزول أمطار الاختبار، يتبيّن من يعمل بصدق، ومن يكتفي بالكلام. فالأزمات لا تخلق الأخلاق، بل تكشفها، والمطر لا يغيّر النفوس، بل يعرّيـها.
إن حقيقة الشر لا تحتاج أحيانًا إلى لجان تحقيق، ولا إلى تقارير مطوّلة، فزخة مطر واحدة قد تكون كافية لفضح سنوات من الغش والإهمال في البنية التحتية. عند أول اختبار حقيقي، تتعرّى الطرقات، وتغرق الشوارع، وتنهار قنوات الصرف، لتكشف ما خفي خلف الإسفلت اللامع والشعارات الرنّانة.
إن الغش في البنية التحتية ليس خطئاً عابـرًا، بل جريمة صامتة تُرتكب على حساب سلامة الناس وكرامتهم. أساسه تقليل في جودة المواد، وتلاعب في المواصفات، وتهاون في الرقابة، وتنكر للعهود والوعود، يبدأ في المكاتب وينتهي بكارثة في الميدان.
وحين تتهاطل الأمطار، تتحول هذه الممارسات إلى أدلة دامغة لا يمكن إنكارها، حيث تظهر الحفر، وتفيض المجاري، وتتصدع الجسور، وتتهاوى البيوت والبنايات الهشة.. والمؤلم أن هذا الغش لا يفضح فشل المشاريع ونقض العهود والوعود الانتخابية فحسب، بل يفضح منظومة كاملة من الفساد.
فالبنية التحتية ليست ترفًا عمرانيًا، بل أساس الحياة اليومية الكريمة، وأي خلل فيها يعني تعطّل مصالح الناس، وتهديد أرواحهم، واستنزاف أموال تُصرف مرارًا وتكرارا لإصلاح ما كان يجب أن يُنجز بإتقان منذ البداية.
وفي المقابل، فإن انكشاف الغش يفتح بابًا للأمل، لأنه يضع الجميع أمام مسؤولياتهم، كما أن الفشل في تنزيل برامج التنمية يطرح أسئلة كثيرة أهمها : أين يصرف المال العام ..؟ ومن المسؤول عن الكـارثة..؟
إن فضح الغش ليس هدفًا في حد ذاته، بل هو خطوة لابد منها نحو الإصلاح. فالتنمية الحقيقية لا تقوم على المشاريع التي تُجَمِّل الواجهة فقط، بل على أعمال متينة تصمد أمام عوادي الزمن والكوارث والأخطار، كالزلازل والأمطار، فعلى الرغم مما قد تسببه هذه الأخيرة من أضرار، تبقى شاهدًا صادقًا لا يُجامل المنافقين والأشرار، يفضح الرداءة، ويؤكد أن البناء في غياب الضمير الحي مصيره الانهيار..
وفي الأخير نقول: إن الأمطار تبقى امتحانًا صادقًا لكل مسؤول، فكما تروي الأرض، فهي في نفس الوقت تفضح النفوس، وتكتب بوضوح حكاية الخير والشر كما هي، بلا تزييف ولا أقنعة.



