المحكمة الدستورية: كل درهم غير مُبرَّر للحملات الانتخابية سيعتبر ''اختلاسا للمال العام''.. ونقل منازعات الترشيحات إلى القضاء الإداري

 المحكمة الدستورية: كل درهم غير مُبرَّر للحملات الانتخابية سيعتبر ''اختلاسا للمال العام''.. ونقل منازعات الترشيحات إلى القضاء الإداري
الصحيفة - خولة اجعيفري
السبت 27 دجنبر 2025 - 9:00

زكّت المحكمة الدستورية المقتضيات الجديدة الواردة في القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، والتي تفرض رقابة صارمة وغير مسبوقة على الدعم المالي العمومي المخصص للحملات الانتخابية مؤكدة بصيغة واضحة أن أي إخلال بتبرير هذا الصرف أو الامتناع عن إرجاع المبالغ غير المستعملة إلى خزينة الدولة يُعد 'اختلاسا للمال العام''، ويعاقب عليه وفق التشريع الجاري به العمل في قرار يُعد من أبرز القرارات المفصلية في مسار تخليق الحياة الانتخابية وتعزيز الحكامة المالية المرتبطة بالاستحقاقات الانتخابية التي تقبل عليها بلادنا في 2026.

وجاء في حيثيات قرار المحكمة أن المشرع المغربي، وهو يستحضر المقتضيات الدستورية المتعلقة بحماية المال العام وربط المسؤولية بالمحاسبة، يملك كامل الصلاحية لإقرار تدابير تشريعية تهدف إلى "صيانة سلامة العمليات الانتخابية" وضمان حسن توجيه الدعم العمومي نحو الغايات التي خُصص من أجلها والمتمثلة أساسا في المساهمة في التعبير الحر والنزيه عن إرادة الناخبين وفق ما تقرره المبادئ الدستورية.

وأوضحت المحكمة أن المجلس الأعلى للحسابات، المنوط به دستوريا فحص النفقات المتعلقة بالعمليات الانتخابية أصبح يشكل اليوم الحلقة المركزية في هذا النظام الرقابي حيث يتعيّن على وكلاء اللوائح والمترشحين تقديم تبرير مفصل لأوجه صرف المبالغ التي تسلموها من أحزابهم، أو إرجاعها كاملة إلى خزينة الدولة إذا لم تُصرف.

وخلافا لما كان في السابق من نقاشات أخلاقية أو سياسية حول صرف المال الانتخابي، انتقل النقاش الآن إلى مرتبة المسؤولية الجنائية المباشرة، إذ نص القرار بوضوح على أن "عدم تبرير صرف المبالغ المذكورة أو عدم إرجاعها إلى الخزينة يُعد اختلاسا للمال العام".

ويذهب القرار أبعد من التأكيد على مجرد الصفة العمومية للأموال الانتخابية، ليُرسّخ مفهوم "المسؤولية المشتركة" حيث شددت المحكمة على أن الأحزاب السياسية تتحمل مسؤولية جسيمة في الإشراف على صرف الدعم الذي تتلقاه من الدولة غير أن هذه المسؤولية لا تعفي المترشحين الذين يخوضون الانتخابات باسم هذه الأحزاب من واجب المحاسبة بما يجعل الطرفين معا أمام التزام قانوني وأخلاقي واضح ومباشر.

ويعكس هذا التوجه، رغبة واضحة في تخليق الممارسة الانتخابية ومحاصرة كل أشكال الانحراف المالي خاصة أن المحكمة وضعت هذا القرار في سياق دستوري أوسع عنوانه حماية المال العام وإعمال مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة وهي المبادئ التي تُعد من مرتكزات النظام الدستوري للمملكة وفق ما ورد صراحة في تعليلها.

وعلى مستوى ثانٍ لا يقل أهمية، لم يقتصر قرار المحكمة الدستورية على الجانب المالي وحده بل شمل أيضا إعادة هيكلة النظام القضائي المتعلق بالمنازعات الانتخابية، حيث صادقت المحكمة على المقتضيات الجديدة التي نقلت اختصاص النظر في الطعون المرتبطة برفض الترشيحات من المحاكم الابتدائية العادية إلى المحاكم الإدارية.

وبموجب المادة 87 المعدّلة، أصبح القضاء الإداري هو الجهة المختصة ابتداء بالبث في القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية بشأن رفض الترشيحات ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يتيح القانون إمكانية استئناف هذه الأحكام مباشرة أمام محكمة النقض، وهو ما اعتبرته المحكمة الدستورية "ضمانة قضائية قوية" باعتباره يرفع منسوب الطمأنينة الحقوقية للمترشحين ويوفر لهم درجات عليا من الرقابة القضائية في ظرف حساس.

كما تضمن النص الجديد مقتضى استثنائيا وغير مسبوق يقضي بأن عدم بت محكمة النقض داخل أجل 24 ساعة من تاريخ توصلها بالطعن يُعتبر بمثابة رفض للطعن وتثبيتا للحكم الابتدائي الصادر عن المحكمة الإدارية.

وأوضحت المحكمة الدستورية في قرارها أن هذه الآجال القصيرة والاستثنائية ليست مجرّد إجراء شكلي بل تفرضها "طبيعة المسار الانتخابي" نفسه، الذي يقوم على التحديد الدقيق للآجال وضمان استقرار المراكز القانونية لباقي المترشحين وحماية وحدة العملية الانتخابية وتسلسل مراحلها ضمن زمن انتخابي مضبوط دستوريا.

ورغم هذا التشدد الإجرائي، حرصت المحكمة على التأكيد أن هذه المساطر لا تصادر حق الأطراف في الانتصاف النهائي، إذ يظل من حق المترشحين المتضررين الطعن لاحقا في صحة العمليات الانتخابية برمتها أمام المحكمة الدستورية بعد إعلان النتائج بما يمنح العملية الانتخابية طبقتين قضائيتين واحدة سريعة واستعجالية لضمان السير العادي للانتخابات، وأخرى نهائية وتقديرية لضمان المشروعية الدستورية الكاملة.

وأشارت المحكمة كذلك إلى أن صلاحياتها تمتد إلى "بسط النظر" على جميع الأعمال السابقة والممهدة للاقتراع بما فيها قرارات رفض أو قبول الترشيحات ما يضمن وحدة المنظومة القضائية وتكامل مستويات الرقابة على العملية الانتخابية من بدايتها إلى نهايتها.

ويبدو القرار رسالة سياسية وديمقراطية قوية مفادها أن المال الانتخابي هو مال عمومي محمي بالقانون وتحت طائلة المتابعة الجنائية والمنازعات الانتخابية التي تخضع اليوم لمنظومة قضائية أكثر تخصصا وسرعة وحزما.

وبين التشدد المالي والانضباط القضائي، يرسم القرار ملامح مرحلة جديدة في الحياة الانتخابية المغربية عنوانها تعميق الشفافية، تعزيز الثقة العامة، وتحصين العملية الانتخابية بمنظومة صارمة تجمع بين الردع القانوني وضمانات الإنصاف الديمقراطي وفق محمد الراغبي أستاذ القانون الدستوري الذي اعتبر أن هذا القرار "يؤشر على انتقال المنظومة الانتخابية المغربية من منطق التساهل العملي مع المال الانتخابي إلى منطق الضبط الجنائي للمال العمومي داخل المسار الديمقراطي".

 وأوضح الراغبي، في تصريح لـ"الصحيفة" أن قيمة القرار لا تكمن فقط في تكريس دور المجلس الأعلى للحسابات أو في ترديد شعارات الحكامة الجيدة بل في كونه يربط، لأول مرة بهذا الوضوح، بين الامتياز الانتخابي الذي تستفيد منه الأحزاب والمرشحون وبين مسؤوليتهم الجنائية المحتملة إذا لم يحسنوا تدبير هذا الامتياز.

وزاد المتحدث: "نحن أمام رسالة صريحة للأحزاب مفادها أن الدعم العمومي لم يعد مجرد وسيلة لتغطية تكاليف الحملة، بل أصبح اختبارا مباشرا لمدى احترامها لثقافة المحاسبة التي ينص عليها الدستور".

وبخصوص جانب المنازعات الانتخابية، يرى الخبير ذاته أن نقل اختصاص الطعون في رفض الترشيحات إلى القضاء الإداري مع إقرار آجال قياسية لبت محكمة النقض "يعكس محاولة بناء توازن دقيق بين مطلب السرعة الانتخابية وضمانات المحاكمة العادلة".

وأورد أن إسناد الاختصاص للقضاء الإداري ينسجم في نظره، مع الطبيعة القانونية لقرارات السلطات الإدارية، لكنه في المقابل يفرض على الفاعلين السياسيين والمحامين تطوير ثقافة جديدة في الترافع الانتخابي تقوم على الدقة الإجرائية واستباق آجال الطعن.

ويخلص الخبير إلى أن الرهان الحقيقي في المرحلة المقبلة هو أن تستوعب الأحزاب هذا التحول، وأن تتعامل مع التمويل العمومي والطعون الانتخابية بمنطق "المسؤولية الدستورية" لا بمنطق المناورة الظرفية لأن كلفة الخطأ أصبحت أكبر بكثير مما كانت عليه في السابق.

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...