مخاوف متصاعدة في تونس بعد تسريب وثيقة تتحدث عن ترتيبات دفاعية قد تتيح تدخّل الجيش الجزائري لحماية "النظام في تونس"
بعد مضي فترة قصيرة على توقيع الاتفاق الحكومي المشترك للتعاون في مجال الدفاع بين تونس والجزائر، عاد هذا الملف إلى واجهة النقاش العام في تونس، نتيجة تداول وثيقة غير موقعة على منصات التواصل الاجتماعي، أثارت موجة من التأويلات والجدل، ودفعت أطرافا سياسية ومدنية إلى التحذير من تداعيات غياب المعلومة الرسمية على الثقة بين الدولة والمجتمع.
وفي هذا السياق، أصدرت حركة حق، وهي ائتلاف يضم أحزابا ونشطاء معارضين، بيانا عبّرت فيه عن قلقها مما اعتبرته فراغا اتصاليا فتح المجال أمام الإشاعات والتشكيك، معتبرة أن الجدل المتصاعد يعكس، في جوهره، يقظة مجتمعية وحرصا على المصالح التونسية، بقدر ما يكشف هشاشة إدارة التواصل الرسمي في الملفات ذات الحساسية السيادية.
الحركة رأت أن غياب نشر النص الكامل للاتفاقية، التي أُعلن عن توقيعها رسميًا بين وزارتي دفاع تونس والجزائر، جعل النقاش العام رهين تسريبات غير مثبتة، بعضها ذهب إلى الحديث عن ترتيبات عسكرية تتعلق بإمكانية تدخل قوات جزائرية داخل الأراضي التونسية، وهي معطيات لم يصدر بشأنها أي تأكيد أو نفي رسمي حتى الآن، ما ساهم في تعميق الانقسام وإرباك الرأي العام.
وانطلاقا من هذا التشخيص، دعت حركة حق إلى عرض بنود الاتفاقية على الرأي العام والجهات المختصة، معتبرة أن نشر النص الرسمي يظل الإجراء الوحيد القادر على وضع حد للتأويلات المتضاربة وتفنيد المعطيات المغلوطة، ومؤكدة أن الشعب، باعتباره مصدر السيادة، يظل المعني الأول بأي التزامات استراتيجية قد ترهن حاضر البلاد ومستقبلها.
وفي قراءة ذات بعد سياسي أوسع، شددت الحركة على أن متانة أي نظام سياسي لا تُقاس فقط بقدرة مؤسساته على عقد اتفاقيات إقليمية أو دولية، بل بمدى تجذّر شرعيته داخليا، محذّرة من أن التعويل المفرط على التوازنات الخارجية، مهما بلغت أهميتها الاستراتيجية، لا يمكن أن يكون بديلا عن التماسك الوطني والوضوح في إدارة الملفات السيادية.
ورغم ذلك، حرصت الحركة على التأكيد أن علاقات تونس بالجزائر تظل، من حيث المبدأ، علاقات استراتيجية، تقوم على التاريخ المشترك والمصالح المتبادلة، غير أن استدامة هذه العلاقات، بحسبها، تقتضي وضوح الاتفاقيات ونزاهتها واحترام السيادة الوطنية لكل طرف، مع تحميل كل من يتولى مسؤولية عامة واجب اليقظة في التعامل مع القضايا المصيرية.
ويأتي هذا الجدل في وقت كانت فيه وزارة الدفاع الجزائرية قد أعلنت، في بيان سابق بتاريخ 7 أكتوبر 2025، عن توقيع اتفاق حكومي مشترك للتعاون في مجال الدفاع خلال زيارة عمل أداها وزير الدفاع التونسي إلى الجزائر، ووصفت الاتفاق آنذاك بأنه محطة مفصلية في مسار تعزيز العلاقات العسكرية الثنائية، دون أن تُنشر تفاصيل بنوده أو نطاقه التنفيذي.




